أبناء ولكن.. عندما تنسى الأم حضنها فى قاعة المحكمة

محمد فرج أبو العلا
محمد فرج أبو العلا
محمد فرج أبو العلا

في السنوات الأخيرة، تغير وجه كثير من البيوت المصرية، ولم يعد البيت عامرًا كما كان؛ لا الأم حاضرة، ولا الأب موجود، والطفل بينهما ضائع لا يعلم بأي ذنب يُنسى، وأصبحت بعض الأمهات –وللأسف– منشغلات بملاحقة الأزواج في ساحات القضاء، حتى باتت المحاكم تشهد كل يوم قصصًا من النزاع والخصام، بينما الأبناء يجلسون وحدهم في ركن معتم من البيت، لا يسمعون سوى صدى الخصام.

ليست المشكلة في طلب الحقوق، فالقانون وُضع ليحفظ الكرامة ويُنصف المظلوم. لكن الكارثة تبدأ حين تُختزل الأمومة في صك نفقة، أو قرار ضم حضانة، أو تقرير طبي يُثبت العنف، ويتحول الطفل من روح تحتاج للحب والاهتمام، إلى ورقة ضغط تُستعمل في كسب معركة قضائية، حينها تصبح الأمومة مجرد صفة بيولوجية لا تتجاوز أوراق الميلاد.

لا يُمكن أن ننكر أن هناك آباءً قساة، ظلموا زوجاتهم، وهربوا من مسؤولياتهم، وتركوا خلفهم أمًا وحيدة وأطفالاً ضائعين، لكن الوجه الآخر للصورة –الذي يتجنب البعض الحديث عنه– هو وجود أمهات استبدلن العطف بالمحاماة، والحنان بالدعوى القضائية.. أمهات أصبحن يقمن بدور المحامي أكثر من دور الأم. تتابع الجلسات وتطلب الأوراق وتعد القضايا، بينما طفلها لا يجد من يعد له وجبته، أو يسأله عن دروسه، أو يمسح دموعه إذا بكى. هذا الغياب النفسي والعاطفي يترك آثارًا لا تُمحى.

الطفل الذي ينشأ في بيئة مشحونة بالخلافات، محرومًا من دفء أمه، لا يتعلم الحب، ولا يعرف الأمان. يكبر وهو يحمل في قلبه فراغًا عميقًا، وشعورًا دائمًا بعدم الأهمية، بل إن كثيرًا من الأطفال الذين عايشوا مثل هذه التجارب، انتهى بهم الحال إلى طريق الانحراف، أو التبلد، أو الحقد على المجتمع.

ثمّة من ترى أن هذا حديث عاطفي لا يراعي الواقع، وأن المرأة التي تُهجر وتُظلم وتُهان، من حقها أن تدافع عن نفسها وتسترد حقوقها، وهذا قول لا خلاف عليه، لكنه لا يُلغي أن للأم دورًا لا يجب أن يُغفل، فالأمومة ليست وظيفة بدوام كامل تُستبدل بمحضر رسمي، وليست علاقة مشروطة بحجم النفقة. إنها رابطة فطرية تُمارس رغم الظروف، ورغم التعب، لأنها في النهاية مسؤولية لا يُمكن التنازل عنها.

أين ذهبت تلك الأم التي كانت تحضن طفلها في أول يوم دراسي؟ أين تلك اليد التي كانت تُعدل ياقة قميصه، وتغرس فيه الثقة؟ كيف تحوّلت إلى امرأة تقضي معظم وقتها في مكاتب المحامين، وتنسى أن ثمة قلبًا صغيرًا يحتاج فقط إلى كلمة "أنا معك"؟ بل إن بعض الأطفال صاروا يُستعملون أدوات صراع؛ تُمنع عنهم الزيارة، أو يُحرّضون على آبائهم، أو يُجبرون على قول ما لا يشعرون به.

هل نطلب من الأمهات أن يصبرن على الظلم؟ أبدًا، ولكننا نطلب أن يتذكرن أن دورهن لا يجب أن يضيع وسط المعارك، وأن الحقوق لا تُنال على حساب الأبناء، وأن المحاكم قد تُنصفك يومًا، لكن من يُنصف طفلك من غيابك؟ من يُعيد له دفء صدرك؟ من يمنحه الأمان إذا كان كل ما حوله صار قلقًا ونزاعًا ومرافعات؟ الأم هي الحضن الأول، والملجأ الأخير، وإذا تخلّت عنه بإرادتها، فلن تُعوّضه أي نفقة، ولا أي حكم بالحضانة، لأن الطفولة لا تنتظر، والحب لا يُؤجل إلى ما بعد الحكم، فليكن القانون في جانبك، لكن لا تجعلي قلب ابنك يقف ضدك، وعلى كل أم أن تتذكر في لحظات المواجهة أن هناك قلبًا أمامها يترقب لمسة، وبأن كل دعوى، وكل جلسة، وكل كلمة تُقال في محكمة، لها وقعها في قلب هذا الطفل.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

القبض على التيك توكر "شاكر محظور" داخل كافيه شهير في القاهرة

إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب سيارة فى التجمع

عمرو جمال "غزال" الأهلى والحرس يحتفل بعيد ميلاده الـ"34" اليوم

استشهاد موظف بالهلال الأحمر الفلسطينى فى غارة إسرائيلية استهدفت مقره فى خان يونس

مباشر الميركاتو.. تعرف على آخر أخبار سوق الانتقالات الصيفية


سون هيونج مين يطوي صفحة ذهبية مع توتنهام بعد عقد من المجد والولاء

المقاولون العرب: نطالب رابطة الأندية بتعديل موعد انطلاق مباريات الدورى

القاهرة تواجه مشاكل الباعة الجائلين بالأسواق الحضارية.. نماذج مختلفة بشوارع العتبة ومول تجارى فى رمسيس.. المحافظ: لدينا تجارب ناجحة نعمل على تكرارها.. وتطوير أسواق العتبة مبشر ويحافظ على مصدر دخل البائعين.. صور

أخبار الرياضة المصرية اليوم السبت 2 - 8 - 2025

أحمد السقا يبدأ التحضيرات لفيلم الديب بتوقيع هانى سرحان ومحمد سلامة


تفاصيل سقوط التيك توكر مداهم.. فيديوهات خارجة ومخدرات ومبالغ "إنفوجراف"

رسميا.. الصفاقسي التونسي يعلن عودة على معلول

الداخل الإسرائيلى ينفجر فى وجه نتنياهو.. آلاف يتظاهرون بتل أبيب لوقف حرب غزة

تفاصيل القبض على التيك توكر مداهم.. بحوزته مخدرات وعملات أجنبية ومشغولات ذهبية

الأردن يقرر حل شركة إعلامية تابعة لجماعة الإخوان الإرهابية

ليلة سقوط البلوجرز.. احتجاز مداهم وعلياء قمرون وسوزي وأم مكة وأم سجدة

أخبار مصر.. انخفاض بدرجات الحرارة غدا وظهور سحب والعظمى بالقاهرة 34 درجة

بينها مكة.. إنذار أحمر من "الأرصاد السعودية" لـ3 مناطق بسبب حالة الطقس

برقم الجلوس.. رابط موقع التنسيق الإلكترونى وطريقة التعرف على النتيجة

إيطاليا تقدم 3 ملايين يورو لمنظمة الصحة العالمية لتعزيز القطاع الصحي في سوريا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى