السلام لفخر جنسنا.. الأقباط يحتفلون بصوم العذراء مريم وسط أجواء روحية كبيرة.. نهضات كنسية يومية وترانيم وصلاة.. الأديرة والكنائس تكتظ بالمصلين.. وصوم الأطفال على قدر طاقتهم

مع مطلع شهر أغسطس من كل عام، تعيش الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية في مصر وخارجها أجواءً روحانية فريدة خلال صوم السيدة العذراء مريم، أحد الأصوام المحببة إلى قلب الأقباط، والذي يستمر من 7 حتى 22 أغسطس.
ورغم أنه صوم غير إلزامي كالصوم الكبير، إلا أنه يحظى بإقبال واسع ومشاركة شعبية وروحية كبيرة، تعبيرًا عن مكانة السيدة العذراء في الإيمان المسيحي والوجدان الشعبي المصري.
تقليد مريمي ممتد.. وصوم نباتي بروح المحبة
ويعتبر صوم العذراء هو صوم نباتي بالكامل، يبتعد فيه المؤمنون عن اللحوم ومنتجات الألبان والبيض، وتفضّل بعض الأسر الصوم دون زيوت حتى موعد الإفطار بعد غروب الشمس.
ويتسم هذا الصوم بطابع نسكي بسيط، ويُعدّ موسمًا للتوبة والتقرب من الله من خلال شفاعة مريم العذراء، التي يراها الأقباط أمًا روحية وشفيعة عطوفة في وقت الشدة.
قداسات يومية.. وأديرة وكنائس تكتظ بالمصلين
ويقول الأب دوماديوس كاهن كنيسة مارمرقس بأسوان فى تصريحات خاصة لليوم السابع أنه تُقام القداسات خلال هذا الصوم بصورة يومية في معظم الكنائس، حيث تبدأ غالبًا من الساعة السابعة صباحًا حتى العاشرة أو الحادية عشرة، فيما تُقام نهضات مسائية روحية تتضمن صلوات وتأملات وترانيم مريمية.
وتزداد وتيرة القداسات وكثافة الحضور في الكنائس التي تحمل اسم العذراء، وعلى رأسها:
ويستقبل دير السيدة العذراء بجبل درنكة في أسيوط، آلاف الزوار يوميًا طوال فترة الصوم وحتى يوم العيد وكنيسة العذراء بالمعصرة، والمطرية، والزيتون، وهي أماكن شهدت ظهورات شهيرة للعذراء بحسب الروايات الكنسية، ودير السيدة العذراء بالمحرق، الذي يُعد من أقدم الأديرة المريمية في مصر.
ترانيم العذراء.. أنشودة حب لا تنتهي
وتشهد الكنائس خلال الصوم ترديد مجموعة من الترانيم والابتهالات الخاصة بالعذراء، ومنها:
"السلام لك يا مريم"
"يا أم النور"
"شفاعتك يا قديسة"
"كل حين نطلب إليك يا والدة الإله"
ويشارك الكورال الكنسي في تقديم الترانيم وسط أجواء من التأمل والرهبة، بينما تُضاء الشموع أمام أيقونتها وتُرفع صلوات الشكر والطلب.
قراءات القداسات.. إنجيل البشارة ومزامير الفرح
تتنوّع قراءات القداسات اليومية في هذا الصوم، وتتركز حول: بشارة الملاك جبرائيل للعذراء، التي تُقرأ في إنجيل القداس أكثر من مرة خلال الأيام، مزامير التسبيح والرجاء.
مواقف الطاعة الكاملة لإرادة الله كما ظهرت في حياة العذراء.
وتُخصص الكنيسة عظات يومية تتناول فضائل مريم، مثل الطاعة، والاتضاع، والنقاوة، والإيمان العميق.
مشاركة الأطفال.. الصوم بالتدرج والتربية الروحية
تشجّع الكنيسة مشاركة الأطفال في صوم العذراء بحسب قدرتهم، وغالبًا ما يُدرَّب الأطفال على الصوم حتى الظهر أو العصر، مع التركيز على الجانب الروحي أكثر من الصوم الجسدي.
وتُنظم بعض الكنائس قداسات خاصة للأطفال، وورش عمل فنية وتعليمية تتناول حياة السيدة العذراء، بما يساعد على ترسيخ العلاقة الروحية بينهم وبين شخصية مريم الأم والمربية.
نهضات مريمية.. وعظات وتجارب شخصية
وتشهد فترة الصوم أيضًا تنظيم نهضات روحية في المساء بعد القداسات، حيث تُقدّم عظات يومية تتناول السيدة العذراء في الكتاب المقدس، وظهوراتها التاريخية، وتُروى تجارب شخصية لبعض المؤمنين حول استجابات الصلاة بشفاعتها.
وتتضمن النهضات مشاركات من فرق الشباب والكورال، ومسابقات لحفظ الترانيم أو فقرات درامية تحاكي حياة مريم.
العذراء في حياة المصريين.. أم كل بيت
تُعد السيدة العذراء واحدة من الشخصيات التي تحظى بمكانة خاصة ليس فقط في قلوب المسيحيين بل أيضًا لدى كثير من المسلمين في مصر، وتُرفَع أيقونتها في كثير من البيوت والمحلات والسيارات.
وفي هذه الأيام، تُضاء الشموع أمام صورها، وتُعلّق الزينة حول الكنائس، وتُقدَّم النذور، وتُكتب الطلبات وتُلقى عند قدمي تمثالها وسط دعاء صادق.
ختام الصوم.. عيد واحتفال شعبي كبير
وفي يوم 22 أغسطس، تحتفل الكنيسة بعيد صعود السيدة العذراء بالنفس والجسد إلى السماء، وهو اليوم الذي يُختتم فيه الصوم، ويُعد من الأعياد الكبرى المحببة للشعب.
وتُقام قداسات احتفالية ضخمة فجرًا في درنكة والمحرق والزيتون والمعصرة، وتتوافد الأسر منذ الليلة السابقة لحجز أماكنها، وسط أجواء روحانية تغلب عليها الفرحة، والرجاء، والاطمئنان.
موسم الرجاء والشفاعة
ويظل صوم العذراء مريم موسمًا مختلفًا في طقسه وروحه، إذ يحمل مزيجًا من الهدوء والفرح، الصمت والرجاء، ويُعيد تشكيل القلب ليقول كما قالت العذراء يومًا:
"ليكن لي كقولك".
وفي قلوب المؤمنين، تبقى كلمات التسبحة تصعد كل ليلة:
"السلام لكِ أيتها الملكة الحقيقية، السلام لفخر جنسنا..."

Trending Plus