جيل التيك توك .. كيف نحمي أبناءنا قبل فوات الأوان؟

حازم صلاح الدين
حازم صلاح الدين
بقلم : حازم صلاح الدين

لا أحد ينسى كيف بدأنا التعرف على منصات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" وغيرها بهدف التواصل مع الأصدقاء أو إيصال صوت المهمشين إلى المسؤولين، أما اليوم فقد تحول المشهد إلى ساحة للشائعات والسباب والفضائح، والألفاظ الخادشة للحياء، وتزييف الحقائق، بل إلى غرف متخصصة للابتزاز والتحريض والجريمة المنظمة.

نحن نعيش حالة تضاد أخلاقي وثقافي غير مسبوقة، يظهر فيها الإنسان على حقيقته المرة حين يختبئ خلف "الكيبورد"، ناشرًا البذاءة، ومحرضًا على الكراهية، مختلقًا الوقائع، ومجتهدًا في تصفية حساباته تحت ستار "الرأي العام".

كنا في الماضي نختلف حول حرية الإبداع، نعم، ففي زمن ليس ببعيد، حين كانت عبارة "السينما للكبار فقط" تُثير الجدل، وكانت أفلام "المناظر" تُواجه برفض قاطع من البعض، لم يكن ذلك مجرد نزعة محافظة، بل كان تعبيرًا عن حرص حقيقي على حماية القيم والثقافة الشرقية من الابتذال والانحدار.

لكننا كنا ندرك تمامًا الفرق بين الفن والتحريض، وبين القصة والصورة الفجة، أما اليوم، وبعد انفجار ثورة التكنولوجيا وابتلاعنا "ماكينة السوشيال ميديا"، يبدو أن كل شيء تغير نحو الأسوأ.

تحولت القضية إلى فوضى بلا ضوابط، وأصبح المشهد أكثر تعقيدًا من مجرد جدل "قصة أم مناظر"، إذ انتقلنا إلى زمن تُبث فيه قذارات المحتوى بلا رقابة، وتطفح فيه "ماسورة البلوجر" من كل اتجاه، محتلة شاشاتنا وهواتفنا دون إذن أو حياء.

قديمًا كنا نُحلل مشهدًا لأحمد زكي أو فاتن حمامة، أو قصة فيلم أو مسلسل، أما اليوم فأصبحنا نُحلل فيديوهات على تيك توك يظهر فيها شباب وفتيات يتشاجرون من أجل "اللايكات"، أو يبيعون القيم مقابل المشاهدات، تحت لافتة: "الترند أهم من أي شيء".

كل ذلك حدث حين أصبحت منصات مثل "تيك توك" وسيلة لضخ محتوى غير أخلاقي يدر ملايين الدولارات على أصحابه، بينما يُدمر في المقابل آلاف العقول، ويغسل الأدمغة من أي قيمة أو مبدأ.

التحول الخطير حدث مع صعود البلوجرز، فقد دخلنا عصرًا جديدًا من "الشهرة الزائفة"، محتوى سطحي، ألفاظ خارجة، وخناقات مفتعلة، وكل يوم ماسورة فضائح جديدة.

وللأسف، لم يعد الانهيار مقتصرًا على البلوجرز فقط، بل امتد إلى عدد من نجوم الفن أنفسهم، الذين استبدلوا العمل الفني الهادف بصراعات فارغة على مواقع التواصل، طمعًا في شهرة زائفة، ولو على حساب القيم والذوق العام.. هذا هو جنون الثراء السريع والشهرة الجديد.

كان الفن قديمًا في صف الناس، عبدالحليم حافظ غنّى "إحنا الشعب"، ومحمود ياسين قال "على من نطلق الرصاص".. وفي مشهد خالد من فيلم "ضد الحكومة"، صرخ أحمد زكي قائلًا: "كلنا فاسدين.. ما فيش حد فينا مش فاسد، أنا بقول الحقيقة.. الحقيقة اللي لازم تتقال، إحنا بنشجع الفساد، بنشجع النفاق، بنشجع الكذب، وبنقول ما هو كله بيعمل كده.".. والحقيقة هذه ما زالت صالحة تمامًا لزمن البلوجرز، والفلوجرز، والتيك توك.

أما اليوم، فأغلب الفنانين يجلسون على الحياد، أو يشاركون في حفلات التريند.. فأين الفنان الذي يقول "عيب"؟ وأين المخرج الذي يرفض تقديم التفاهة؟ أم أن كل شيء أصبح خاضعًا لأموال اللايف والدعاية؟!

لعل ما تقوم به أجهزة الدولة في الآونة الأخيرة من ضبط عدد من البلوجرز وإحالتهم إلى المحاكمة يُعد خطوة طال انتظارها، لكنها لن تكون كافية ما لم يُصاحبها وعي مجتمعي حقيقي بخطورة ما نواجهه.

فالمشكلة لا تُحل بالقوانين فقط.. فالمجتمع أيضًا عليه دور، نحن من نصنع من أي شخص "نجمًا" بعد أول فيديو، ونُبرّر أي انحدار أخلاقي بحجة: "عادي.. الكل بيعمل كده".

نحن من تركنا أبناءنا يتربون على خوارزميات تيك توك، بدلًا من أن نُربيهم على قيم العقل والاحترام.

ونحن من جعلنا نتوارث فشلًا اقتصاديًا من زمن بعيد، حتى ظهرت شريحة مجتمعية ضحية الجهل والمستقبل الغامض.

من الآخر، نحن جميعًا شركاء في هذا الانحدار، لأننا سمحنا بأن تتحول مواقع التواصل من مساحة لتبادل الثقافات إلى أدوات لنشر السموم، وأصبح كل منا جزءًا من ماكينة تُصدر الشائعات وتُعيد تدويرها دون تفكير.

ولأن "كلنا مخطئون" في هذا الملف، فإن أول خطوة نحو الإصلاح هي الاعتراف بأن العيب لم يكن يومًا في "فيسبوك" أو "تويتر" أو "تيك توك"، بل فينا نحن، الكبار قبل الصغار، حين قررنا استخدام هذه الوسائل بأكثر الطرق انحدارًا وسلبية.

والنتيجة؟

جيل مشوش، مضلل، بلا مرجعية ولا ثقة، مفتوح على كل ما هو سام وقاتل للقيم والمبادئ، ومغلق تمامًا أمام كل ما هو نافع وبناء لمجتمعه.

الخلاصة:

-نحن بحاجة إلى ما هو أكثر من قوانين، وأكثر من رقابة في هذا الملف الشائك.

-نحن بحاجة إلى ضمير حي، ومجتمع يستفيق، ووعي يعيد ترتيب الأولويات.

-نحتاج إلى أن نُربي أبناءنا من جديد، ونُربي أنفسنا أولًا.

- نحتاج الاعتراف بأن الخطأ ليس في التكنولوجيا، بل في طريقة تعاملنا معها.

-نحتاج لثورة أخلاقية قبل أي إصلاح سياسي أو اقتصادي؟

-نحتاج إلى ضمير حي ومجتمع مستيقظ ووعي يعيد ترتيب الأولويات.

فهل آن الأوان أن نعود إلى الطريق الصحيح؟.. للحديث بقية عن كيفية حماية أبنائنا من الانهيار الأخلاقي في عصر السوشيال ميديا.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ابنة شقيقة طارق الأمير: دكتور حسام موافى طلب من الأطباء تركيب جهاز لتنظيم ضربات القلب لخالى

حقيقة تصنيف مواليد الثمانينيات ضمن كبار السن في منظمة الصحة العالمية

ابنة شقيقة طارق الأمير: خالى فاقد الوعى وقلبه توقف مرتين من جديد

السعودية ضد الأردن.. تعادل سلبي في الشوط الأول بنصف نهائي كأس العرب 2025

القبض على نيك راينر بتهمة قتل والده المخرج روب راينر ووالدته ميشيل سينجر


ملخص وأهداف المغرب ضد الإمارات 3-0 اليوم فى نصف نهائى كأس العرب

صور الأقمار الصناعية.. تدفق السحب وتوقعات أمطار بهذه المحافظات تصل للسيول

اليوم السابع يطلق أكبر بوابة لتغطية كأس أمم أفريقيا 2025

الأرصاد تحذر: تدفق السحب الممطرة وأمطار على هذه المحافظات الساعات المقبلة

أحمد السقا عن فيلم الست: منى زكى عظيمة ومحدش يجرؤ يجى جنبها.. فيديو


الأهلى يغلق باب رحيل إمام عاشور في الميركاتو الشتوى

محمد صلاح يحتفي بإنجازه التاريخي مع ليفربول

الطقس غدا.. أجواء شتوية وأمطار واضطراب بالملاحة والصغرى بالقاهرة 13

الأرصاد تحذر هذه المحافظات من أمطار خلال ساعات وتتوقع وصولها إلى القاهرة

الأهلي يترقب وصول يوسف بلعمري للقاهرة لإجراء الكشف الطبي

الأرصاد تحذر: سحب ممطرة على هذه المحافظات وتوقعات بأمطار غزيرة

باب الالتماسات يعيد الفرصة لطلاب لم يحالفهم الحظ فى القبول بكلية الشرطة

احمد العوضى يعلن ظهوره فى صاحبة السعادة مع إسعاد يونس قريباً

التشكيل المتوقع لمنتخب مصر أمام نيجيريا.. الشناوي في حراسة المرمى

مواعيد مباريات اليوم.. مان يونايتد ضد بورنموث ونصف نهائي كأس العرب 2025

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى