سعيد الشحات يكتب: ذات يوم..25 أغسطس 1915 .. منيرة المهدية تحقق حلمها بأن تكون أول سيدة مصرية تمثل على خشبة المسرح وعزيز عيد يصطحبها لمقهى فى الحسين للدعاية وأحد الجالسين يهاجمها منددا بأهل الإلحاد

طلب الفنان المسرحى عزيز عيد، من المطربة منيرة المهدية أن يعرض هو وفرقته وصلة مسرحية على خشبة مسرحها «مقهى نزهة النفوس»، فانتهزت منيرة الفرصة وطلبت منه أن يقبل اشتراكها معه فى المسرحيات، فظن عزيز عيد أنها تداعبه وتمازحه، فأجابها مازحا: «لكنى لن أدفع لك أى أجر»، فاستغربت منيرة وسألت عن السبب فأجاب: «لأننى لو بعت الفرقة فلن أحصل على ما تستحقين من مال»، ولكن منيرة أفهمت عزيز عيد أنها جادة فى طلبها، وأن التمثيل هو أمنيتها فى الحياة، وأنها تود أن تكون أول سيدة مصرية تقف على خشبة المسرح، حسبما تذكر الدكتورة رتيبة الحفنى فى كتابها «السلطانة منيرة المهدية والغناء فى مصر».
وافق عزيز عيد وأسند إلى منيرة دور حسن فى رواية للشيخ سلامة حجازى، أى أنها بدأت التمثيل على المسرح بدور فتى، ولم تقم بدور نسائى، وتؤكد رتيبة الحفنى: «تحقق حلم منيرة، وكانت أول مصرية تشترك بالغناء والتمثيل مع فرقة مسرحية، وكان ذلك فى صيف عام 1915»، وحتى ذلك الحين كانت منيرة مطربة ذائعة الصيت، لكن حلم التمثيل كان يراودها فى زمن كانت الأوضاع الاجتماعية السائدة لا تقبل أن تقدم المرأة المصرية على مثل هذه الخطوة، وتذكر «الحفنى»: «أرادت أن تدخل تاريخ المسرح كأول سيدة تخطت التقاليد المتبعة، فالمسارح من قبل كانت تستعين بنساء من أصل شامى ويهوديات ومسيحيات للقيام بالأدوار النسائية، اشتهر منهن «مارى صرفان»، و«ميليان ديان» و«مريم سماط»، «ألماظ»، «نظلة مزراحى»، وكان الرجال من قبل يقومون بأدوار النساء فى المسرحيات أشهرهم «عمر وصفى»، «حسن فايق»، «مختار عثمان»، «حسن إبراهيم» الذى اشتهر بالأدوار النسائية فى فرقة نجيب الريحانى.
بعد أن وافق عزيز عيد على طلب منيرة المهدية بالتمثيل على المسرح لجأ إلى نوع من الدعاية لها بطريقة مبتكرة وقتئذ، وتذكر الكاتبة الصحفية زينب عبداللاه فى كتابها «أنا الأولى»، أنه كما كانت منيرة أول سيدة مصرية تقف على المسرح، كانت أول سيدة مصرية تجلس على المقهى، وفى 25 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1915، أعلنت جريدة «الأخبار» هذا الحدث الفنى تحت عنوان «أول ممثلة مصرية»، وفى التفاصيل: «تحيى فى مساء يوم الخميس ليلة الجمعة 26 الجارى فى تياترو «برنتانيا» ليلة يحتفل فيها بدخول المغنية المشهورة الست منيرة المهدية التمثيل العربى، فتنشد قصيدة استقبال، من تلحين الموسيقى المبدع كامل الخلعى، تستمر ثلث ساعة، ثم تمثل لأول مرة دور وليم فى الفصل الثالث من رواية «صلاح الدين الأيوبى».
وعن قصة المقهى تنقل «عبداللاه» عن مجلة «الكواكب» عام 1956 تحت عنوان «ذكريات من الحى اللاتينى»: «فى إحدى السهرات اصطحب عزيز عيد منيرة المهدية إلى حى الحسين، حيث كان يظهر معها فى كل الأوساط كنوع من الدعاية، ولم يتوقع أحد أن يذهب بها إلى حى الحسين، ويجلس معها على إحدى مقاهيه ليتفاجأ رواد المقهى بوجود امرأة بينهم، فكثرت الهمهمات وتعجب الناس، ووقف أحد الجالسين ليخطب فى الناس منددا بأهل الإلحاد والزندقة الذين استهانوا بالتقاليد، واصطحبوا النساء إلى أماكن محرمة عليهم، واشتدت الحماسة بين الحاضرين حتى كادوا يعتدون على عزيز عيد، فنصحه أحد الأصدقاء بمغادرة المكان قبل أن يتفاقم الأمر، ولم يمر هذا الحدث مرور الكرام، وتناولته الصحف وثار حوله الجدل، وانشغل به الناس، وهو ما أراده الفنان الكبير كدعاية تسبق ظهور منيرة كأول امرأة تقف على المسرح، وهكذا كانت المهدية أول امرأة مصرية تجلس على مقهى وتقف على المسرح».
تذكر رتيبة الحفنى الأثر الذى نتج عن اعتلاء منيرة المهدية المسرح، قائلة إنه باشتراكها مع فرقة عزيز عيد زاد الإقبال على المسرحيات، وأصبحت الفرقة تنافس فرقة الشيخ سلامة حجازى الذى لم تكن ظروفه الصحية لتسمح له بالتصدى لها على الصعيد الفنى، وأخذ عزيز عيد فى تدريب منيرة على الإلقاء والتمثيل، وتضيف الحفنى: «قابل بعض المتزمتين اعتلاء منيرة للمسرح باستنكار كبير، وعدوا ظهور المرأة على المسرح تحريضا على الفسق والفساد، وكان الحجاب مضروبا على المرأة المصرية، حتى أنها حين سمح لها بمشاهدة مسرحية جعلوا الدخول إلى المسرح من باب خاص وسلم خاص، ولكن إقبال الجمهور على مشاهدة مسرحيات منيرة المهدية أذاب هذا الاستنكار».
وتقول «الحفنى»: «فى الليلة الأولى لعرض المسرحية، تدفق الجمهور على المسرح لرؤية الممثلة المصرية الأولى والاستماع إلى صوت منيرة المهدية، وكان من بين الحاضرين رئيس الحكومة المصرية حسين باشا رشدى، والوزراء وكبار رجال الدولة»، وتضيف «الحفنى»: «كانت منيرة تكتب فى الإعلانات «الممثلة الأولى» بالرغم من أنها لم تقم إلا بأدوار الرجال، ولكنها أرادت أن تخلد تاريخ المسرح كأول سيدة تخطت التقاليد المتبعة».

Trending Plus