من الهيروغليفية إلى الألحان.. رحلة اللغة القبطية من الحضارة القديمة إلى الليتورجيا المعاصرة.. جسر بين الحضارات وتراث روحي حى وشراكة تاريخية منذ فجر المسيحية.. والبابا كيرلس الرابع أحياها فى القرن التاسع عشر

منذ فجر المسيحية فى مصر، ارتبطت الكنيسة القبطية ارتباطًا وثيقًا باللغة التي نشأت وتطورت على أرضها، وهي اللغة القبطية. لم تكن القبطية مجرد وسيلة للتواصل بين المؤمنين، بل أصبحت لغة مقدسة حملت على عاتقها تبشير المصريين بالإنجيل، والحفاظ على تراثهم الروحي واللغوى عبر العصور، ففي الوقت الذي كانت فيه الحضارة المصرية القديمة تتلاشى تدريجيًا، ظهرت اللغة القبطية كلغة حية، مستمدة جذورها من الحضارة الفرعونية العريقة، ولكن مكتوبة بحروف يونانية مع إضافات لتناسب أصواتها الفريدة.
وهذا التحول اللغوى تزامن مع انتشار المسيحية، وسرعان ما تبنت الكنيسة الوليدة اللغة القبطية كلغة لها، وكانت الترجمة الأولى للكتاب المقدس إلى القبطية فى القرن الثاني الميلادى علامة فارقة، حيث مكّنت جموع المصريين من فهم كلمة الله بلغتهم الأم، ومنذ ذلك الحين، أصبحت القبطية هى لغة العبادة والطقوس فى الكنيسة القبطية، وحافظت على هذا الدور المحورى حتى يومنا هذا.
عبر القرون، ورغم التحديات المختلفة، ظلت اللغة القبطية نبضًا حيًا في قلب الكنيسة، وشاهدًا على أصالة إيمانها وعمق تاريخها. إنها ليست مجرد أداة للتعبير، بل هي وعاء للتراث الروحي واللاهوتي للأقباط، تربطهم بجذورهم الحضارية والإيمانية على حد سواء.
تعتبر اللغة القبطية جسر بين الحضارات فهى تمثل حلقة وصل بين الحضارة المصرية القديمة والكنيسة المسيحية فى مصر، حيث حافظت على الكثير من المفردات والقواعد من اللغة المصرية القديمة، لكنها استخدمت الحروف اليونانية لتسهيل القراءة والكتابة.
الترجمة القبطية للكتاب المقدس
كانت أول ترجمة كاملة للكتاب المقدس إلى القبطية على يد بنتينوس في القرن الثاني الميلادي، مما ساعد على نشر المسيحية بين المصريين الذين لم يكونوا يتحدثون اليونانية.
وإلى جانب اللهجة البهيرية الرسمية، هناك لهجات أخرى مثل الساكنية والفاومية، لكنها لم تستمر فى الاستخدام الطقسى، وحتى اليوم، تُستخدم اللغة القبطية فى صلوات الكنيسة، مما يحافظ على التراث الروحي واللغوي للأقباط.
جهود الحفظ والتدريس
وفى القرن التاسع عشر، قام البابا كيرلس الرابع بإحياء اللغة القبطية من خلال إنشاء مدارس وطباعتها للكتب القبطية، كما تم تطوير طرق تدريس حديثة.
وهناك العديد من الدراسات التي تركز على قواعد اللغة القبطية، الصوتيات، الخطوط، والآداب القبطية، مما يساعد في الحفاظ على اللغة ونشرها.
اللغة القبطية
اللغة القبطية هي آخر مراحل تطور اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة، حيث كُتِبَت اللغة المصرية القديمة بحروف يونانية بدايةً من القرن الثانى الميلادي، مع إضافة 7 حروف أخرى لأصوات لم تتوفر في اللغة اليونانية، ثم تطورت اللهجات القبطية بعد كذلك ودراسة اللغة القبطية وتاريخها مهم لفهم العديد من المناحي الدينية، حيث تتداخل في الطقس والعبادة والليتورجيا الكنسية، وهي لغة الكنيسة المصرية، وهي مُعين في فهم الكتاب المقدس، والأداء الطقسي والليتورجي، وتساعد في تحقيق التاريخ الكنسي وفهم العقيدة الأرثوذكسية.
جهود تدريس اللغة القبطية في الكنائس
وضع تدريس اللغة القبطية في الكنائس حاليًا:
فصول تعليمية في الكنائس: في العديد من الكنائس القبطية حاليًا، توجد فصول لتعليم اللغة القبطية لأبناء الرعية من مختلف الأعمار. تهدف هذه الفصول إلى ربط الأجيال الجديدة بتراثهم الروحي واللغوي، وتمكينهم من فهم الصلوات والألحان القبطية.
استخدام التكنولوجيا: هناك جهود حديثة للاستفادة من التكنولوجيا في تعليم اللغة القبطية، مثل التطبيقات الإلكترونية والقواميس الرقمية.
معهد الدراسات القبطية: يقوم معهد الدراسات القبطية التابع للبطريركية بدور أكاديمي هام في دراسة اللغة القبطية وتاريخها وآدابها، ويمنح درجات علمية في هذا المجال، مما يساهم في إعداد جيل من الباحثين والمتخصصين.
الحفاظ على الألحان: هناك تركيز على تعليم اللغة القبطية المرتبطة بالألحان الكنسية، حيث أن فهم الكلمات القبطية الأصلية يساهم في فهم أعمق للروحانية الكامنة في هذه الألحان.
تحديات: بالرغم من هذه الجهود، لا يزال هناك تحدي يتمثل في أن اللغة العربية هي اللغة السائدة في المجتمع، مما يجعل اكتساب اللغة القبطية والحفاظ عليها أمرًا يتطلب جهدًا واعيًا ومستمرًا من الكنيسة والأفراد.

Trending Plus