آخر أيام الحكّاء الأعظم نجيب محفوظ.. الموت صديق فى ثياب عدو وقد هيأ نفسه له منذ سن السبعين.. تمسّك بعاداته اليومية.. واحتفظ بوعيه وذاكرته الحادة حتى الرمق الأخير

عاش الروائى الكبير نجيب محفوظ عمرا طويلا ناهز الـ95 عاما، عاصر خلاله أحداثا غيرت التاريخ، لكنه ظل ثابتا على حبه للحياة، ورغم إيمانه بأن الموت حق، فقد تمسك أديب نوبل بعاداته اليومية حتى الرمق الأخير، فلم يقل شغفه أو تفتر عزيمته، وهذا يدعونا للتأمل فى أيامه الأخيرة: كيف كانت كما وردت على لسان عائلته وأصدقائه ومحبيه وأطبائه؟
المعروف عن نجيب محفوظ أنه كان شخصا منظما لأقصى درجة، يقدّس المواعيد ويحترمها، لديه موعد استيقاظ محدد، يفتح عينيه ويبدأ يومه بدون منبّه، ينفذ جدوله اليومى المعتاد، لم تتباين التفاصيل اليومية للروائى الكبير كثيرا، فالمواعيد كان لها احترامها فى حياته حتى فى شرب السجائر أو تناول القهوة.
واستمر الحال نفسه بعد محاولة اغتياله فى 14 أكتوبر 1994، بعدما طعنه شاب بسلاح أبيض فى رقبته، رغم تأثر جسده بالحادثة سواء فى يده اليمنى أو سمعه أو بصره.
الموت صديقى.. كما قال على لسان أحد شخصياته: «المرض لقّننى درسا وهو: أن الموت صديق فى ثياب عدو».
عاش نجيب سنواته الأخيرة مصاحبا الموت، لكن ذلك لم يمنعه من الحياة أبدا، وهذا ما أكدته ابنته أم كلثوم فى ظهور إعلامى نادر لها، قائلة: «ربنا أمد فى حياته، والواحد بيفكّر فى الموت كل لما بيكبر، ووالدى كان بيهيّأ نفسه إنه يتقبل الموت وعمره كان فى السبعينات»، ظل نجيب متمسكا بأسلوب حياته المعتاد، يمارس هواياته ويلتقى الأصدقاء والأحباب بصبر شديد، رغم حالته الصحية المتردية، إلا أنه كان يستمتع بجلساتهم، حيث كانوا يقرأون له عناوين الأخبار ويستمعون إلى تعليقاته على الأحداث، وظل الوضع على هذا المنوال حتى تعرض للسقوط فى منزله يوم 19 يوليو 2006، فأصيب بجرح فى الرأس ما تطلّب جراحة فورية، لكن حالته الصحية بدأت فى التدهور يوما بعد يوم، ورغم خروجه من المستشفى، عاد إليه فى وقت لاحق، يوم 10 من شهر أغسطس، بسبب مشاكل فى الرئة والكلى.
وفى مستشفى الشرطة، قضى نجيب محفوظ أيامه الأخيرة، اعتاد خلالها الدكتور حسام موافى، أستاذ الرعاية الحرجة والمشرف على الفريق الطبى المعالج له، عقد مؤتمرات صحفية لإطلاع الرأى العام على تطورات الحالة الصحية لأديب نوبل.
اللحظات الأخيرة.. موافى كشف فى وقت لاحق تفاصيل الأيام الأخيرة فى حياة محفوظ، قائلا إنه لم يفقد وعيه حتى النهاية خلال وجوده فى العناية المركزة، رغم كبر سنه واقترابه من المئوية، وكان لا يكف عن السؤال عن آخر تطورات الحرب بلبنان، وأعرب عن حزنه على ضحايا حادثة قطارى قليوب.
أستاذ الرعاية الحرجة وصف محفوظ بالحالة المرضية النادرة فى عالم الطب البشرى، كونه ظل واعيا لكل من حوله حتى اللحظات الأخيرة من حياته، رغم تجاوزه الـ90 عاما، مع أن الشائع أن البعض بعد السبعين أو الثمانين يصابون بألزهايمر أو فقدان الذاكرة الجزئى أو المؤقت، ولفت إلى أن محفوظ تذكر الممرضة التى أسعفته فى نفس المستشفى عند تعرضه لمحاولة الاغتيال، ما أدهش الفريق الطبى المكلف برعايته.
وعن اللحظات الأخيرة فى حياته، يقول موافى: «بعد يومين من تحسّن مطّرد.. فوجئنا بفشل تنفسى جديد، وسرعان ما توقف القلب.. تدخلنا لإنعاشه فعاد للعمل.. لكن عاد القلب للتوقف.. وتدخلنا مجددا، حاولنا وحاولنا، لكن بعد ذلك انتهى كل شىء.. يرحمه الله»، ليتم الإعلان بعد ذلك فى 30 أغسطس 2006 عن رحيل عميد الرواية العربية.

Trending Plus