من تبادل الرسائل إلى الاتهامات العلنية.. القصة الكاملة لتصاعد الخلاف بين ماكرون ونتنياهو حول معاداة السامية والحرب على غزة.. وملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية يُعجّل بأزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين باريس وتل أبيب

دخلت العلاقات الفرنسية الإسرائيلية مرحلة غير مسبوقة من التوتر السياسي والإعلامي، بعد مواجهة كلامية حادة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولم يقتصر الخلاف على مسألة دبلوماسية عابرة، بل ارتبط بملفات شديدة الحساسية وهى: معاداة السامية داخل فرنسا، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، والحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة.
القصة بدأت في 17 أغسطس 2025، حين بعث نتنياهو رسالة إلى ماكرون نشر تفاصيلها في الإعلام قبل أن تصل رسميًا إلى قصر الإليزيه، اتهمه فيها بالتقاعس عن مواجهة معاداة السامية في فرنسا، بل وذهب أبعد من ذلك بالقول إن دعوة باريس للاعتراف بدولة فلسطينية تمثل "مكافأة للإرهاب وتشجع حماس، وتغذي الكراهية ضد اليهود الفرنسيين".
الرد الفرنسي جاء سريعًا وحادًا، ففي 19 أغسطس، أصدرت الرئاسة بيانًا اعتبرت فيه تلك المزاعم "خاطئة ومشينة"، لكن ماكرون فضل أن يرد شخصيًا، برسالة مطولة نشرتها صحيفة لوموند الفرنسية أمس، وصف فيها اتهامات نتنياهو بأنها "إهانة لفرنسا بأكملها"، مؤكدًا أن بلاده تبذل جهودًا ضخمة لحماية مواطنيها اليهود، بما في ذلك تخصيص 15 ألف شرطي لحماية أماكن تجمعاتهم بعد هجمات 7 أكتوبر.
ماكرون شدد على أن مكافحة معاداة السامية لا يمكن أن تكون أداة للاستغلال السياسي، مشيرًا إلى أن جذور هذه الظاهرة في فرنسا تعود لليمين المتطرف منذ عقود، لكنها اليوم تتغذى أيضًا من اليسار المتطرف.
لكن ما فجّر الخلاف أكثر هو موقف باريس من القضية الفلسطينية، فقد أكد ماكرون أن الاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة ومنزوعة السلاح هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم، وضمان أمن إسرائيل، والقضاء النهائي على حركة حماس وأضاف في رسالته: "إقامة الدولة الفلسطينية يجب أن تكون نهاية حماس، وليست مكافأة لها".
الرئيس الفرنسي حذر نتنياهو من الاندفاع القاتل وغير القانونى نحو إعادة احتلال غزة، وتجويع الفلسطينيين وتهجيرهم، وضم الضفة الغربية، قائلاً إن هذه السياسات "لن تحقق لإسرائيل نصرًا، بل ستزيد من عزلتها الدولية وتعرض الجاليات اليهودية حول العالم للخطر".
في المقابل، رأت تل أبيب، وفق ما نشرته CNN، أن باريس تسترضى الإرهاب بخطواتها نحو الاعتراف بفلسطين، وأن ماكرون يمنح جائزة ضخمة لحماس على حساب أمن إسرائيل.
التوتر بين الجانبين لم يقتصر على التراشق الإعلامي، بل امتد إلى مساع دبلوماسية أوسع، فقد جمعت باريس والرياض في يوليو الماضي عشرات الحكومات العربية والغربية في نيويورك، في محاولة لصياغة "استراتيجية لليوم التالي في غزة"، تشمل ترتيبات أمنية انتقالية، وإعادة إعمار، وتجديد الحكم الفلسطيني بعيدًا عن سيطرة حماس، ووصف ماكرون هذا التحرك بأنه "التزام غير مسبوق من المجتمع الدولي لإنهاء الكارثة الإنسانية في غزة".
أما في إسرائيل، فقد اعتبر مقربون من نتنياهو وفق تسريبات نشرتها هآرتس أن ماكرون "يحاول فرض أجندة أوروبية على حساب الأمن الإسرائيلي"، فيما رأت مصادر دبلوماسية فرنسية أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي يستخدم معاداة السامية كورقة سياسية لتبرير استمرار الحرب والتوسع الاستيطاني".
وبينما يتبادل الطرفان الرسائل العلنية والاتهامات، يبقى السؤال المطروح: هل يؤدي هذا الخلاف إلى قطيعة سياسية أعمق بين باريس وتل أبيب، أم أن العلاقات التاريخية والتحالفات الأمنية ستفرض على الطرفين التهدئة لاحقًا؟

Trending Plus