البحوث الزراعية: القمح والشعير حكايات الحضارات وصراع لا ينتهى مع الأصداء

قال الدكتور بدوى رجب رئيس قسم بحوث أمراض الشعير بمركز البحوث الزراعية، أن القمح والشعير من أقدم المحاصيل وأكثرها حيوية فى تاريخ البشرية، حيث شكلا أساس الحضارات القديمة وما زالا يمثلان ركيزة أساسية للأمن الغذائى العالمى، لكن هذه الأهمية التاريخية والحالية لا تأتى دون تحديات، أبرزها الأصداء، وهى أمراض فطرية تهدد باستمرار الإنتاج العالمى لهذين المحصولين الاستراتيجيين.
أضاف أن القمح، أو ما يعرف بالحنطة، هو الغذاء الرئيسى لسكان الكوكب منذ آلاف السنين، و تشير الأدلة إلى أن زراعته بدأت قبل 9000 عام قبل الميلاد فى منطقة الهلال الخصيب، وانتشرت منه إلى الحضارات القديمة مثل المصرية والرافدينية والرومانية، حيث كان يقدم كقرابين للآلهة تعبيراً عن الخير والرخاء، وحتى فى قصة سيدنا يوسف عليه السلام، تظهر أهمية القمح فى تخزينه كأول مبادرة لحفظ الغذاء فى التاريخ.
أوضح أن الشعير، من أوائل الحبوب المزروعة أيضا في، ويعود تاريخ زراعته إلى حوالى 8000 عام قبل الميلاد، ليصبح لاحقاً خبز الشعوب اليهودية واليونانية والرومانية ومعظم أوروبا حتى القرن السادس عشر.
وأضاف أن القمح ينتشر اليوم فى مناطق واسعة من العالم، من سهول أمريكا الشمالية إلى حوض البحر المتوسط وجنوب روسيا، بينما يتركز إنتاج الشعير فى أوروبا وآسيا. ورغم قدرة الشعير على تحمل الملوحة والبرودة، يبقى كلاهما عرضة لأمراض خطيرة تهدد استقرارهما.
وتاريخياً، تم التعرف على أصداء القمح وخطورتها منذ 1300 عام قبل الميلاد، حتى أن الرومان القدماء خصصوا إلهاً لها، "روبيجوس"، وأقاموا له مهرجانات وطقوساً لدرء شرها عن محاصيلهم.
ورغم التطور العلمى والجهود المبذولة، لا يزال القمح والشعير والأصداء فى سباق دائم. تتطور سلالات الأصداء باستمرار، مهددة مقاومة الأصناف الجديدة من المحاصيل. فظهور سلالات شرسة مثل Ug99 فى أوغندا عام 1998، أبطلت فعالية جين Sr31 المقاوم بعد أربعة عقود من الاستخدام، ما وضع حوالى 40% من محصول القمح العالمى تحت تهديد وباء صدأ الساق، هذا الواقع يؤكد مقولة الدكتور نورمان بورلاوج: "الصدأ لا ينام أبدًا".
وتتميز فطريات الصدأ بدورة حياة معقدة تتطلب عادة نوعين من العوائل النباتية لإكمالها، وتتكرر الإصابة بالجراثيم اليوريدية كل 12-15 يوماً، مما يزيد من سرعة انتشارها. وفى دول مثل مصر، حيث لا يتوفر العائل البديل ولا تسمح الظروف المناخية بوجود الجراثيم خلال الصيف، تصل هذه الجراثيم سنوياً محمولة بالرياح من الدول المجاورة، مما يجعل الأصداء عقبة رئيسية وتاريخية قادرة على التسبب فى خسائر فادحة للقمح والشعير فى جميع أنحاء العالم. هذه الأمراض ذات الأهمية العالمية تتطلب يقظة وجهوداً بحثية مستمرة لضمان أمننا الغذائي.

Trending Plus