السودان.. كفاك الغربة والذلة.. حرب الظل تواصل الزحف على أجساد المدنيين فى العام الثالث للأزمة.. جرائم وحشية من العصابات وأحلام الأبرياء تحت رحمة الأشقياء.. زحف على طريق المجهول.. وخارجية أمريكا تدعم الحوار

لا شيء يُعبر عن مأساة السودان الراهنة أكثر من أغنية ود الصديق الشهيرة «كفاك الغربة والذلة»، بمعانٍ تكاد تُطابق الحال: «أبوك مرضان 3 سنين// وأمّك راقدة مُنشلّة»؛ وقد أوشكت الحرب على إغلاق عامها الثالث، والبلد بكامله من حيث كونه أُمًّا وأبًا للجميع، يُعانى ما يُشبه الشلل الشامل بأثر الاحتراب وجنايات ميليشيا الدعم السريع، الأغنية تُخاطب شخصًا مُتعيّنًا اسمه عبدالله، والواقع يدوس على أرواح ملايين السودانيين، وقد صار الأبرياء جميعًا ضحايا لنزوات الأشقياء.
«الحرب والأوبئة والجوع» مثلث الرعب الذى يواصل ملاحقة المدنيين فى السودان، وكأن كارثة واحدة لا تكفى، الدولة المنسية، التى لا تلقى اهتماما كافيا يليق بحجم الكارثة الإنسانية التى تواصل حصد الأرواح من المدنيين، تئن تحت وطأة الحرب، وانتشار الأوبئة القاتلة، وشبح الجوع الذى يخيم على عدد من المناطق، خاصة فى المناطق المحاصرة فى دارفور.
«أكبر أزمة إنسانية» هى الكلمات التى اختارتها مسؤولة أممية لوصف الأوضاع فى السودان المنكوب، وعلى الرغم من التقارير الأممية والمنظمات الدولية، إلا أن الاستجابة الدولية للأزمة فى حدها الأدنى فى أفضل الأحوال، إذ كشفت مسؤولة سودانية، عن أن التمويل الدولى الموجه للسودان، يمثل 12% فقط من الاحتياجات الأساسية، وهو ما يجعل الاستجابة الدولية ضعيفة للغاية، فى الوقت الذى لا تتوفر فيه سبل الحياة الضرورية فى عدد من المناطق.
الاستجابة المتخاذلة للأوضاع الإنسانية، فاقم من الأزمة بشكل كبير، فحتى الدعوات والنداءات بوقوع مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، الواقعة تحت حصار محكم منذ أكثر من عام، إلا أن هذه النداءات لم تلق صدى ولم تحرك ساكنا، لإنقاذ المدنيين المحاصرين، وتم تركهم ليواجهوا مصيرهم بمفردهم.
وباعتبارها الحلقة الأضعف فى كل الصراعات، دفعت المرأة السودانية الثمن الأكبر، فى هذه الحرب الضارية، فتحولت إلى نازحة ولاجئة، ومن لم تستطع الهرب منهن، قاست كل أنواع الانتهاكات، ما بين الاغتصاب والاعتداءات الجسدية، والاستعباد الجنسى، وبالطبع العبء النفسى الكبير خاصة من يحملن منهن مسؤولية أطفالهن، وكشفت مسؤولة فى مؤسسة نسوية، أن النازحين جراء هذه الحرب أكثر من 12 مليون شخص، معظمهم من النساء، إذ يمكن القول إن هذه الحرب قامت على أجساد النساء.
ويزداد المشهد السياسى تعقيدا، بخطوة إعلان تشكيل حكومة موازية فى نيالا بدارفور، وهى الخطوة التى لاقت رفضا إقليميا وأفريقيا ودوليا، إلا أن الأطراف الدولية والإقليمية، تواصل تحركاتها لاحتواء الحرب، وإن كانت التحركات تتسم بالسرية الشديدة، إلا أن أطراف الوساطة والجهات المعنية بالقضية السودانية، تصر على التأكيد على ضرورة الدفع بالحوار للتوصل لوقف إطلاق النار، لإنهاء معاناة الشعب السودانى، وتأمين وصول المساعدات للمناطق المنكوبة والأكثر احتياجا.
تحظى الأزمة السودانية، باهتمام كبير على المستويين الإقليمى والدولى، إذ تسعى الأطراف المعنية للتوصل لحلول لإنهاء الحرب الضارية التى قضت على الأخضر واليابس فى السودان، وتركت ملايين من السودانيين على حافة الموت، ما بين انتشار الأوبئة القاتلة، ورحلة النزوح الخطيرة، وانعدام السلع والمساعدات، مع استمرار القصف والأعمال العسكرية، التى خلفت آلافا من القتلى والمصابين.
ويواصل الوسطاء التدخل فى محاولة لوقف إطلاق النار خاصة فى المناطق المنكوبة، التى يخيم عليها شبح المجاعة، وذلك لأهداف إنسانية، لإغاثة الفئات الأكثر ضعفا وتحتاج للرعاية والدعم.
وفى هذا الصدد، أكد اللواء الدكتور أمين إسماعيل مجذوب، خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الاستراتيجية فى السودان، أن فرص التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، متوفرة، خاصة مع تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وتوقع انفراجة فى المشهد، مشددا على شروط السودان ألا يكون للدعم السريع أى وجود عسكرى، أو سياسى، وتسريح لعناصر الدعم السريع والعودة لحياتهم المدنية التى كانوا يعيشونها قبل ذلك.
وقال مجذوب فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»، إن الفرصة لوقف إطلاق النار موجودة، والوقت مناسب، مشيرا إلى أن الوسطاء أقوياء، ويمكنهم تقديم الضمانات لوقف إطلاق النار.
وتعليقا على تشكيل حكومة موازية من قبل ميليشيا الدعم السريع، فى نيالا، أكد الخبير الأمنى، أنها لا تؤثر ولا تشكل أى خطورة على وحدة السودان، مشددا على أن الحكومة الموازية «ولدت» ميتة، فليس لها تأييد محلى أو إقليمى أو دولى.
وقال لـ«اليوم السابع»: «تكوين هذه الحكومة المزعومة، هى محاولة للدخول فى الأجواء الدولية، باعتبار أنها حكومة موازية موجودة فى دارفور، لكن هذه الحكومة ولدت ميتة، لا تأييد محلى، لا تأييد إقليمى ولا تأييد دولى، رفض كامل يبدأ من مجلس الأمن، بقراره الأخير برفض تكوين أى حكومة موازية فى السودان، يؤدى إلى تقسيم السودان، أيضا رفض أمريكى، ورفض عربى من الجامعة العربية، رفض أفريقى من مجلس السلم والأمن الأفريقى، رفض من دول مركزية ومفصلية فى القضية مثل مصر، التى ترفض تكوين هذه الحكومة».
وتابع: «لذلك هذه الحكومة ولدت ميتة لا أحد يعترف بها، ولا الشعب السودانى يلتفت إليها وهى تفتقد إلى عناصر مهمة، فلا أرض حيوية تحكمها، لا تأييد، ولا شعب مقتنع بها، ولا موارد، ولا تأييد إقليمى ودولى، ولا حدود تتيح لها أن تنشئ علاقات مع دول مجاورة، ولدت ميتة وستظل ميتة».
ومن جهتها، رفضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية تامى بروس، الرد على طلب «اليوم السابع»، بالتعليق على التحركات والمحادثات الدبلوماسية، التى تجريها الولايات المتحدة الأمريكية، فى سبيل التوصل لحل للحرب فى السودان.
وأكدت أن أولويات واشنطن، هى دعم الحوار بين الأطراف المختلفة، الذى يؤدى بالنهاية لتحقيق السلام، لإنهاء معاناة المدنيين والشعب السوداني.
وقالت الخارجية الأمريكية فى ردها على «اليوم السابع»: « لن نناقش مناقشاتنا الدبلوماسية، نواصل التواصل مع الأطراف وممثليهم عبر قنوات دبلوماسية متنوعة، لن أخوض فى تفاصيل تلك المناقشات».
وتابعت بروس: «نحن ملتزمون بدعم الحوار الذى يؤدى إلى السلام وينهى معاناة الشعب السودانى».
وكان السيد لورنس كورباندى، مبعوث منظمة إيجاد الخاص للسودان، قد أكد فى حوار سابق له على صفحات «اليوم السابع»، أن الإقليم يعيش فى حالة من الاضطرابات السياسية، مشددا على أن دول منظمة «الإيجاد»، ملتزمة بإيجاد الحلول للقضية السودانية والصراع الذى اشتدت وطأته، قائلا: «استقرار السودان يعنى استقرار دول منطقة الإيجاد وأفريقيا على حد سواء، وموقفنا واضح منذ بداية هذا الصراع وهو أنه لا حل عسكريا لهذه القضية».
وعن الخطوات التى اتخذتها المنظمة فى سبيل حل الصراع، فقال: «منذ اندلاع الحرب فى السودان فى الخامس عشر من أبريل عام 2023، قامت منظمة إيجاد بمجهودات جبارة لإيقاف الحرب، وقد عُقدت عدة قمم على مستوى رؤساء دول الإيجاد فى جيبوتى وأوغندا، بالاضافة إلى تقديمها خارطة الطريق لحل الأزمة»، مشيرا إلى أن المنظمة شاركت فى كل المبادرات التى تهدف إلى إيقاف نيران الحرب فى السودان، بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين من الاتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة وبقية الشركاء الدوليين.
وتابع كورباندى: «الإيجاد تثق فى نفسها تماماً فى الوصول للحلول لقضايا الدول التى تنضوى تحتها»، مضيفا: «أما مسألة عودة السودان للمنظمة فهى مفتوحة تحت أى ظرف وفى كل وقت».. ورفض كورباندى الإجابة على سؤال إذ كانت هناك زيارات قريبة للسودان، لمحاولة حل صراع وحلحلة الأزمة، وقال: «سنفصح عن ذلك حين تكتمل كل الترتيبات».
وردا على سؤال بخصوص الأدوات، التى من الممكن أن تلجأ لها الإيجاد لتسوية الصراع الذى يقترب من عامه الثاني، قال كورباندى: «تتمثل أدواتنا فى تقريب وجهات نظر الفرقاء السودانيين حول مسألة وقف الحرب وتقديم المساعدات الإنسانية لكل المتضررين ووضعية النازحين واللاجئين والترتيب للعملية السياسية المفضية لإنهاء الحرب عبر حوار سودانى/ سودانى لا يستثنى أحدا، ونحن نعمل مع كل الشركاء الإقليميين والدوليين من أجل تحقيق هذه الأهداف».

Trending Plus