بعد 36 عام على كتيبة الإعدام.. حسن عز الرجال وسيد كناريا وجهان لعملة واحدة

لا تكتسب شخصيتا حسن عز الرجال وسيد كناريا صفة التشابه، من كونها شخصيات من ابتكار السيناريست أسامة أنور عكاشة فحسب، لكن عمق الشخصيتين، يتركان انطباعا لدى المشاهد، أنهما شخصا واحدا، أو وجهان لنفس العملة، فدائما ما كان يسعى الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة إلى التعبير عن أزمات نفسية لجيل خذلته الحياة، وحاول أن يجعل من أبطاله انعكاسا لمسيرته ومسيرة وطنه بما فيها من انتصارات وانكسارات، فظل يبحث من خلالهم عن المعنى والهوية والأصل والحياة، فأبطاله جميعهم يطرحون أسئلة بلا إجابة، تختلف صور المأساة لكن المعاناة واحدة، فمنهم من استسلم لتيار الحياة الجارف، ومنهم من قاوم وبحث وانتقم وهدم وبنى من جديد.

في صيف 1989، قدم عكاشة نموذجا فريدا للرجولة والشهامة والشرف والعزة، متجسدا في شخصية حسن عز الرجال "نور الشريف" بطل فيلم كتيبة الإعدام، وبقدر ما كان هذا النموذج متفردا في عالمه "اليوتوبياوي"، كان أيضا متفردا في مأساة جيله، جيل هُزم خارجيا لكنه رفض الهزيمة داخليا، فظل يقاوم دون يأس باحثا عن الشرف، ومسح عار خيانة لم يرتكبها.

وفي صيف 2003، أي بعد 14 عاما من "كتيبة الإعدام"، عاد عكاشة ليقدم نموذجا آخر للخذلان في صورة مأساة إغريقية، عبر شخصية سيد كناريا "فاروق الفيشاوى" بطل مسلسل "كناريا وشركاه"، الذي تعرض لطعنة غادرة، وحين تعافى قرر أن ينسى من خانه ويمضي في حياته.

البطلان.. حسن عز الرجال وسيد كناريا

ورغم ذلك، تبقى الفروق واضحة بين حسن عز الرجال المظلوم الساعي لإثبات براءته المعنوية والمجتمعية بعد سنوات من السجن متهما بالخيانة والسرقة، وبين سيد العائد من الغربة ليبدأ حياة جديدة بعد أن غُدر به ودخل السجن بتهمة تزوير أموال، وهي جريمة ارتكبها فعلا، لكنه وقع ضحية مؤامرة دنيئة جعلته يدفع الثمن وحده بينما نجا الجناة الحقيقيون.

ويكتشف سيد أن المؤامرة لم تتوقف عند سجنه، بل امتدت لتصل إلى ابنه، الذي اعتقد وهو خلف القضبان أنه مات أثناء الولادة، ليكتشف لاحقا أنه ما زال على قيد الحياة، بل ويحمل اسم نفس الشخص الذي تسبب في سجنه.

وهنا يتحول سيد كناريا، درويشا لحسن عز الرجال، راغبا في أن يسير على دربه في الانتقام ممن خانوه، باحثا عن شرفه المسلوب، وإن كان يقنع نفسه بأنها مجرد تصفية حسابات وليست انتقاما.

من هذه النقطة تندمج الشخصيتان في شخصية واحدة، وربما أراد عكاشة أن يجعل من كناريا امتدادا لحسن عز الرجال، أو يغوص أعمق في سيكولوجية الفارس المنهزم، فلجأ إلى مسلسل من 30 حلقة منحه المساحة الأوسع ليعبر أكثر عن حسن من خلال سيد، الذي بدا هو الآخر منهزما نفسيا واجتماعيا.

وقد يكون الأمر مرتبطا برغبة عكاشة في إعادة صياغة حبكته، التي تعرضت للانتقاد بعد عرض الفيلم، فأراد أن يتلافى أخطاءها. ومع الأخذ في الاعتبار أن عكاشة كان أكثر "حرفية" في الدراما التليفزيونية مقارنة بالسينما، فقد أتاح له طول المسلسل أن يعبر عن فكرته بحرية اعتادها هو وألفها المشاهد.

الشقيقة المؤازرة:

وبنظرة خاطفة على الشخصيتين سنجد تطابقا مدهشا، يؤكد أنهما نفس الشخص، فحسن شخصا تخلى عنه الجميع عدا أخته التى كانت تصدقه لولا سطوة زوجها، نفس الأمر بالنسبة لسيد، فقد تخلى عنه الجميع ماعدا شقيقته، لكن الفرق أن الأخيرة حاولت أن تتحدى وتحتضن شقيقها وتحتويه، بل وتجعل منه مسئول الأسرة بعد وفاة زوجها ضابط الشرطة.

شقيقتا البطلين

زوجة خائنة:

انتهزت زوجة حسن سجنه، لتقدم نفسها هدية لعدو حسن الذى ألقاه فى السجن ظلما، فخانته مرتين، مرة حينما انضمت لهذا العدو وتزوجته، ومرة أخرى حينما كتبت ابنها وابن حسن، بإسم هذا العدو، وهو ما تكرر بالحرف مع سيد الذى انتهزت زوجته سجنه، وطلبت الطلاق وباعت نفسها لعدو حسن وتزوجته وكتبت ابنها من سيد بإسم آخر "عقيم".

الإبن الضائع:

الأمر الثانى، أن الشخصيتين، كل منهما له ابن، لا يعرفان عنه شيئا، فحسن لا يعرف مصير ابنه ويبحث عنه، بينما ظل سيد يعتقد أن ابنه مات وهو يولد، وحينما علم أنه على قيد الحياة، ظل يبحث عنه، والمفارقة أن أسامة أنور عكاشة، جعل الإبنين باسم واحد وهو "هانى".

نجلا البطلين

الحالة العاطفية:

حينما خرج حسن من السجن، أقام فى لوكندا تمتلكها سيدة، دائما ما كانت "تجر شكله"، ولديها ابنة أخ صغيرة تتعاطف مع حسن، بل وتحبه وتكون أول الداعمين والداعمات له فى رحلة البحث عن ابنه الضائع، وهو نفس الأمر بالنسبة لسيد الذى يعود من السفر فيؤجر شقة صغيرة تمتلكها سيدة أيضا تجر شكله يوميا، وتعيش مع ابنة شقيقها، التى تحب سيد وتعجز عن البوح لها بمشاعره.

الفريق الداعم:

لكل من الشخصيتين فريقا داعما، يؤمن ببطل الأسطورة، ويتحدى معاه الصعاب، وينقذه فى أصعب الظروف، فحسن كان يضم فى فريقه نعيمة ويوسف وكمال، أما سيد فيضم فريقه بدر الكاشف وصلاح ووالده وسناء.

الأغانى:

لم يتوقف التطابق عند الأحداث فى العملين فحسب، ولكن أيضا امتد لصناعة أغنيات الفيلم والمسلسل، فسيد حجاب كتب للفيلم "حبيبتى من ضفايرها طل القمر"، وكتب للمسلسل "يا زقزقات الكناريا دنيتنا بايعة وشارية"، فغنى الأولى ولحنها عمار الشريعي، والثانية غنى فيها علي الحجار من ألحان ياسر عبد الرحمن، وان كان الحجار قد غنى أيضا أغنية "حبيبتى من ضفايرها طل القمر" ولكن خارج سياق الفيلم.

صحيح أن معضلة حسن عز الرجال نابعة من شعوره بالوطنية ومفارقة السجن بتهمة بخيانة الوطن، بينما معضلة سيد كناريا أنه تعرض لخيانة من نوع آخر، حمل أوزارها على كتفه منفردا، وحينما أراد أن يبدأ من جديد دون يد ملطخة بالذنب، أبى القدر إلا وأن يعيده لطريق حسن عز الرجال فى الانتقام.

يمتلك أسامة أنور عكاشة مسحة مميزة حاضرة فى كافة أعماله، يبحث فيها البطل دائما عن نفسه وعن أصله وهويته، وهو ما يزيد من جرعة الـ "مونولوجات" التى تبدو أشبه بالبانوراما، تعرض الاشكالية بحيرة، وتبحث عن المضمون في آن.

تظل هناك فروقا ملحوظة بين الشخصيتين سيد وحسن، ولكنها ليست فروقا من صنع أسامة أنور عكاشة، لكنها فروق اجبارية لاعتبارات اخراجية ودرامية، كون كتيبة الإعدام فيلما من إخراج الراحل عاطف الطيب، وكناريا وشركاه مسلسل من إخراج اسماعيل عبد الحافظ، ولكن منهما رؤية تخصه.