أبرز رموز الكنيسة فى عمر الوطن.. الذكرى 102 لميلاد البابا شنودة.. أسرار الطفولة القاسية لشخصية استثنائية.. اختار كلية الآداب لتكون قمته.. واجه الفتن وأرسى الحكمة.. وهذه تفاصيل إنجازات 40 عاما على الكرسى البابوى

تحل، اليوم الأحد، 3 أغسطس الجاري الذكرى الـ102 لميلاد قداسة البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ117 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية (1923–2012)، أحد أبرز رموز الكنيسة والوطن، الذي ترك إرثًا روحيًا وفكريًا وإنسانيًا لا يُنسى، ما زال يُثمر في قلوب الملايين من محبيه، داخل مصر وخارجها.
ولد نظير جيد روفائيل، وهو الاسم العلماني لقداسته، يوم 3 أغسطس 1923 بقرية سلام بمحافظة أسيوط، في أسرة عانت من الفقر واليُتم، حيث فقد والدته عقب ولادته، وعاش متنقلاً بين البحيرة وبنها والإسكندرية وأسيوط حتى استقر في القاهرة بشارع شبرا في سن الرابعة عشر، وهناك بدأت ملامح شخصيته تتشكل، وتفتحت عيناه على نور الخدمة، ليبدأ مشوارًا طويلًا من البذل والعطاء.
البابا شنودة في أحد الأديرة
بداية صعبة صنعت شخصية استثنائية
لم تكن نشأة البابا سهلة، بل قاسية كما وصفها بنفسه، حيث رسب في أول عام دراسي له، وعاش مرحلة طفولة متقلبة بلا أم ولا استقرار، لكنه تغلب على كل ذلك بإصراره وحبه للعلم والإيمان. تبناه أخوه الأكبر رافائيل واهتم بتعليمه حتى صار الأول على دفعته دومًا، وقرر التفرغ للعلم والكتابة ورفض كليات القمة لأنه لم يكن يحتمل رؤية الدم، فاتجه لدراسة التاريخ والأدب بجامعة القاهرة، لتصبح الكلمة سلاحه والمعرفة طريقه.
من خادم مدارس الأحد إلى بابا الإسكندرية
بدأت خدمته الكنسية مبكرًا في سن السادسة عشر ضمن مدارس الأحد، ثم التحق بالكلية الإكليريكية عام 1946، وتخرج فيها عام 1949، ليلتحق بالرهبنة في دير السيدة العذراء "السريان" عام 1954 باسم الراهب أنطونيوس السرياني. لمع اسمه كراهب ناسك ومثقف، حتى اختاره البابا كيرلس السادس ليكون أسقفًا للتعليم عام 1962، وهو المنصب الذي رسخ مكانته كأحد أعمدة التعليم الكنسي الحديث.
وفي 14 نوفمبر 1971، جلس البابا شنودة على الكرسي المرقسي بعد اختياره بالقرعة الهيكلية، ليبدأ حقبة ممتدة من القيادة الرعوية والسياسية الصعبة، استمرت لأكثر من أربعة عقود.
البابا كيرلس والأنبا شنودة أسقف التعليم
رجل دولة وصاحب مواقف وطنية
لم يكن البابا شنودة رجل كنيسة فقط، بل كان رجل دولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ساند الدولة في حرب أكتوبر 1973، ورفض زيارة القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي، كما وقف بحكمة أمام أزمات طائفية وسياسية كبرى، أبرزها قرارات سبتمبر 1981، التي وضعته تحت الإقامة الجبرية، لكنه صبر حتى عادت له كرامته وكرامة الكنيسة.
وفي ثورة 25 يناير، عبر بوضوح عن موقف الكنيسة الوطني، داعيًا إلى الحفاظ على الوطن، ومشدّدًا على رفض العنف والفتنة، ليؤكد دائمًا أن "مصر ليست وطنًا نعيش فيه.. بل وطن يعيش فينا".
البابا شنودة الثالث
حافظ على وحدة الكنيسة بالتعليم والتنظيم
اهتم البابا شنودة بتوحيد التعليم الكنسي، وأنشأ 17 فرعًا للكلية الإكليريكية داخل مصر وخارجها، ووحد زي الكهنة والأساقفة، ووضع نظامًا دقيقًا لدرجات الكهنوت، وطقوسًا جديدة لخدمة النساء المكرسات ورئيسات الأديرة، وكان دائمًا يرى أن وحدة التعليم هي الطريق الأهم لوحدة الكنيسة. كما أسس مجلة "الكرازة" عام 1965، وظل يرأس تحريرها حتى رحيله، وكانت منبرًا للتعليم والتوجيه الكنسي والشعبي.
البابا شنودة في إحدى الفعاليات
الأنبا شنودة خلال زيارة
قائد حكيم في مواجهة العواصف
في كل أزمة، كان البابا شنودة يمارس أقصى درجات الحكمة، يعرف متى يصمت ومتى يتكلم، ويحسب كل كلمة وكأنها خطوة في لعبة شطرنج، كما كان يقول. لم يكن يتخذ قرارًا دون صلاة وخلوة وتشاور مع المحيطين به. وفي أوقات الأزمات الكبرى، كان يعتكف في دير الأنبا بيشوي، حيث يجد راحته ويستلهم قراراته من الله، كما قال مرارًا.
الحيكم في الأزمات البابا شنودة الثالث
راهب ناسك رغم الكرسي البابوي
عاش البابا شنودة حياة راهب رغم صخب المسؤولية. كان يستيقظ في الخامسة صباحًا، يقرأ الكتاب المقدس، يطالع الصحف، يرد على الرسائل، ويقابل الأبناء والمسؤولين. كان قليل النوم والطعام، كثير الكتابة والصلاة. لم يتخل عن عاداته النسكية حتى مع المرض، وواصل العطاء حتى اللحظة الأخيرة.
البابا مع أحد الرهبان
رحيله وسيرة باقية عبر الأجيال
في 17 مارس 2012، رحل قداسة البابا شنودة الثالث عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد أن خدم الكنيسة والوطن 40 عامًا و4 أشهر، تاركًا خلفه مكتبة من التعليم والكتابات الشعرية والروحية، وصورة ناصعة للقيادة المتزنة المحبة لله وللناس. وفي ذكراه الـ102، نؤكد أن ما زالت كلماته، ومواقفه، وملامح حكمته، ترن في أذهان كل من عرفوه أو تتلمذوا على تعاليمه.
البطريرك الـ117 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية

Trending Plus