التعليم المدمج ومستقبل التعليم.. تحدى أن نكون أو لا نكون

د. خالد عزب
د. خالد عزب
دكتور خالد عزب

التعليم تحدٍ يواجه مصر فى ظل تراجع العديد من الدول عن ضخ موازنات كافية لجعل التعليم ممكنًا للجميع، وبدأ تسرب التعليم الخاص كتجارة فى العملية التعليمية حقيقة تفرض نفسها، أضف عليه التعليم الأجنبى الذى بات يهدد الهوية الوطنية، لكن أيضا فضاء التعليم بات فضاءً غير ملائم للأجيال الجديدة لاكتساب العلم والمعرفة، فبنايات المدارس يمكن وصفها بالغبية التى تولد الإحساس لدى الطفل بكراهية المكان، وبالتالى عدم بناء علاقة بين المكان والطفل لها طابع حميمى تجعله يكتسب المعرفة والعلم بروح فيها قبول لما يطلب منه، هذا ما يؤشر إلى غياب علمين أساسيين من المجتمعات العربية علم النفس المعمارى الذى يعنى بالعلاقة النفسية بين الإنسان والمكان وعلم الاجتماع المعمارى الذى يعنى بتفاعل الإنسان اجتماعيا مع المكان، هذا ما يقودنا إلى غياب العلم الذى يتطور بصورة مستمرة فى قيادة المنظومة التعليمية المصرية.

تواجه مصر تحديات غير مسبوقة الآن تفوق تحديات مرحلة ما قبل وبعد الاستقلال، والتى ارتبطت ببناء الدولة الوطنية، الآن التحديات تتطلب تغيرات جذرية لكى تواكب مصر المتغيرات والتهديدات على أصعدة متعددة، لذا فإن من سيقود حركة التغيير وتفاعلاتها مع المعطيات الجديدة المتسارعة هو التعليم، التعليم النظامى والتعليم الرقمى عن بعد هما أسس هذه السياسات، فلسنوات قريبة كان مجرد الحصول على شهادة جامعية كافيا لكى يندمج الخريج فى سوق العمل، الآن التعليم المستمر حتمى لمواكبة الجديد فى التقنية، وهذا أمر لا مفر منه، فسنظل نتعلم لكى نبقى فى حلبة المنافسة أو بصورة أوضح الوجود فى هذا العالم سريع التغير، هنا الحديث عن اقتصاديات التعليم أمر لا مفر فالدول التى أحدثت قفزات اقتصادية فى مدى زمنى لا يتجاوز عشر سنوات كان التعليم الجاد والمستمر هو استثمارها الأول مثل سنغافورة والهند ورواندا وماليزيا وغيرها.


إن تحديات التعليم فى عصرنا خلخة طبيعة نظم التعليم التقليدية فى الفصل الدراسي، وأفسحت المجال بطريقة غير مسبوقة للتعليم عن بعد عبر شبكات الإنترنت، لذا هنا السؤال حول فاعلية التعليم عن بعد عبر الإنترنت، فى حقيقة الأمر إن هناك إجماعا فى العديد من مراكز الأبحاث أن التعليم عن بعد ليس له فاعلية كبيرة فى نقل المعرفة وتشربها خاصة المناهج الدراسية الطويلة التى تهدف للتعليم، بينما قد يكون أثرها جيد فى الدورات التدريبية القصيرة المحددة الموضوع، لذا الاتجاه الدولى حاليا إلى التعليم المدمج وهو ما أخذت به بصورة نسبية العديد من الجامعات العربية لكن بصورة ما زالت فى حاجة إلى مراجعة لبناء هذا النمط من التعليم بصورة جيدة.

التعليم المدمج نهج يقوم على الدمج بين التعلم وجها لوجه والتعلم عبر الإنترنت، هذا ما يعنى أن الطالب يتلقى دروسه من المعلم مباشرة ويتلقى بعضها فى المنزل، هذا ما يجعل بيئة التعلم متواكبة مع التطورات الحديثة ولا تفقد مميزات التفاعل المباشر بين المعلم والطالب خاصة فى الكليات العملية كالطب والزراعة وغيرها، كما أن هذا يوفر للتلاميذ فى المراحل التعليمية الأساسية فرصة للتحصيل الدراسى فى حالة غيابهم عن المدرسة لأسباب المرض أو السفر أو الأوبئة، هنا لابد أ نشير أن مواد التعلم عن بعد قد تكون مكملة للتعلم فى الفصل الدراسى بل شارحه لها بصورة وافية قد لا تتاح فى ساعات الدرس فى الفصل، فمادة التاريخ فى المدرسة التى تحكى عصر الدولة القديمة فى مصر الفرعونية يتكامل معها فيلم وثائقى وجرافيك شارح لبناء الأهرامات، هذا ما يجعل التاريخ هنا ليس مادة تلقينية بل مادة تفاعلية يتفاعل فيها الطالب مع المادة المشاهدة وهذا ما يحل أزمة عربية ممتدة منذ زمن حول جفاف مادة التاريخ على سبيل المثال، هذا ما يتطلب تغييرا نوعيا فى بيئة التعلم فى المدارس والجامعات لتلائم القدرات اللامحدودة التى يوفرها هذا النمط من التعلم، المتعلم هنا نشط يولد أفكار ويحصل المعرفة بطريقة فردية وجماعية، إذ يكفل التعلم عن بعد فرصة عبر شبكة الإنترنت لكى يفكر الطلاب جميعا عبر الإنترنت فى الدرس ومعطياته من المنزل، مما يتيح الوقت فى الفصل الدراسى للمناقشات والأنشطة التطبيقية وهو ما يرفع من القدرات المعرفية للمتعلمين، من معطيات هذا النوع من التعليم:


العصف الذهنى: فمشاركة الأفكار على مدار مناقشات جادة حول موضوع الدرس ينمى قدرة العقل على توليد الأفكار، هذا ما يتطلب تمارين حول طرق التفكير واستنباط الحلول وهو يولد أجيال جديدة غير تلك التى اعتاد التعليم فى الوطن العربى أن يقدمها القائمة على الترديد والحفظ فقط دون اعمال العقل، هذا ما ينمى أيضا الشعور بالمسئولية، نظرا لأن المعلم لن يكون مصدرا للمعلومات بقدر ما سيكون دليلا إلى بناء الأفكار عبر المعلومات، وهذا ما يدفع الأجيال الجديدة نحو الابحار فى فضاء المعرفة واكتساب قدرات التعلم الذاتى.


رسم خرائط المفاهيم: إن إنشاء بنية أو مخطط معرفى لأى موضوع فى العقل هو أفضل تمرين معرفى للمتعلمين ويساعد هذا على بناء خرائط للعلاقات بين المفاهيم، من هنا تبنى خرائط للمفاهيم من خلال أدوات التعلم الرقمى غير المحدودة، مثل الصور والرسومات، هذا ما يجعل عملية التعلم ممتعة فى حد ذاته ويساعد الطالب على الانغماس فيها، خاصة إذا طلب منه تنفيذ شرح لمادته وفقا لفهمه.


العروض الإبداعية: ينمى هذا النوع من التعليم القدرات الابداعية، فهم أى الطلاب لديهم فرص لبناء قصص ومقاطع فيديو قصيرة وبود كاست، حول مادة التعليم، هذا ما ينمى مهارات التعبير لدى الطلبة، ويساعدهم على تقديم أفكارهم فى مجال العمل بعد تخرجهم.


استراتيجية التعليم التعاونى : مثلت المنافسات الفردية فى التعليم فى الوطن العربى عموما كارثة فى خلق النزعات الفردية عبر المنافسة فى الفصل الدراسي، بينما أثبتت استراتيجيات التعلم التعاونى فعاليتها فى تنمية الشعور بالمسئولية لدى الطلبة، واكتساب مهارات العمل الجماعى والتفكير المنطقى والتحليلى، ومن خلالها يمكن للمعلمين ضمان مشاركة جميع المتعلمين فى عملية التعلم الهادفة.


التعلم القائم على المشروع: يجمع التعليم المدمج القائم على المشروع بين مزايا التعلم القائم على المشاريع فى بيئات التعلم التقليدية، والتعلم عبر بيئة الإنترنت، ففى هذا النوع من التعليم، يتعلم الطلبة المفاهيم الأساسية من خلال المصادر المتوافرة عبر الإنترنت، ثم يقومون بصقل مهاراتهم العملية من خلال الانخراط فى مشاريع جماعية فى بيئة التعلم وجها لوجه.


يزيد التعليم المدمج من قدرة المعلم على تحليل أعمال الطلبة ومراجعتها وتقديم الملاحظات عليها بشكل سريع، مما يمنحه القدرة على تكييف أساليب التدريس الخاصة به والتغذية الراجعة لكل طالب ،وتحسين كفاءته فى إدارة الوقت.

هذا كله له سياقات لابد من توافرها، وهى بمثابة إطار يحدد العمل فى هذا الفضاء، ومنها : سياسة أمان الحوسبة السحابية، سياسة العمل عن بعد، سياسة استخدام منصة التدريب، سياسة الاتصالات الرقمية، سياسة أمن المعلومات.

إن تحديات التعليم قبل الجامعى والفنى والجامعى فى مصر، تتوقف أمام سوق العمل الذى يفرز احتياجات جديدة واختصاصات حديثة تتطلب الاستجابة من النظام التعليمى من خلال مخرجاته، ما يتطلب تحديث مستمر فى أدوات التعليم ليكون أداة فعالة فى النمو الاقتصادى، خاصة مع تحدى التحول من الاقتصاديات التقليدية إلى اقتصاد المعرفة، والذى يقود هذا التحول عمليا هو الجامعات الأجنبية وعدد محدود من الجامعات الخاصة والوطنية ثم المدارس الأجنبية التى تعددت ما بين بريطانية وكندية وفرنسية وأمريكية، ثم المدارس الخاصة بصورة أقل ثم المدارس الحكومية التى تراجع دورها بصورة كبيرة، ففى السبعينيات كان التعليم الحكومى فى العديد من الدول العربية لديه حد أدنى مقبول من الكفاءة ومواكبة المتغيرات لكن مع تراجع دور الدول فى مواكبة هذه المتغيرات وتراجع مخصصات التعليم فى الموازنة العامة تراجع التعليم الحكومى، إن مأزق الهوية فى تصاعد بسبب اعتماد الإنجليزية فى المدارس الأجنبية والخاصة بسبب أيضا سوق العمل الذى يفضل خريجى هذه المدارس عن غيرها لتبرز هنا العلاقة السببية بين سياسات التعليم وسوق العمل وهذه نقطة فى حاجة ماسة لمعالجة حيوية ومناقشات موسعة، فلابد من الانسجام بين سياسات التعليم وسياسات التوظيف، هنا تبرز لنا تجربة فريدة من الممكن أن يكون لها أثر إيجابى على المدى البعيد وهى تجربة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم التقنية فى برنامج إعداد القادة التقنيين، كما أن العديد من برامج التدريب والتعليم المستمر فى الجامعات العربية ما زالت قيد التقييم فى ظل منافسة شرسة من مراكز فى العديد من الدول مثل بريطانيا وما ليزيا وتركيا وفرنسا  والتى يفضلها سوق العمل لجديتها، هذا ما يطرح تساؤلات للمستقبل تدور حول مصداقية المؤسسات التعليمية فى المنطقة من مدارس وجامعات أمام القادم من الخارج فدولة مثل فنلندا نجحت فى بناء اسم لها على الصعيد الدولى ارتبط بجودة وفرادة ومخرجات التعليم بها، هذا ما هو مطلوب عربيا بناء نظم تعليمية تعد ذات اعتمادية واعتراف على كافة الأصعدة، خاصة مع تقدم دول الخليج العربى فى مؤشرات جودة التعليم دوليا مما يجعل فرص القادمين لها مستقبلا محدودة حيث ستفضل خريجين من دول أعلى فى مستوى التعليم وليس أقل، هذا ما يتطلب إجراء دراسات مسحية دائمة لقياس الآتى:


المعلمون : يهتم القياس هنا باتجاهات المعلمين نحو استخدام الأجهزة الحديثة والتقنية بشكل عام، واتجاهاتهم نحو المتعلمين، وخبراتهم التقنية والتدريسية، والمامهم بالمحتوى التعليمى، وسرعة استجابتهم لاحتياجات الطلبة، وتوفير المعلومات لهم.


المتعلمون : وتشمل قياس اتجاهاتهم نحو التقنية والتعلم والفريق التدريسى، كذلك قياس مستوى دافعيتهم نحو المقرر الدراسى وعادات التعلم التى يتبعونها ومعارفهم وخبرات تعلمهم الحالية والسابقة، وشعورهم بالرضا والراحة فى السياق التعليمى الذى يتعلمون منه ومدى ما يشعرون به من جدوى المحتوى الذى يدرسونه، مدى استمتاعهم به، والتفاعل بين الطلبة، والدعم الذى يقدمونه لبعضهم البعض.
هذا ما سيرفع من مخرجات التعليم فى ظل التقييم المستمر مع رفع القدرات لدى المعلمين والمتعلمين، هنا لابد أن نقرر أن العملية التعليمية وفق هذه الأطروحات الجديدة لابد أن يراعى فيها ما يلى:


الفرق الكبير بين دمج التكنولوجيا فى التعليم، والتعليم المدمج، إذ أن الدمج المقصود هو دمج أساليب التعليم والتعليم، ونشاطاتها المبتكرة فى عملية التعليم، وتعد التقنية مجرد عنصر مساعد فيه، إذا ما تم استخدامها بكفاءة.


إن التعليم المدمج أكثر من مجرد كونه دروسا افتراضية تضاف إلى الدروس فى الفصل الدراسي، إذ أنه اعادة صياغة لخبرات التعليم بشكل كلى، ولكن بصورة مرنة وعملية، بحيث يصبح الطالب من خلاله متعلما نشطا مبادرا .فالتعليم المدمج مرن، يقوم على استخدام الزمن المخصص للتعلم بأساليب تتناسب وأنماط التعلم لدى الطلبة، واستعداداتهم الفردية، والسرعة التى يتحلى بها كل طالب فى القراءة والتحليل، ومدى تمكنه من استخدام التقنيات الجديدة، لذا فهو يقوم على:


تصميم الصف المرن، أو ما يطلق عليه أحيانا ( التصميم الموجه نحو التعلم وجها لوجه) ويتم أغلب النشاطات فيه على هيئة حصص دراسية، على أن يستكمل بعض منها على هيئة نشاطات أو واجبات يتم تنفيذها خارج الصف، سواء كانت فى المنزل أو فى أى مكان آخر .
تصميم الصف المقلوب، ويعد هذا التصميم معاكسا لبنية الصف المدرسى المرن، حيث يقرأ الطلبة حول موضوع الدرس فى المنزل، ويقومون بالإجابة عن الأسئلة، وحل التدريبات ويطلعون على ما يتصل به من مصادر مرئية ومسموعة، ويدونون تساؤلاتهم وتعليقاتهم، وينفذون مشروعات العمل المطلوبة منهم، على أن يخصص زمن الحصة فى المدرسة لطرح الأسئلة والتفكير فيها والإجابة عليها، وطرح هذا للنقاش التفاعلى.


إننا هنا فى المنطقة العربية ككل أمام تحديات فى العملية التعليمية ومخرجاتها مرتبطة بالمستقبل نكون أو لا نكون، وتتشابه المنطقة فى كل شيء من حيث المشكلات بل حتى المغرب العربى الذى كان خارج نطاق التأثر بانتشار اللغة الإنجليزية بات الآن تحت رحمة زحف اللغة الإنجليزية المتزايد بوتيرة متصاعدة فى التعليم والحياة.


إنه بدون كل ما سبق لا مستقبل للتعليم فى مصر، وبدون تعليم جاد لا مستقبل لمصر، وبدون أن نعيد الاعتبار للتعليم العام المجانى لا مستقبل لمصر.

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

انطلاق مباريات الجولة الثانية من مسابقة الدوري المصري غداً

آدم يحيى حفلا غنائيا بمهرجان قرطاج لأول مرة الاثنين

الطلائع يدخل معسكرا مغلقا اليوم استعداداً لمواجهة المصري بالدوري

ملك البدايات.. رقم قياسي ينتظر محمد صلاح في مباراة ليفربول ضد بورنموث

الزمالك ضد المقاولون العرب فى الدوري .. موعد المباراة والقناة الناقلة


مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 13-8-2025 في ملاعب العالم والقنوات الناقلة

ترامب يهاجم رئيس "جولدمان ساكس": "توقعاتهم كانت خاطئة"

أخبار 24 ساعة.. وزير التعليم: نولى اهتماما بالغا بتنمية قدرات الشباب ورعاية الموهوبين

مدرب الحراس يضع برنامجا تدريبيا خاصا لحراس مرمى الزمالك

حسام البدرى يقود أهلى طرابلس لتتويج بالدورى الليبى


أسماء أعضاء مجلس الشيوخ بالنظام الفردى بمحافظة الإسكندرية

مفتى القدس: مصر الشقيقة الكبرى والحاضنة للقضية الفلسطينية ولم تغلق معبر رفح

فيريرا يستقر على الاستعانة بخدمات أحمد حمدى فى المباريات المقبلة

الهيئة الوطنية للانتخابات: 69 مليون مواطن مقيد بقاعدة بيانات الناخبين

الكويت: إلغاء شرط الراتب للزيارات العائلية لتسهيل استقدام أسر الوافدين

محمد صلاح يطارد أيو في قائمة النخبة الإفريقية بتاريخ الدوري الإنجليزي

يانيك فيريرا يطبق سياسة "الروتيشن" بين لاعبي الزمالك لتفادي ضغط المباريات

وضع فريد للعاصمة الأمريكية واشنطن.. ومحاولات لم تنجح لتصبح الولاية الـ 51

وصول راغب علامة إلى مقر نقابة المهن الموسيقية للتحقيق معه

لماذا اكتفت رابطة الأندية بتغريم الزمالك ماليًا؟ البند 29 يكشف السبب

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى