أوروبا تدفع الثمن الباهظ للانفصال عن روسيا.. خسائر تتجاوز تريليون يورو وأسعار الطاقة تواصل التحليق.. الغاز يرتفع سعره لـ 5 أضعاف.. خبير: التحرر من الطاقة الروسية ضرورة استيراتيجية.. وموسكو: الأسوأ لم يأتِ بعد

في خضم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين الغرب وروسيا، يتكشّف يومًا بعد يوم الثمن الباهظ الذي تدفعه أوروبا مقابل فكّ ارتباطها الاقتصادي مع موسكو.
فبعد سنوات من التعاون الوثيق في مجالي الطاقة والتجارة، تقف القارة العجوز الآن أمام فاتورة تتجاوز التريليون يورو، وسط ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الغاز والكهرباء، وتراجع القدرة التنافسية لاقتصادها الصناعي. وبينما تحذّر موسكو من أن "الأسوأ لم يأتِ بعد"، تصرّ بروكسل على أن الاستقلال فى مجال الطاقة والسيادة السياسية أثمن من أي خسائر مالية.
وكشف نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر جروشكو أن الاتحاد الأوروبي تكبّد خسائر اقتصادية ضخمة تجاوزت تريليون يورو (ما يعادل أكثر من 1.1 تريليون دولار) نتيجة تعليق التعاون في مجالي الطاقة والتجارة مع روسيا.
وأوضح جروشكو أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين تراجع من 417 مليار يورو في عام 2013 إلى 60 مليار يورو فقط في 2023، مشيرًا إلى أن الرقم يواصل الهبوط ليقترب من "الصفر"، واصفًا ذلك بأنه "أرباح ضائعة".
وحذر المسؤول الروسي من أن هذه القطيعة أضعفت القدرة التنافسية الأوروبية، مؤكدًا أن أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا لا تزال أعلى بـ 4 إلى 5 أضعاف من نظيرتها في الولايات المتحدة، في حين تصل تكلفة الكهرباء إلى ثلاثة أضعاف.
وأشار إلى أن هذه الفجوة في الأسعار تؤثر سلبًا على القطاع الصناعي الأوروبي وعلى جودة حياة المواطنين ، معتبرًا أن هذا هو الثمن الذي تدفعه أوروبا مقابل قطع علاقاتها الاقتصادية مع موسكو.
من جانبه، صعّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من لهجته قبل أيام، مؤكدًا أن السيادة الاقتصادية أصبحت العامل الحاسم في تنمية الدول، مشككًا في قدرة الاتحاد الأوروبي على الصمود قائلاً: "الاتحاد الأوروبي لا يملك أي سيادة على الإطلاق".
وانخفض متوسط إمدادات الغاز الطبيعي اليومية لشركة الطاقة الروسية "جازبروم" إلى أوروبا عبر خط أنابيب ترك ستريم البحري بنسبة 18.3% في يونيو وسط أعمال صيانة للبنية التحتية، وانخفض إجمالي صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا في الفترة من يناير إلى يونيو إلى 8.33 مليار متر مكعب من 15.5 مليار متر مكعب في نفس الفترة من العام السابق، مع الأخذ في الاعتبار الإمدادات عبر أوكرانيا.
ارتفاع أسعار الغاز
وتواصل أسعار الغاز الطبيعى الارتفاع فى أوروبا فى الوقت الذى تواصل فيه المنطقة من تعزيز مخزوناتها استعدادا لفصل الشتاء المقبل ، حيث ظلت العقود المستقبلية القياسية تحوم قرب مستوى 34 يورو لكل ميجاواط/ساعة، بعد أن أنهت الجلسة السابقة بارتفاع طفيف. منذ أواخر يونيو الماضي، تراوحت الأسعار غالباً بين 32 و35 يورو للميجاواط/ساعة، في حين سجل شهر يوليو الماضي أضيق نطاق تداول شهري خلال العام الجاري.
قالت شركة الاستشارات "أوكسيليون" (Auxilione) في مذكرة للعملاء: "ما زالت الأسواق تتحرك ضمن النطاق الضيق نفسه، كما هو حال العديد من الجلسات الأخيرة".
قد يضطر ذلك أوروبا إلى دفع أسعار أعلى للحفاظ على تدفق الإمدادات. حتى الآن، ما زالت المنطقة تتلقى كميات مستقرة، إذ تقترب شحنات الغاز عبر الأنابيب من المورد الرئيسي النرويج من سعتها القصوى، قبل بدء أعمال الصيانة الموسمية في وقت لاحق من الشهر الجاري.
في المقابل، يرى خبراء ومسؤولون أوروبيون أن الأرقام التي تروج لها موسكو تفتقر إلى السياق الأوسع، حيث قال فرانس تيمرمانس، النائب السابق لرئيس المفوضية الأوروبية والمسؤول عن الصفقة الخضراء ، إن "التحرر من الطاقة الروسية ليس مجرد خيار اقتصادي، بل ضرورة استراتيجية وأخلاقية.. نعم، دفعنا الثمن، لكننا بنينا أسسًا أكثر أمانًا لمستقبلنا."
أما كلارا بومان، الخبيرة في شؤون الطاقة لدى معهد بروجل في بروكسل، فأكدت أن "أوروبا تكيفت بسرعة مدهشة، واستثمرت بكثافة في الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي المسال. الأسعار كانت مرتفعة، لكنها الآن تتراجع تدريجياً بفضل تلك السياسات."

Trending Plus