الفاشر فى مواجهة شبح الجوع.. الدعم السريع تفرض حصارًا مشددًا على عاصمة شمال دارفور.. وانهيار الأنشطة الزراعية بسبب الحرب.. وندرة الغذاء مع تضاعف أسعار السلع.. والآلاف يعتمدون على علف الحيوانات للبقاء على الحياة

تفرض ميليشيا الدعم السريع حصارا مشددا على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وتمنع وصول المساعدات الإنسانية، والأدوية المنقذة للحياة، للمدينة التي تعيش في ظروف إنسانية متدهورة للغاية، ويخيم شبح الجوع على مدينة الفاشر في ظل استمرار ميليشيا الدعم السريع قصف المدينة والأحياء السكنية ومخيمات النازحين.
وخلال الشهور الأولى من حصار الدعم السريع للفاشر، عمل الجيش السوداني على إنزال المواد الغذائية والأدوية عبر الإنزال الجوي بواسطة الطائرات الحربية، لكن توقف بعد إسقاط الدعم السريع طائرة حربية أثناء محاولتها إسقاط السلع على المدينة في 3 أبريل الماضى.
عدم تدفق المساعدات للمدينة المنكوبة، جعل سكان المدينة والنازحين وجها لوجه أمام الجوع.
وفى 4 مايو الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، تحرك قافلة إنسانية من بورتسودان إلى الفاشر، بعد أشهر طويلة من تعطيل وصول الإمدادات إلى المدينة.
ووصلت القافلة المكونة من 15 شاحنة تحمل مواد غذائية، إضافة إلى شاحنتين من منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، محملة بأدوية ومعدات ومستهلكات طبية، ومكملات غذائية للأطفال، بعد أن قطعت مسافة تُقدَّر بنحو 1800 كيلومتر إلى بلدة الكومة، الواقعة على بُعد 78 كيلومترًا شمال شرقي مدينة الفاشر، وسرعان ما تعرضت لقصف جوى، وفقا لموقع دارفور 24.
وحدث القصف في 2 يونيو السابق، مما أدى إلى إحراق عدة شاحنات ومقتل 5 عمال إنسانيين، وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي واليونيسف.
وبجانب الحصار والقصف المدفعي، تعيش الفاشر مآسي، أخرى تتمثل في تعطيل سبل العيش، بما في ذلك الأنشطة الزراعية.
وقال المزارع إسحق محمد أحمد عيسى إنه كان يعتمد على الزراعة لكسب قوت يومه، قبل أن تجبره الحرب المستعرة في الفاشر على النزوح إلى أحد مراكز الإيواء داخل المدينة.
ويوضح أنه اعتاد نقل محصوله من أراضيه الزراعية في منطقة شنقل طوباي جنوب غرب الفاشر إلى منزله بحي التضامن شرقي المدينة، وهي منطقة خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.
وتابع إسحق: "نحو 80% من سكان دارفور يعتمدون على الزراعة كمصدر رئيسي للغذاء، لكن الحرب أخرجت معظم المزارعين في شمال دارفور من دائرة الإنتاج، ما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية، خصوصًا مع الحصار الذي يمنع دخول الإمدادات إلى الفاشر".
وأكد إسحق أنه لم يتبق له سوى بعض محصول "العدسية" الذي حصده قبل عامين، مشيرا إلى أنه يعيش هو وأسرته على هذه الكمية المحدودة، ولا يحصل على وجبة تحتوي على اللحم إلا عندما يتلقى حوالة مالية من ابنه المغترب.
ومع تفاقم الأزمة الغذائية، لم يعد إسحق يطعم أسرته فقط، بل يشارك ما لديه من طعام مع أكثر من 20 شخصًا من جيرانه النازحين، وقال :"هو طعام لا يكفي للشبع، لكنه يبقينا على قيد الحياة".
إن تعطل الأنشطة الزراعية في الفاشر، بما في ذلك زراعة الخضر والفاكهة، جعل مائدة السكان تفتقر إلى تنوع الأطعمة قبل أن يصبح الأمباز الوجبة الوحيدة المتوفرة.
وفى يوليو الماضى، كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، عن تقييم أجراه شركاء العمل الإنساني، وكشف التقرير أن 38% من الأطفال دون سن الخامسة في مراكز النزوح بمدينة الفاشر يعانون من سوء تغذية حاد، بينهم 11% يعانون من سوء تغذية حاد وشديد.
وأشار التقرير إلى أن انهيار خدمات المياه والصرف الصحي، وانخفاض تغطية التطعيم، أديا إلى زيادة حادة في خطر تفشي الأمراض.
وأجبرت الحرب والحصار أكثر من 782 ألف شخص على النزوح من مدينة الفاشر ومخيم زمزم، وفقًا لمنظمة الهجرة الدولية، فيما أشار برنامج الأغذية العالمي عن وجود 300 ألف مدني لا يزالون محاصرين في الفاشر، حيث أرسل تحويلات نقدية إلى 256 ألفًا منهم في يونيو الماضي.
ولجأ عدد من التجار، إلى التهريب، للتحايل على الحصار المطبق الذى تفرضه الدعم السريع على المدينة، وقال أحد التجار إنه مع اشتداد الحصار أصبح التهريب أمرًا خطيرًا، وتوقف بعض المهربين عن نشاطهم بعد ضبط قوات الدعم السريع عددًا منهم ومصادرة بضائعهم.
وأضاف :"في الأيام الأولى للحصار، استخدم التجار الدراجات النارية لإدخال البضائع من مناطق شنقل طوباي، طويلة، مليط والكومة، ومع زيادة وطأة الحصار، تحول المهربون إلى استخدام الدواب، وعربات الكارو، قبل أن تضع قوات الدعم السريع حدًا نهائيًا لعمليات التهريب ومنع دخول السلع إلى المدينة بصورة نهائية".
الحصار المفروض على الفاشر، تسبب في ندرة شديدة في السلع، وشح في السيولة النقدية، وزيادة التضخم، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة.
وبرزت مبادرات التكايا، في ظل محاولات السكان للتعامل مع الواقع الذي فرضه الحصار الخانق على مدينة الفاشر، حيث تطوع بعض شباب المدينة لتقديم وجبات غذائية للنازحين في مراكز الإيواء والمواطنين في الأحياء.
وتوجد في المدينة أكثر من 15 تكية ومطبخ جماعي، أبرزها "تكية الفاشر" التي تضم ثمانية مطابخ جماعية، بالإضافة إلى تكية مبادرة الفاشر، وتكية شير في الخير، إلى جانب مطابخ أخرى.
وأوضح أحد المتطوعين، أن تكية شير في الخير، تقدم وجبتين في يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، بدعم من المتبرعين.
وأوضح أن الوجبات تُعد بما هو متاح من المواد الغذائية في الأسواق وظروف الوضع الأمني.
وتكتظ مراكز الإيواء بمدينة الفاشر ومخيم أبو شوك شمال المدينة بالنازحين، بعد موجة النزوح العكسي من مخيم زمزم، وصرّح حسن صابر جمعة، مدير إدارة النازحين بمفوضية العون الإنساني بولاية شمال دارفور، بأن عدد مراكز الإيواء داخل المدينة ومخيم أبو شوك بلغ 45 مركزًا، تستضيف نحو 16 ألف أسرة، أي ما يقارب 80 ألف نسمة.
وأوضح أن الأوضاع المعيشية في هذه المراكز بالغة السوء، حيث ينتشر الجوع وسوء التغذية الحاد بين الأطفال والنساء. وأشار إلى أن الأُسر باتت تعتمد على "الأمباز" وما تقدمه المطابخ الجماعية من وقت لآخر.
وأرجع الأزمة إلى النقص الحاد في المواد الغذائية في المدينة، بسبب الحصار المفروض على المدينة، والذي أدى إلى توقف المنظمات الدولية والوطنية عن تقديم المساعدات الإنسانية.
وتحول "الأمباز" وهو "علف حيواني" إلى غذاء يومي لألاف البشر في الفاشر، وقال أحد التجار، إن الطلب على الأمباز بلغ ذروته، ويشير إلى أن الأمباز بات على وشك النفاد، بسبب عدم وجود وارد من الفول السوداني.
وأوضح التاجر أن الأسعار ارتفعت بشكل غير مسبوق، حيث بلغ سعر قنطار الفول في الفاشر 400 ألف جنيه، وهو أكثر من عشرة أضعاف سعره في مدينة نيالا التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حيث يُباع هناك بنحو 35 ألفًا فقط.

Trending Plus