بين السوشيال ميديا والواقع.. من يملك وعينا؟

شحاتة زكريا
شحاتة زكريا
شحاتة زكريا

لم يعد السؤال اليوم: كيف نستخدم السوشيال ميديا؟ بل أصبح الأعمق والأخطر: كيف صارت السوشيال ميديا تستخدمنا؟

لقد تحولت المنصات الرقمية من مجرد وسيلة تواصل إلى فضاء يصنع الوعي ويعيد تشكيل عقول البشر حتى باتت تحدد لنا ما نراه ونسمعه ونفكر فيه ، بل وما نغضب له ونفرح به ونصدق أو نكذب.

في البداية دخلنا إلى هذا العالم الافتراضي بإحساس الحرية والانفتاح؛ اعتبرناه وسيلة للاقتراب أكثر من الحقيقة ولإيصال أصوات لم تكن تُسمع من قبل. لكن مع مرور الوقت اكتشفنا أن تلك الحرية ليست مطلقة ، وأن "الخوارزميات" التي تدير المنصات تعرف عنا أكثر مما نعرفه نحن عن أنفسنا. هي التي تختار لنا الأخبار وتقترح لنا الأصدقاء وتعيد علينا ما نحب سماعه حتى نحيا داخل فقاعة تضخم قناعاتنا وتلغي تنوع الواقع.

هنا يصبح الخطر: نحن نتصور أننا أحرار في اختياراتنا ، بينما في الحقيقة نعيش داخل مسرح كبير تديره خيوط غير مرئية. ملايين البشر يتفاعلون يوميا مع ما يُعرض أمامهم وكأنه الحقيقة المطلقة، بينما الواقع أوسع وأعقد.

لقد تحولت السوشيال ميديا إلى حاكم خفي يملك سلاحا أخطر من الدبابة والصاروخ: توجيه العقل الجمعي. فلم يعد تشكيل الرأي العام يحتاج إلى وسائل إعلام تقليدية فقط ، بل صار التريند كفيلا بأن يحدد جدول اهتماماتنا. قضية صغيرة قد تتحول إلى معركة كبرى تشغل الجميع بينما مأساة ضخمة قد تُدفن تحت الركام لأن الخوارزميات لم ترفعها إلى قمة الشاشة.

أخطر ما في الأمر أن الإنسان بدأ يفقد المسافة الفاصلة بين الافتراضي والحقيقي. شاب يرى صور الرفاهية والثراء على إنستجرام فيتصور أن كل العالم يعيش هذا النمط من الحياة، فيتولد لديه إحباط من واقعه. آخر يظن أن كل ما يُكتب من آراء يمثل الحقيقة المطلقة فيتخذ قراراته على أساس انطباعات عابرة. حتى العلاقات الإنسانية لم تعد تُبنى على عمق اللقاء والحوار بل على "إعجاب" أو "تعليق" أو رسالة عابرة في صندوق الوارد.

لكن، هل المشكلة في السوشيال ميديا ذاتها؟ الحقيقة أن الأدوات في ذاتها محايدة المشكلة في طريقة إدارتها واستسلامنا نحن لها. فالمنصات لم تُصمم لخدمة الحقيقة أو العدالة بل لخدمة "الزمن الأطول الذي نقضيه أمام الشاشة"، لأن كل دقيقة إضافية تتحول إلى أرباح مالية وإعلانات. هنا يتحول الإنسان من "مستخدم" إلى "مُستخدم"، ومن فاعل إلى مجرد رقم في معادلة ربحية.

السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا: من يملك وعينا؟
هل نملك نحن حرية تشكيله عبر قراءة متعددة المصادر وحوار حي وتجربة واقعية؟ أم أننا سلمنا عقولنا بالكامل إلى شركات عابرة للقارات تحدد لنا أولوياتنا؟

في مجتمعاتنا العربية يتضاعف الخطر. لأن السوشيال ميديا لم تعد فقط منصة للترفيه أو النقاش بل صارت أداة صراع سياسي وفكري وثقافي. حملات التشويه الأخبار الكاذبة الصور المفبركة ، كلها تُستخدم كسلاح يُطلق من خلف شاشة. وهنا يتأكد أن "المعركة على الوعي" أخطر من أي معركة أخرى.

ومع ذلك لا ينبغي أن نسقط في فخ التشاؤم الكامل. فالسوشيال ميديا – إذا أُحسن استخدامها – يمكن أن تكون جسرا للمعرفة والتغيير الإيجابي. كم من قضية عادلة وصلت أصواتها إلى العالم بفضل مقاطع قصيرة! وكم من موهبة شابة خرجت إلى النور بعدما كان مصيرها أن تبقى في الظل! المسألة إذن ليست إدانة مطلقة بل دعوة للوعي والنضج في التعامل.

إن إنقاذ وعينا يبدأ من سؤال بسيط: هل أتحقق مما أقرأ؟ ، هل أبحث عن وجهة النظر الأخرى؟ هل أسمح لنفسي بأن أعيش الواقع الحقيقي لا الافتراضي فقط؟
حين نعيد بناء هذه العادات الفكرية، نستعيد ملكية وعينا من قبضة الخوارزميات.

الواقع أوسع من شاشة هاتف ، والإنسان أعمق من تعليق أو لايك. علينا أن ندرك أن وعي الشعوب لا يجب أن يُختزل في تريند، ولا أن يُدار بخوارزمية. وإلا سنجد أنفسنا بعد سنوات أسرى "واقع مزيف" نظنه الحقيقة بينما الحقيقة الحقيقية تضيع أمام أعيننا.

لقد آن الأوان أن نسأل أنفسنا بصدق: هل نملك نحن وعينا، أم أصبح وعينا هو السلعة التي تُباع وتُشترى؟
الجواب سيحدد ليس فقط مستقبل كل فرد بل مستقبل الأمة بأكملها.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ألمانيا تحبط هجوما إرهابيا على سوق عيد الميلاد واعتقال 5 أشخاص

إحالة المتهم بالتحرش بالفنانة ياسمينا المصرى للجنايات

الدوري السعودي يستعد لاستقبال محمد صلاح.. والهلال يفتح خزائنه

تفاصيل عرض المليون دولار من برشلونة لضم حمزة عبد الكريم وموقف الأهلي

ارتفاع حصيلة قتلى إطلاق النار على تجمع يهودى بسيدنى إلى 10 أشخاص


النيابة الإدارية تستقبل غدا طلبات التقديم لوظائف معاون نيابة دفعة 2024

صدمة بعد إطلاق نار فى جامعة أمريكية.. الضحايا من الطلاب والمسلح لا يزال هاربا

اعرف الرابط الرسمى للاستعلام عن نتائج اختبارات كلية الشرطة

صحيفة إنجليزية تحذر رونالدو من انتقال محمد صلاح إلى الدوري السعودي

سقوط 5 قتلى في إطلاق النار بأستراليا.. والشرطة تعلن مقتل أحد المنفذين


تفاصيل صادمة فى جريمة العمرانية.. أم تقتل طفليها بسلاح أبيض

اعرف كيفية الحصول على نتيجة كلية الشرطة لعام 2025/2026

التنمية المحلية: تخفيض رسوم ترخيص المحال العامة لمدة 6 أشهر بنسبة تصل لـ50%

100 مليون جنيه إسترليني تهدد بقاء محمد صلاح في ليفربول

إخطار المقبولين بكلية الشرطة للعام الدراسي الجديد هاتفيًا وبرسائل نصية

أكاديمية الشرطة تعلن نتيجة الطلاب المتقدمين لها اليوم

الأهلي يتعهد بالسماح لمصطفى شوبير بالاحتراف الأوروبى.. اعرف التفاصيل

مستقبل محمد صلاح حديث صحف إنجلترا بعد تألقه مع ليفربول ضد برايتون

6 جواهر تتألق فى كأس عاصمة مصر مع الأهلي والزمالك والمصري

مواعيد مباريات اليوم الأحد 14-12-2025 والقنوات الناقلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى