تصاعد الخلافات داخل الائتلاف البلجيكى بسبب غزة.. وزير الخارجية يهدد بتعطيل قرارات الحكومة إذا لم يعترف بفلسطين.. و"دي ستاندارد" تكشف كواليس أزمة قد تدفع بروكسل إلى مشهد سياسي شبيه بما جرى في هولندا

تشهد الساحة السياسية البلجيكية حالة من التوتر الشديد على خلفية المواقف المتباينة داخل الحكومة الفيدرالية تجاه الحرب الجارية في غزة، وسط مخاوف من أن تتحول الخلافات إلى أزمة وزارية جديدة، على غرار ما حدث مؤخرًا في هولندا.
وأكدت صحيفة "دي ستاندارد" البلجيكية أن وزير الخارجية ماكسيم بريفو لوح علنًا بتعطيل عمل الحكومة الفيدرالية، إذا لم تتخذ موقفًا أكثر صرامة تجاه إسرائيل، أو تقدم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، معتبرًا أن القضية الفلسطينية مسألة جوهرية بالنسبة له ولحزبه.
وأضاف بريفو، في تصريحات للصحيفة، أنه لا يمكن للحكومة أن تظل صامتة إزاء ما وصفه بـ "انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية"، مشددًا على أن أي تهاون في هذا الملف يعرض صورة بلجيكا الدولية لضرر بالغ، قائلًا: "إذا فقدنا هذه السفينة، فسيكون ذلك كارثيًا بالنسبة لصورة بلجيكا على الساحة العالمية".
وكشفت الصحيفة أن مجلس الوزراء الفيدرالي يعقد اجتماعًا داخليًا هذا الأسبوع، برئاسة رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر، لمناقشة سلسلة مقترحات جديدة تتعلق بالملف الفلسطيني، وتشمل المقترحات – بحسب "دي ستاندارد" – الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، ومنع دخول بعض الوزراء الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين إلى بلجيكا، وإدانة استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، إضافة إلى فرض قيود على شحن أو مرور الأسلحة إلى إسرائيل عبر الأراضي البلجيكية.
ووفقًا للصحيفة، فإن تهديدات بريفو تستهدف بشكل مباشر حزب الحركة الإصلاحية (MR)، الذي يمثل الليبراليين الناطقين بالفرنسية داخل الحكومة، وهو أبرز الأحزاب المعارضة لفكرة الاعتراف بفلسطين. ونقلت الصحيفة عن الوزير قوله: "أنا مستعد لعرقلة أي ملفات أخرى يرغب شركاؤنا في الائتلاف بتمريرها، إذا لم يتم إحراز تقدم في الملف الفلسطيني دفاعًا عن الشعب الفلسطيني".
وتأتي هذه التطورات بعد أقل من عام على تشكيل الحكومة الفيدرالية الجديدة، والذي استغرق أكثر من سبعة أشهر من المفاوضات الشاقة بين الأحزاب الستة المكونة للائتلاف، بقيادة بارت دي ويفر زعيم حزب التحالف الفلمنكي الجديد (N-VA).
ويضم الائتلاف الحالي خليطًا من الأحزاب ذات التوجهات المختلفة، من بينها حزب المنخرطو (Les Engagés)، والحزب الديمقراطي المسيحي الفلمنكي (CD&V)، والحزب الاشتراكي الفلمنكي (Vooruit)، الذين يطالبون جميعًا باتخاذ موقف أشد تجاه إسرائيل، وصولًا إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين.
في المقابل، يتمسك حزبا N-VA والحركة الإصلاحية (MR) بموقف أكثر تحفظًا، ويرفضان الانجرار إلى قرارات يعتبرانها "متسرعة"، الأمر الذي يعكس عمق الانقسام داخل الحكومة.
وتشير تحليلات سياسية نقلتها الصحف البلجيكية إلى أن تصريحات بريفو تعكس خطر اندلاع أزمة سياسية شبيهة بما وقع في هولندا الأسبوع الماضي، حين أدت الخلافات حول السياسة الخارجية تجاه إسرائيل وغزة إلى اهتزاز الحكومة الهولندية ودخولها في مرحلة أزمة وزارية حقيقية.
لكن رغم حدة التصريحات، استبعد بريفو في لقاء مع الصحفيين عقب اجتماع وزاري مصغرأن تصل الأمور إلى استقالات فورية، قائلاً: "من الصعب أن نتخيل أننا سنحل القضية الفلسطينية في ساعة ونصف، لكن علينا أن نسعى إلى توافق في الآراء خلال الأيام المقبلة".
ويرى مراقبون أن هذه الأزمة قد تتحول إلى اختبار حقيقي لقدرة الحكومة البلجيكية على الاستمرار وسط التباينات العميقة داخل الائتلاف، فبينما يسعى بعض الوزراء إلى دفع بروكسل لتبني موقف أكثر وضوحًا تجاه الصراع في غزة، يحرص آخرون على تجنب قرارات قد تعمق الانقسامات الداخلية أو تؤثر على علاقات بلجيكا الخارجية.
وفي جميع الأحوال، يبقى الملف الفلسطيني حاضرًا بقوة على طاولة السياسة البلجيكية، كقضية مفصلية قد تعيد تشكيل موازين القوى داخل الحكومة، أو تدفعها إلى مواجهة أزمة جديدة تهدد استقرارها السياسي في وقت بالغ الحساسية لأوروبا بأسرها.

Trending Plus