في رحاب المدينة المنورة.. دموع وشوق ودعاء فى ذكرى مولد الحبيب.. معتمرون مصريون يحييون ذكرى الحبيب بجوار قبر النبي.. رحلات روحانية لا تُنسى بين الروضة والبقيع وشهداء أحد

مع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف، تزداد مشاعر الشوق والروحانية لدى المعتمرين الذين يتوافدون على المدينة المنورة، حيث يتجه عدد كبير منهم إلى زيارة قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والروضة الشريفة، في مشهد تغمره دموع الفرح والرهبة والدعاء.
مشاعر صادقة تختلط فيها الدموع بالدعوات، والقلوب تمتلئ بخشوع لا مثيل له، وسط أجواء روحانية لا تُنسى يعيشها الزائرون في هذا المقام الطاهر.
المعتمرون القادمون من مصر، ومن بينهم عدد كبير من العائلات والمسنين، حرصوا على إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف بالقرب من قبر الحبيب المصطفى، معتبرين هذه المناسبة فرصة عظيمة لتعظيم السيرة النبوية وتذكر أخلاق الرسول الكريم وسنّته.
وقد بدت ملامح التأثر واضحة على وجوههم، فيما علت أصوات الدعاء وقراءة القرآن في أرجاء المسجد النبوي الشريف، وامتزجت دموع الزائرين بخشوع اللحظة وقدسية المكان.
الاحتفاء بذكرى المولد النبوي في المدينة المنورة لا يقتصر على الزيارة الروحية فقط، بل يمتد ليشمل جولات ميدانية في المعالم الإسلامية والتاريخية التي ترتبط بسيرة النبي وأصحابه.
وقد نظم المعتمرون المصريون زيارات إلى عدد من المواقع الدينية المهمة، في مقدمتها جبل أُحد الذي شهد واحدة من أبرز معارك الإسلام، حيث وقف الزائرون أمام قبور شهداء أُحد، وتحديدًا قبر حمزة بن عبد المطلب، عم النبي، مستحضرين مواقفهم البطولية وتضحياتهم في سبيل الدين.
كما شملت الجولات زيارة مسجد قباء، أول مسجد بُني في الإسلام، والذي يُعد من الأماكن التي أوصى النبي بزيارتها، لما فيه من أجر عظيم.
ولم تغب الروضة الشريفة عن جدول زيارات المعتمرين، حيث بذل الكثيرون جهدًا كبيرًا في سبيل الوصول إليها والصلاة فيها، لما لها من فضل عظيم، إذ قال عنها النبي إنها "روضة من رياض الجنة".
زيارة مسجد ذو القبلتين كانت محطة أخرى ذات طابع خاص، إذ ارتبط هذا المكان بتحول القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، وهو حدث غيّر مجرى العبادة في الإسلام، ولا يزال أثره محفورًا في وجدان المسلمين حتى اليوم.
واستوقف المعتمرون أيضًا بئر غرس، الذي يُقال إن النبي شرب منه، وقد حرص الكثيرون على الشرب من مياهه تبركًا، رغم الزحام الشديد.
من المواقع التي جذبت انتباه الزوار أيضًا مزرعة سليمان، ووقف عثمان بن عفان، وهو أحد أبرز الأوقاف الإسلامية التي تعكس عظمة الإنفاق في سبيل الله، إذ يُروى أن عثمان رضي الله عنه اشترى بئر رومة وجعلها سبيلًا للمسلمين، ولا تزال مياهه تجري إلى اليوم بإشراف من مؤسسات الوقف.
البقيع، مقبرة أهل المدينة المنورة، كانت آخر محطات الزيارة، حيث يرقد عدد كبير من الصحابة والتابعين، في مقدمتهم أمهات المؤمنين وأبناء النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد وقف الزائرون بخشوع أمام هذه القبور، مستحضرين تاريخًا عظيمًا من التضحية والصبر والإيمان، وارتفعت الأصوات بالدعاء للموتى والرجاء في حسن الخاتمة.
وبينما يتأمل المعتمرون في هذه الرحلة الروحانية، يعبّر كثير منهم عن شعورهم العميق بالسكينة والطمأنينة التي تغمرهم منذ لحظة دخولهم إلى المدينة المنورة فالأجواء التي تهيمن على المكان، سواء داخل الحرم النبوي أو في محيطه، تحمل طابعًا خاصًا لا يشبه أي تجربة أخرى، إذ تلامس الأرواح قبل الأجساد، وتغسل القلوب من هموم الدنيا.
عدد من المعتمرين المصريين أعربوا عن سعادتهم البالغة بهذه الزيارة التي تزامنت مع المولد النبوي الشريف، مؤكدين أن التواجد في هذا التوقيت يحمل قيمة روحية مضاعفة، وفرصة لتجديد العهد مع سيرة النبي وتعاليمه، وسط أجواء يعجز اللسان عن وصفها.
وقال أحدهم إن هذه الرحلة ستظل محفورة في ذاكرته مدى الحياة، لما حملته من نفحات إيمانية، ومواقف مؤثرة، ودروس عظيمة في المحبة والوفاء.
وفي الوقت الذي يختتم فيه المعتمرون رحلتهم، تتجدد النية في قلوبهم للعودة مجددًا، فزيارة المدينة المنورة لا تُشبع في مرة، بل تظل أمنية متجددة في قلب كل مسلم ، فهنا، حيث يرقد خير البشر، تتجدد الأرواح وتسمو المشاعر، وتُختصر المسافات بين الأرض والسماء في لحظات خالصة لله.

Trending Plus