من خيمة إلى مشروع عالمي.. حكاية نجاح سيناوي صنع مجده على شاطئ دهب.. على عايش: دهب مدينة السكينة التي تحدّت الأزمات.. بيئة مثالية للتأمل والغوص والسفاري.. جاذبة لكل جنسيات العالم وخصوصا الأوروبيين.. صور

في جنوب سيناء، على شاطئ مدينة دهب الساحرة، حيث تمتد الرمال الذهبية وتلوح الجبال في الأفق، تبدأ حكاية شاب سيناوي اسمه علي محمد عايش، ابن مدينة بئر العبد في شمال سيناء.
علي لم يأتِ إلى دهب عام 1990 بحثًا عن مغامرة عابرة أو تجربة مؤقتة، بل جاء حاملاً حلمًا يختلط فيه الطموح بروح المكان، ورغبة في أن يكون له بصمة خاصة في عالم السياحة، لم يكن يملك رأس مال كبير أو دعمًا، بل كان سلاحه الأساسي هو إرادته الصلبة، وفهمه الفطري لأساسيات الضيافة البدوية، وخبرته الموروثة في التعامل مع الصحراء والبحر والناس.
"عايش "روى لـ "اليوم السابع" تجربته فى العمل والإستثمار فى مناخ أمن وبتسهيلات قدمتها الدولة وتواصلها لكل من يريد أن ينجح فى دعم السياحة على شاطئ دهب بقوله: "كانت الخطوة الأولى عبارة عن مخيم صغير مستأجر، يقدم للزوّار ما يكفيهم من مكان للنوم وبعض الأطعمة البسيطة. لم يكن المشروع في بدايته يختلف عن غيره من أماكن الإقامة المتواضعة المنتشرة في دهب آنذاك، لكن الفارق كان في أسلوب علي. كان يحرص على التواصل المباشر مع كل زائر، يعرف أسماءهم، يسأل عن تفاصيل رحلتهم، ويشاركهم القصص حول سيناء وعادات أهلها".
من خلال هذا التواصل، اكتشف "علي" أن السياح لا يبحثون فقط عن البحر والشمس، بل عن حالة من السكينة والهدوء، وعن تجربة تخرجهم من إيقاع الحياة السريع. هذه الملاحظة البسيطة كانت مفتاح التحوّل، فبدأ يطوّر مشروعه ليصبح مركزًا لتجربة سياحية مختلفة، تمزج بين الطبيعة والنشاط البدني والهدوء الروحي.
دهب ليست مجرد وجهة على الخريطة، بل هي حالة متكاملة من الانسجام مع الطبيعة. منذ التسعينيات، جذبت المدينة شريحة واسعة من السياح الأوروبيين، خاصة الباحثين عن الغوص في مواقعها الفريدة مثل "بلو هول" و"الثري بولز"، أو ممارسة رياضات التسلق على جبالها، أو التأمل على شواطئها في صمت.
الموسم السياحي في دهب يمتد عادة من أكتوبر حتى أبريل، وهي الفترة التي يتدفق فيها الزوار عبر مطار شرم الشيخ، مستفيدين من درجات الحرارة المعتدلة والمياه الصافية. هذه الخصائص جعلت من دهب بيئة مثالية لنمو أنشطة السياحة البديلة، التي تبتعد عن الزحام والمنتجعات الفاخرة، وتقترب من الإنسان والطبيعة.
يقول علي : "أدركت هذه الحقيقة مبكرًا، فبدأت بتنظيم رحلات سفاري بدوية، حيث يتعرف الزائرون على الصحراء من منظور أهلها، ويتذوقون الطعام البدوي المطهو على الحطب، ويستمعون إلى الحكايات حول تاريخ سيناء". ويتابع : "أضت أيضًا جلسات تأمل على الشاطئ، وأنشطة يوغا في الهواء الطلق، مما جعل المخيم وجهة مميزة لعشاق الهدوء".
آشار انه فى عام 2011 وتراجع حركة السياحة في مصر، وأغلاق لعديد من المنشآت أبوابها، دهب ظلت صامدة بفضل مجتمع الأجانب المقيمين فيها، الذين لم يغادروها حتى في أصعب الأوقات. بعض هؤلاء كانوا في الأصل زبائن أوفياء له، تحولوا إلى أصدقاء دائمين، وأصبحوا يروجون لدهب عبر حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وينقلون صورة إيجابية عن أمانها وجمالها.
ساهم هؤلاء الأجانب في تنظيم مهرجانات فنية صغيرة، وإحياء الحرف اليدوية المحلية، وحتى المشاركة في حملات تنظيف الشواطئ. يقول علي عنهم:
"الناس دي حبت دهب بجد. وقت ما ناس كتير كانت خايفة تيجي مصر، هم كانوا بيقولوا للعالم: دهب آمنة.. وجميلة.. وتستحق الزيارة."
لم يكن الطريق مفروشًا بالورود. مرّ علي بفترات ركود قاسية، اضطر فيها لتقليص الخدمات وتخفيض النفقات، لكنه لم يغلق المخيم يومًا. كان يرى في مشروعه أكثر من مجرد مصدر رزق؛ كان يراه جسرًا يربط بين ثقافة سيناء والعالم، ومساحة يلتقي فيها الناس على أساس من البساطة والتقدير للطبيعة.
اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، يدير علي مشروعًا متكاملًا يعمل فيه شباب من أبناء سيناء، يكتسبون خبرة في التعامل مع الزوار من مختلف الجنسيات. يأتي إليه ضيوف من ألمانيا وإيطاليا وروسيا وهولندا، ويعرفونه بلقب "رجل سيناء الحكيم" لما يجدونه فيه من خبرة وحكمة وكرم ضيافة.
لم يكتفِ علي بما أنجزه، بل واصل الابتكار في تجربته السياحية. أنشأ مكتبة مجانية داخل المخيم تضم كتبًا بالعربية والإنجليزية والفرنسية، متاحة لكل الزوار دون مقابل. أراد بها أن يشجع على القراءة في أجواء هادئة، ويغرس ثقافة التأمل العقلي إلى جانب النشاط البدني.
كما خصص جلسة بدوية تقليدية في قلب المشروع، مفروشة بسجاد سيناوي يدوي الصنع، تقدم فيها القهوة العربية والشاي على الجمر، وتطل مباشرة على البحر. في هذه الجلسة، يقضي الزوار ساعات طويلة يتبادلون الأحاديث، أو يقرأون، أو يكتفون بالتأمل في المشهد الساحر، دون أي ضجيج أو تكلف.
إلى جانب دوره في جذب السياح، ساهم مشروع علي في توفير فرص عمل لأبناء سيناء، وتعريفهم بأساليب العمل في السياحة البديلة. كثير من هؤلاء الشباب تعلموا منه مهارات التواصل مع الزوار، وإدارة الأنشطة السياحية، وتنظيم الفعاليات الصغيرة. كما شجع الحرفيين المحليين على عرض منتجاتهم داخل المخيم، مما ساعد في دعم الاقتصاد المحلي.
أيضا فتح أبواب جذب جديدة لأفواج السياحة العربية والأجنبية للوصول لمدينة دهب عبر الوكالات السياحية المختصة ومن خلال السفر لهذه البلاد وعرض إمكانيات مصر السياحية والترويج لها.
قصة علي محمد عايش ليست مجرد حكاية نجاح فردية، بل هي جزء من قصة دهب نفسها. هذه المدينة، التي قاومت الأزمات واحتفظت بروحها، استطاعت أن تقدم نموذجًا لسياحة أصيلة وإنسانية، تقوم على الاحترام المتبادل بين الزائر والمكان.
من خيمة متواضعة على الشاطئ إلى مشروع يجمع بين الصحراء والثقافة العالمية، يثبت علي أن الحلم حين يُزرع في أرض طيبة، يمكنه أن يزهر حتى وسط العواصف. وكما يقول هو دائمًا:
"السياحة مش شغل موسمي، هي علاقة طويلة المدى بين الناس والمكان… وإذا حافظت على روح المكان، الزوار هيرجعوا مهما حصل."

اطلاله علي شواطئ دهب

دهب مدينة تحتضن العالم

رحلات للسائحين فى عمق سيناء

شواطئ سيناء الأمنة

ضيافة على الشاطئ للسائحين

على عايش

من مشروع صغير لنقطة سياحية عالمية

Trending Plus