استراتيجية متكاملة للتعامل مع تغيرات المناخ.. إنشاء سدود حماية للحد من سرعة تدفق المياه فى المناطق الجبلية.. حواجز لتوجيه مسار المياه بعيدًا عن المناطق المأهولة.. وتأهيل مخرات السيول الطبيعية لضمان التصريف

تعد جهود التكيف مع الآثار السلبية للتغيرات المناخية حجر الزاوية فى استراتيجية التنمية المستدامة. يمثل هذا المحور، وهو الخامس فى منظومة "الرى 2.0"، إطار عمل متكامل يهدف إلى حماية الأصول الحيوية، والبنية التحتية، والمواطنين من مخاطر الظواهر الجوية المتطرفة، وفى مقدمتها السيول.
و تواصل وزارة الرى تنفيذ حزمة واسعة من المشروعات الهندسية والإجراءات الوقائية التى تغطى مساحات جغرافية شاسعة من شمال البلاد إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، هذه الجهود لا تقتصر على بناء منشآت حماية جديدة، بل تشمل أيضًا صيانة وتطوير المنشآت القائمة، بالإضافة إلى منظومة متابعة دقيقة تعتمد على أحدث التقنيات.
وتعد مشروعات الحماية من السيول العمود الفقرى لهذه الاستراتيجية، حيث تتنوع هذه المشروعات بين إنشاء سدود حماية، وحواجز توجيه، وتأهيل مخرات سيول طبيعية، وجميعها مصممة لامتصاص الطاقة التدميرية لمياه السيول وتوجيهها بعيدًا عن المناطق السكنية والاقتصادية.
وتظهر هذه المشروعات تفهمًا عميقًا لطبيعة المخاطر الجيولوجية والمناخية التى تواجهها مصر، حيث يتم تصميم كل مشروع خصيصًا ليناسب تضاريس المنطقة وخصائصها الهيدرولوجية.
وعلى سبيل المثال، فى المناطق الجبلية الوعرة، تستخدم السدود والحواجز للحد من سرعة تدفق المياه، بينما فى المناطق السهلية، يركز العمل على تأهيل المخرات الطبيعية لضمان تصريف فعال.
وفى محافظة البحر الأحمر، التى تعرف بتضاريسها الجبلية القاسية، تنفذ حاليًا عمليات حماية لمدينة مرسى علم، بالإضافة إلى حماية مواقع دينية وتاريخية ذات أهمية بالغة مثل دير الأنبا بولا ودير الأنبا أنطونيوس، كما تشمل الأعمال حماية أودية رئيسية مثل وادى العمبجى ووادى الحواشية، التى تعد مسارات طبيعية للسيول وتشكل تهديدًا مباشرًا للمناطق المحيطة. هذه الإجراءات تضمن سلامة البنية التحتية الحيوية والمواقع التراثية من أية أضرار محتملة، وتُسهم فى الحفاظ على هذا الإرث الثقافى والدينى.
وفى شبه جزيرة سيناء، تتواصل الجهود بحماية واسعة فى كل من الشمال والجنوب، ففى شمال سيناء، يجرى تأهيل وتطهير سد الروافعة لضمان قدرته الاستيعابية الكاملة على تخزين مياه الأمطار والاستفادة منها بدلًا من تركها تتدفق بشكل مدمر. هذا المشروع يمثل حلًا مزدوجًا، فهو لا يحمى من مخاطر السيول فحسب، بل يسهم أيضًا فى توفير مصدر مياه إضافى للاستخدامات الزراعية أو الصناعية.
أما فى جنوب سيناء، فتركز الجهود على حماية وادى بعبع وعدد من الأودية الأخرى، بهدف تأمين الطرق والمناطق السياحية والقرى البدوية، وهو ما يُعزز من قدرة المنطقة على استضافة السياح بشكل آمن ويدعم الاستقرار المجتمعى.
وتتوسع هذه الأعمال لتصل إلى محافظات الدلتا والصعيد، حيث تشكل السيول تهديدًا موسميًا كبيرًا، ففى الجيزة، يتم حماية مخرات سيول حيوية مثل مخرات أطفيح، والديسمى، والمنشى، والودى، بالإضافة إلى وادى متين القبلى والبحرى، لضمان تصريف آمن للمياه بعيدًا عن المناطق المكتظة بالسكان.
أما فى القاهرة، فيجرى حماية وادى الجبو، الذى يعد أحد أهم مخرات السيول التى تمر بالعاصمة، وهو ما يُسهم فى حماية الممتلكات العامة والخاصة وتأمين حركة المرور فى واحدة من أكثر المدن كثافة سكانية فى العالم.
وفى صعيد مصر، تنفذ مشروعات حماية شاملة، ففى أسيوط، تم الانتهاء من عملية حماية عزبة الشيخ سعيد، وفى قنا، يجرى حماية أودية الكلاحين والزنبقة، أما فى الأقصر، فتُنفّذ أعمال حماية لمدينة القرنة الجديدة.
وتشمل الجهود أيضًا المنيا، حيث يتم تأهيل مخرات سيول جبل الطير القبلى والبحرى وشارونة، وحماية أودية السوايطة والشيخ حسن. وأخيرًا، فى بنى سويف، يتم حماية وادى غراب وفقيرة، مما يظهر تغطية واسعة لكافة المحافظات المعرضة للخطر، هذه المشروعات تظهر التزامًا حكوميًا بتأمين كافة المناطق، بغض النظر عن موقعها الجغرافى، مما يُعزز من الشعور بالأمان لدى المواطنين.
إلى جانب المشروعات الإنشائية الكبرى، تشكل أعمال التطهير والصيانة الروتينية خط دفاع أول بالغ الأهمية، قبل حلول موسم الأمطار، يتم تطهير ما يقرب من 117 مخر سيل بطول إجمالى يبلغ 318 كيلومترًا، هذه العملية الدورية تضمن عدم وجود أى عوائق طبيعية أو صناعية قد تحول دون تدفق مياه السيول بشكل سلس وآمن، فإزالة الرواسب والحشائش والأنقاض من مسارات السيول يُعزز من قدرتها على استيعاب كميات كبيرة من المياه، مما يقلل بشكل كبير من احتمالية حدوث فيضانات أو أضرار.
هذه الأعمال تعتبر جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الوقاية، حيث إنها تعزز من فعالية المشروعات الهندسية وتطيل من عمرها الافتراضى، وتقلل من الحاجة إلى التدخلات الطارئة المكلفة.
لا تقتصر استراتيجية مواجهة السيول على الجوانب الهندسية والوقائية فقط، بل تشمل أيضًا جانبًا استباقيًا يعتمد على المتابعة المستمرة والإنذار المبكر، تعمل غرف العمليات ومراكز الطوارئ التابعة للوزارة على مدار الساعة، حيث تقوم برصد ومتابعة حالة الطقس عن كثب.
و يعتمد هذا النظام على مركز التنبؤ بالفيضان، الذى يزود هذه المراكز ببيانات دقيقة عن كميات الأمطار المتوقعة ومساراتها، هذا التنسيق المحكم يتيح اتخاذ قرارات سريعة وفعالة، مثل توجيه فرق الطوارئ، وتنبيه المواطنين، وتنسيق الجهود مع الجهات المعنية الأخرى لتقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن.
كما أن استخدام التكنولوجيا الحديثة فى هذا المجال يمثل نقلة نوعية فى قدرة الدولة على إدارة الأزمات، حيث يُمكن التنبؤ بالمخاطر قبل وقوعها بوقت كافٍ، مما يتيح اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة بشكل استباقى، باختصار، تظهر هذه الجهود استراتيجية شاملة ومتكاملة لمواجهة تحديات التغيرات المناخية، حيث تجمع بين الحلول الهندسية طويلة المدى، والصيانة الدورية، والتقنيات الحديثة فى المراقبة والإنذار، بهدف تأمين مستقبل أكثر أمانًا للمواطنين وحماية مكتسبات التنمية.
لا تقتصر هذه الاستراتيجية على مجرد الاستجابة للأزمات، بل هى نهج استباقى يهدف إلى بناء مجتمع قادر على التكيف مع التغيرات المناخية وتقليل vulnerability (قابلية التأثر) للمخاطر الطبيعية.

Trending Plus