خالد دومة يكتب: غضب الحياة

إن حادثا صغيرا، قد يكون نقطة تحول، تغير مصائر جموع غفيرة من الناس، وقد يكون هناك حدثا عظيما، يمر مرور الكرام، فلا ضجيج ولا شيء يُذكر تجاهه، ففي عالمنا غرائب وعجائب، تُناقض العقل، وتَلقى قبولا حسنا عند الكثيرين من بني البشر، فالاضطراب والتخبط قد يكون سمة إنسانية في أغلب البشر، ممن يعيشون الحياة يوما بيوم، وفئة قليلة تحسب حساب الخطوات، التي تسلكها، فيكون له عين بصيرة وعين مبصرة ترى وتعي ما يقابلها، تقف وتحلل وتناقش، ثم يهديها رأي مدروس، فإن هي نجحت، فذلك المطلوب وإن هي أخفقت، كان لها العزاء فيما تعرضت له ولم يكن ليخطر على بالها أثناء عملها، فالأسباب التي تقابل الإنسان وتعيق مسيرته أو تحول دون ما أراد، هي أسباب خارجة عن إرادته، فهي الظروف أحيانا أو الأقدار، التي قد تأتي بما لا يشتهي الإنسان، ولم يعمل لها حسابها لأنها تتطرأ فجأة، فلا حساب هناك، وإنها لتتوالى حتى تُحول كل نجاح إلى فشل، وكل جهد إلى عبث لا حاصل من ورائه، ويقف الإنسان أمامها عاجزا فارغ اليدين وينتابه يأس وتشائم، وحين ينظر إلى غيره، وقد مدت له الظروف يدا قوية تأخذه بها إلى قمم، وهو لم يبذل جهدا، ولم يقف مفكرا ولا حساب لديه لأي شيء، وإنما تعطيه، بكل سخاء لينعم ببطالته وفكره المحدود، ونشاطه القليل، تفكر في الأمرين وتقارن بين الحياتين، وتسرف في المقارنة، حتى يسكن قلبك عبثية الحياة، وإنها لتعطي من لا يستحق حتى التخمة، وتمنع من يستحق حد الفقر والعوز، وينتابك ألم عظيم، وكفر بجدية العمل وما يخلفه، فيصنعها المجتهدون لينعم بها أصحاب الأريحية، ممن لا هم لهم منها سوى اقتناص الملذات، التي تقف عند أفواهم تدللهم وتقدم لهم أقصى ما تستطيع وهي راضية عنهم تباركهم وتسدد خطاهم المعوجة وتوجههم إلى السعادة، ممسكة بيدها طوائف الكسالى، ممن لا يحبون إلا أنفسهم ويعبدون ذواتهم كأنها تقدم لهم قرابين الرضا، ليرضوا عنها، وتعتذر إن كان هناك تقصير ما منها لهم، في ذلك الوقت تصفع هؤلاء ممن لا يؤثرون أنفسهم على غيرهم، ويرون الحياة صالحة للجميع، تتمنى للكل حياة يكتنفها المرح والسعادة، لا تطلب شيء لها من الأشياء المحببة، إلا وتتطلبها للآخرين، ولو كان في يدها شيء لما بخلت به على أحد، وتقاسمته بينه وبينها، وربما تؤثر غيرها عليها، وهي راضية سعيدة، إنها لتمنع عنهم حتى تشتد وتقسو، فلا تلين ويبدو لها وجها قاسيا متجمدا رافضا لهم أن يعيشوا، حتى على الكفاف، يعيشون على هامشها ينتظروا ساعة الخلاص، بقليل من الأمل، حتى تدهسهم الحياة بمخالبها القوية، تسوي بهم الأرض، وترثيهم بقليل من الكلمات البائسة، وتُهيل عليهم من تراب الأرض، دون حتى أن تقرأ عليهم الفاتحة، مدبرة غير مقبلة، ساخطة غير راضية، بهم وكأنهم كانوا عالة على الكوكب والبشر، تخلصت منهم ومن شناعة قلوبهم النقية.

Trending Plus