حرب في الظل.. لا أحد يرى أو يسمع أو يتكلم.. غياب التغطية الإعلامية يُسقط كارثة السودان من حسابات العالم.. تصنيف "الصراع الأهلي" والاستهداف المباشر للإعلاميين أبرز الأسباب.. وهذه طريقة العودة للمشهد الدولي

كم عدد القتلى أو المفقودين في السودان جراء الحرب؟.. هل تعرف أحدث الأرقام للنازحين واللاجئين؟.. ما حجم الدمار في البنية التحتية؟.. ما أكثر قصة إنسانية قادمة من وسط الأهوال عالقة في ذهنك؟.. كلها أسئلة يمكن طرحها على أي مهتم بالشأن العربي أو السوداني، وربما لن تجد لها إجابة محددة بسبب غياب التغطية الإعلامية عن واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم حاليًا.
في صباح يوم 15 أبريل 2023، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ليغير هذا الصراع وجه الحياة تمامًا في السودان. عشرات الآلاف من القتلى بين المدنيين، وملايين السودانيين ما بين نازحين في الداخل ولاجئين في الخارج. ورغم فداحة ما يحدث، غابت الكاميرا والتوثيق للأحداث، بخلاف ما يراه العالم في حروب أخرى مثل "حرب غزة" و"حرب أوكرانيا". فما السبب وراء أن تصبح الحرب في السودان بلا زخم إعلامي يتناسب مع حجم المأساة.. أو كأنها بلا ذاكرة؟
سر غياب التغطية الإعلامية
عثمان ميرغني، رئيس تحرير جريدة التيار السوداني والمحلل السياسي، يقول إن السبب الأول في غياب الزخم الإعلامي هو توصيف الحرب باعتبارها "حربًا أهلية داخلية"، ما أضعف الاهتمام الإقليمي والدولي بها، ووضعها في سياق الشأن السوداني المحلي. مضيفًا: "المعروف أن البعد الخارجي يعطي زخمًا أكبر، مثلما رأينا في مناطق صراعات أخرى مثل غزة أو حرب أوكرانيا".
ويضيف ميرغني:"السبب الثاني يتمثل في صعوبة التغطية الإعلامية الميدانية. ففي بعض مناطق الصراعات الأخرى مثل أوكرانيا وغزة كانت هناك تغطية ميدانية شبه كاملة، بينما في السودان التغطية قليلة جدًا أو شبه منعدمة، باستثناء بعض المناطق البعيدة عن العمليات العسكرية المباشرة".
ويوضح الكاتب الصحفي أن استهداف الإعلاميين والصحفيين بصورة مباشرة إذا اقتربوا من أي موقع للعمليات العسكرية بات نهجًا في الحرب السودانية، خاصة من جانب قوات الدعم السريع، التي لا تلتزم بأي قواعد اشتباك، ما يجعل الإعلاميين أهدافًا مباشرة. وبناءً عليه، أصبحت التغطية الإعلامية الميدانية ضعيفة للغاية.
عامل آخر أشار إليه المحلل السياسي يتمثل في العزلة الدبلوماسية التي عانى وما زال يعاني منها السودان على المستوى الدولي، مما أضعف الاهتمام العالمي بما يجري على أرضه. ويقول ميرغني: "عمومًا، موقع السودان في ترتيب أولويات العالم متدنٍ للغاية، فحتى في شرائط الأخبار تُعطى الأهمية والصدارة لأزمات أخرى، ويأتي السودان بعدها في وسائل الإعلام الدولية".
الإعلام العالمي يسأل؟!
غياب التغطية الإعلامية عن الحرب في السودان كان مثار تساؤلات حتى في وسائل الإعلام الدولية. من ذلك مقال منشور في مجلة فوربس بعنوان: "لماذا لا يتحدث أحد عن الحرب في السودان؟"، يشير إلى أن التعتيم المفروض على الحرب السودانية يعود لعدة أسباب، منها انخفاض أولوية السياسة الخارجية الأمريكية والأوروبية تجاه الصراعات في أفريقيا، بما في ذلك السودان، مقارنةً بصراعات أخرى مثل أوكرانيا أو غزة، وهو ما يقلل من الاهتمام الإعلامي والتمويل، وبالتالي ينعكس على التغطية الإعلامية وتدفق المعلومات عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وأشارت "فوربس" إلى عوامل أخرى مثل تدمير البنية التحتية للاتصالات في السودان، ما أدى إلى انقطاعات متكررة للإنترنت، وبالتالي حدّ من قدرة السودانيين على توثيق الأحداث ومشاركتها على منصات التواصل. كما تحدثت عن وجود تحيز ضمني في الإعلام الغربي يميل إلى تجاهل الصراعات في أفريقيا، خصوصًا تلك المؤثرة على السكان من ذوي البشرة الداكنة.
ولفتت المجلة إلى أن الجمهور الغربي، حتى من المهتمين بالشأن السياسي، لا يعرف الكثير عن الصراع في السودان بسبب قلة التغطية الإعلامية التقليدية، ما يؤدي إلى انخفاض الاهتمام والمشاركة عبر منصات التواصل الاجتماعي. لذا أطلق نشطاء هاشتاجات مثل#KeepEyesOnSudan لزيادة الوعي بالوضع المأساوي في السودان، إلا أن التأثير ما يزال محدودًا.
كيف نضع السودان في الصورة؟
يبقى التساؤل المهم الآن، في ظل التغييرات الميدانية منذ اندلاع الحرب وحتى اللحظة: ماذا نفعل كي نضع السودان في صدارة المشهد؟.. هنا يعود عثمان ميرغني للحديث، قائلاً: "أولاً، تسهيل التغطية الميدانية، بمعنى أن تعمل الحكومة الحالية بنفسها على تأمين الطواقم الإخبارية من مختلف الوسائط بصورة رسمية، كما يفعل الجيش الأمريكي مثلًا في بعض الحروب بتوفير الحماية للطواقم الإعلامية".
ويضيف: "الأمر الثاني، توفير إمكانيات للتواصل مع القيادات السودانية، لأن واحدة من المشكلات الكبرى تتمثل في ضعف قدرة الإعلام على التواصل المباشر مع القيادات بمختلف مستوياتها، ما يقلل من إمكانية نقل الصورة الحقيقية من مصادر الأخبار الموثوقة".
ويختتم حديثه: "ثالثًا، والأهم، إعادة تعريف الحرب بصورة تسمح بإعطائها زخمًا أكبر، فهي لم تعد حربًا داخلية فقط، بل تحولت إلى حرب بالوكالة، تتداخل فيها أطراف خارجية متعددة".


Trending Plus