مع بداية تنسيق الجامعات.. إعلانات وظائف وزارة العمل ترسم خريطة مستقبل الخريجين.. التكنولوجيا والمهارات الفنية واللغات الأعلى طلبا.. قائمة بوظائف مطلوبة بدول العالم أبرزها البرمجة وأمن المعلومات وتحليل البيانات

مع إعلان نتائج الثانوية العامة وبدء ماراثون تنسيق الالتحاق بالجامعات، تقف الأسر أمام لحظة فارقة تحدد مستقبل أبنائها المهنى، فلم يعد الأمر مجرد سباق على كليات القمة التقليدية، بل أصبح الواقع حاليا يتطلب قراءة واعية للمستقبل المهنى فى ضوء متطلبات سوق العمل المتغيرة، وفى هذا السياق، تأتى بيانات وزارة العمل وإعلاناتها التوظيفية المستمرة لترسم خريطة طريق واضحة تؤكد حقيقة واحدة، وهى: أن المستقبل للتخصصات التكنولوجية والمهن الفنية المتخصصة واللغات.
يؤكد محمد جبران، وزير العمل، أن الوزارة تولى اهتماما بالغا بتأهيل الشباب المصرى لسوق العمل، سواء داخل مصر أو خارجها، من خلال توفير برامج تدريب مجانية وتهيئة البنية الأساسية لتعليم اللغات والمهارات الفنية المطلوبة، ويوجه الوزير رسالة مباشرة لخريجى الثانوية العامة، يحثهم فيها على التفكير بمنطق سوق العمل قبل اختيار الكليات، مؤكدا أن المستقبل يكمن فى التخصصات التكنولوجية، مشيدا بالجامعات التكنولوجية التى أصبحت "فرصة مهمة جدا" نظرا للطلب الكبير على خريجيها فى السوق المحلى والعالمى.
ويضيف الوزير أن هناك طلبا متزايدا على تخصصات أخرى مثل الطب، خاصة فى التخصصات الدقيقة، والتمريض، بالإضافة إلى العمالة الماهرة التى تتخرج من المدارس والمعاهد التكنولوجية، مع ضرورة الابتعاد عن الوظائف الإدارية التقليدية التى تشبع بها سوق العمل.
وكشفت دراسة أجرتها وزارة العمل لتحديد المهن المطلوبة فى سوق العمل المستقبلى عن قائمة تضم 18 مهنة ستشهد طفرة فى الطلب خلال السنوات المقبلة، تأتى على رأس هذه القائمة تخصصات تعتمد بشكل مباشر على التحول الرقمى، وتشمل خبراء الذكاء الاصطناعى وعلماء البيانات، اللذان أصبحا عصب الصناعات الحديثة، ومحللى بيانات ومعلومات حيث أصبحت البيانات هى "نفط المستقبل"، ومطورى ومحللى برمجيات وتطبيقات.
كما تضم القائمة خبراء الأمن السيبرانى لحماية البنية التحتية الرقمية للدولة والشركات، ومتخصصى التسويق الرقمى والاستراتيجيات، ومهندسى الطاقة المتجددة تماشيا مع توجه الدولة والعالم نحو الاقتصاد الأخضر، هذه القائمة تؤكد ما ذهب إليه وزير العمل من ضرورة الابتعاد عن الوظائف الإدارية التقليدية التى تعانى من تشبع كبير، والتركيز على وظائف المستقبل التى تتطلب مهارات متخصصة ودقيقة.
كما تشير الدراسة التى أجرتها الإدارة العامة لمعلومات سوق العمل بالوزارة إلى أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يشهد نموا ملحوظا فى الطلب على مهن محددة، يتصدر هذا القطاع أخصائيو الحوسبة، ومهندسو الإلكترونيات والاتصالات، وفنيو هندسة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى ممثلى المبيعات الفنية والتجارية، وعمال تركيب المعدات الإلكترونية.
ويوضح الإصدار الرابع من تقرير مستقبل الوظائف الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى 2023 إلى تراجع 83 مليون وظيفة وذلك خلال السنوات الخمسة المقبلة، وأن المهن التى ستختفى هى الوظائف الأكثر عرضه للميكنة، وأبرز الوظائف المتوقع اختفاؤها، هى: مندوب المبيعات، قارئ العدادات الكهربائية، خدمة العملاء، المحصل المالى، الوسيط العقارى، اختصاصى التسويق، عمال التعبئة للمصانع، عامل مد شبكات الهواتف، موصل طلبات أو طرود منزلية، بالإضافة إلى الوظائف المكتبية (النسخ على الآلة الكاتبة)، وظائف الاستقبال، إدخال البيانات، وظائف الصحافة الورقية، ومحرر الصحافة الورقية، موظف جوازات فى المطارات، والعمال غير المهرة، مهنة محرر الصحافة الورقية، وأخيرا البريد.
وأشارت بعض التقارير الدولية إلى أن هناك 10 وظائف سيحتاجها العالم بشدة، وهي: البرمجة، أمن المعلومات، تحليل البيانات، الطاقة البديلة، القانون الدولى، الطباعة الثلاثية الأبعاد، التعليم عن بعد، التسويق، المستشار الشخصى، والمخطط المالى.
فيما يؤكد وزير العمل أن اللغة الأجنبية أصبحت الآن من أهم المهارات المطلوبة للعمالة التى تسعى للسفر للخارج، ولذلك أنشأت الوزارة مركزا جديدا تابعا للمكتب الفنى يحمل اسم مركز الحجاز، ويضم خمس قاعات لتعليم اللغات الأجنبية، وبشكل عام، يحتاج سوق العمل إلى مهارات فنية تطبيقية فى مجالات الصيانة والتشغيل والكهرباء والأنظمة الذكية، ومعرفة بأساسيات الحاسب والبرامج المكتبية، وقدرات تواصل وتنظيم ومرونة فى ساعات العمل.
أما سوق العمل فى الخارج، فتشهد فرص العمل للمصريين فى الخارج نموا ملحوظا، حيث بلغت عدد الفرص المعلن عنها رسميا خلال الربع الأول من 2025 أكثر من 3500 فرصة عمل، تركزت أغلب الوظائف فى دول الخليج العربى، خاصة الإمارات، ومن المنتظر أن يتم الإعلان عن فرص عمل للمصريين فى ألمانيا خلال السنوات المقبلة، بالإضافة إلى فرص أخرى فى دول أوروبية مثل قبرص واليونان.
أما على مستوى التشغيل الخارجى فى دول الخليج، فتواصل الوزارة بالتعاون مع مكاتب التمثيل العمالى توفير فرص عمل بدول الخليج، لاسيما السعودية، العقود المتاحة تشمل مهندسين مدنيين ومراقبى أعمال ميدانية، وفنيين فى الكهرباء والسباكة والدهان والتكييف، ومدربين على برامج الحاسب الآلى والشبكات، هذه البيانات الملموسة تؤكد أن المصانع والشركات تبحث بشكل حثيث عن الكفاءات الفنية والتقنية، مما يجعل خريجى المدارس والجامعات التكنولوجية عملة نادرة ومطلوبة بشدة.
وتتفق رؤية وزارة العمل مع تأكيدات وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، محمد عبد اللطيف، الذى يرى أن "التعليم الفنى هو مستقبل مصر"، حيث يوضح الوزير أن الوزارة تسعى للتوسع فى مدارس التكنولوجيا التطبيقية ومنح خريجيها شهادات دولية تمكنهم من المنافسة فى سوق العمل العالمى، بالإضافة إلى الشراكة مع القطاع الخاص، لضمان تدريبا عمليا عالى الجودة وفرص توظيف شبه مؤكدة لخريجيها، ويشير الوزير إلى أن 80% من خريجى التعليم الفنى لهم الحق فى الالتحاق بالجامعات التكنولوجية دون معادلة، كل ذلك يؤكد أن التعليم الفنى لم يعد "درجة ثانية" كما كان ينظر إليه سابقا.
اللافت فى جميع اعلانات وزارة العمل أن الجزء الأكبر من الوظائف المطلوبة يرتبط بالتعليم الفنى والتطبيقى، سواء فى قطاعات الكهرباء، أو تكنولوجيا المعلومات، أو صيانة المعدات، وهو ما يؤكد الحاجة لخريجى المعاهد الفنية الصناعية، والكليات التكنولوجية، ومدارس التعليم الفنى المزدوج، وخريجى برامج التدريب المهنى قصيرة المدى.
وبناء على تحليل سوق العمل الحالى، ينصح الطلاب بوضع الجامعات التكنولوجية على رادارهم وعدم جعلها اختيارا أخيرا، فهذه الجامعات هى المصنع المباشر للكفاءات التى يتنافس عليها سوق العمل الآن ومستقبلا، كما يجب عليهم الاطلاع على الدراسات الرسمية، وقبل ملء ورقة الرغبات، لنصائح وزارة العمل الخاصة بسوق العمل ومتابعة نشرات التوظيف الشهرية لرؤية نوعية الوظائف المتاحة والرواتب المعروضة للتخصصات المختلفة، والاستثمار فى المهارات، فبغض النظر عن الكلية، فإن إتقان لغة أجنبية ومهارات التسويق الرقمى وتحليل البيانات سيجعل الطالب مرشحا أقوى لأى وظيفة.
وتشير اتجاهات سوق العمل، إلى أنه على الأسر عدم حصر أحلامها فى الكليات النظرية، فالكليات والمعاهد الفنية باتت بوابة مضمونة لسوق العمل، كما ينصح بالتفكير بمنطق "المهارة" وليس "الشهادة"، فالعالم يتجه نحو تقدير المهارات الفعلية، واختيار التخصص الذى سيكسب الطالب مهارة حقيقية ومطلوبة، سواء كان فى جامعة تقليدية أو تكنولوجية أو معهد فنى، خاصة أنه مع تطور التكنولوجيا، أصبح يحتاج سوق العمل المحلى إلى خريجين مؤهلين فى مجالات الذكاء الاصطناعى، ومتخصصين فى الطاقة المتجددة، وخبراء فى التكنولوجيا الرقمية، وفنيين مهرة فى الصناعات المتقدمة.
كما تتيح المشاريع القومية الكبرى مثل محطة الضبعة النووية والعاصمة الإدارية الجديدة والمدن الجديدة فرصا استثنائية للشباب المصرى، خاصة من خريجى التعليم الفنى والتكنولوجى، تأكيدا على أن التعليم الفنى والتكنولوجى ليس مجرد بديل عن التعليم الجامعى التقليدى، بل هو استثمار حقيقى فى مستقبل اقتصادى واعد، قادر على توفير فرص عمل حقيقية ومستدامة للشباب.

Trending Plus