سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 6 أغسطس 1959.. ثورة فى قناة بنما ضد السيطرة الأمريكية.. وواشنطن تتحدث عن «جاسوس مصرى» أرسله عبدالناصر عدة أيام واجتمع مع بنميين ليشعل الحدث

قام الشعب البنمى بمظاهرات صاخبة ابتهاجا بنجاحهم فى إبعاد الأمريكيين عن «قناة بنما»، والسيطرة عليها، وقالت صحيفتا «هيرالد تريبون» و«نيوز ويك» الأمريكيتين: «هذه الإجراءات القانونية الانقلابية فى السلطة جاءت حسب ما اكتشفته السلطات الأمريكية فى بنما نتيجة وجود جاسوس مصرى لعبدالناصر مكث عدة أيام، واتصل بجميع الأعضاء البنميين وأثارهم ليتخذوا هذه المواقف العدوانية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنهم لم يحصلوا على الاسم ولا الصورة لهذا الجاسوس».
دارت وقائع هذه القصة فى عام 1959، وبلغت ذروتها فى «6 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1959» بالانقلاب على سيطرة أمريكا على قناة بنما، التى تمر بها السفن بين المحيطين الأطلسى والهندى، وسيطرة أمريكا عليها أشبه بالسيطرة التى كانت عليها بريطانيا على قناة السويس قبل تأميمها 26 يوليو 1956.
يكشف فتحى الديب عن تفاصيل هذه القصة فى كتابه «عبدالناصر وعرب المهجر»، وكان مسؤولا عن الدائرة العربية فى رئاسة الجمهورية، ورجل عبدالناصر الخاص فى المهام السرية، وهمزة الوصل له فى الثورات العربية وأشهرها «ثورة الجزائر»، وكان هو الرجل «السرى» الذى اعتبرته السلطات الأمريكية جاسوسا لعبدالناصر فى بنما، وجاء ذلك أثناء قيامه بمهمة سرية ومجهولة فى تاريخنا وهى سفره إلى أمريكا الجنوبية للقاء الجاليات العربية بدولها لربطها بمصر.
يكشف «الديب»، أن جولته بين دول القارة بدأت فى 24 يونيو واستمرت طوال شهر يوليو، والأسبوع الأول من أغسطس 1959، وشملت البرازيل والأرجنتين وبنما والمكسيك وأرجواى وبيرو شيلى.ويشير «الديب» إلى أن الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 كانت دافعا لذلك، لأن الجاليات العربية فى القارة من سوريا ولبنان، ويؤكد أن هذه الخطوة تمت بعد دراسة وافية قام بها مع مساعديه نحو 6 شهور، وناقشها باستفاضة فى اجتماعات سرية مع عبدالناصر، وبدأ التنفيذ بسفره إلى المكسيك فى 24 يونيو 1959.
يذكر «الديب»، أنه سافر إلى «بنما» تحت ستار أنه طالب يدرس الدكتوراه، وأنه يعد رسالته عن قناة «بنما»، وفى 7 يوليو 1959 وفى السابعة صباحا كان يتناول إفطاره فى الفندق، وفى العاشرة التقى السفير محمد التابعى بمقر سفارة الجمهورية العربية المتحدة «اسم وحدة مصر وسوريا منذ 1958».
وشرح «الديب» للسفير التابعى طبيعة مهمته، وطلب تزويده بمعلومات عن الشخصيات العربية فى بنما، ووضع الجالية اليهودية، وكان تعدادها 25 ألف يهودى يعملون فى التجارة ولهم تأثير سياسى، فى مقابل 5 آلاف عربى خليط من السوريين واللبنانيين يتعرضون لضغوط اليهود لمحاولة تطفيشهم، ويكشف «الديب» عن لقاءاته فى بنما ولقاءاته بالمسؤولين عن إدارة القناة بوصفه طالب الدكتوراه، ولقاءاته بمديرها الأمريكى ونائبه البنمى ورئيس نقابة العمال فيها، ويقول إن السفير «التابعى» انتظره بعد لقائه بالمدير الأمريكى وأبدى له خوفه من أن يكون أخطأ فى حديثه فيكتشف حقيقته ويتم القبض عليه، فرد: «لو كنت ذلك الرجل الذى تتصوره ما كلفنى الرئيس عبدالناصر بأن أقطع هذا المشوار الطويل لأضعه فى مأزق بلا مبرر».
تناولت اللقاءات مع نائب مدير القناة، ورئيس نقابة العمال قضايا كثيرة أبرزها الصدام المستمر بين الأمريكيين والبنميين، وأسئلة تفصيلية عن كيفية تأميم مصر لقناة السويس، ويقول «الديب» إنه أمام ذلك استفسر عما إذا كانت النية تتجه إلى سيطرة البنميين على القناة، فرد نائب المدير: «نعم وأملنا بالنيابة عن شعب بنما أن تنقل هذه الصورة إلى الرئيس عبدالناصر لثقتنا به، وأن نحصل على تأييده لنا».
وبعد لقاءات أخرى تناولت تفصيليا نفس القضية، وتأكيد نائب رئيس القناة البنمى ورئيس نقابة العمال على الاستعداد لتنفيذ خطتهم للسيطرة على القناة، طلب «الديب» ألا يتم تنفيذ شىء أثناء وجوده فى أى دولة بالقارة حتى لا يتم ربط ما يحدث بوجوده، وواصل جولته إلى «بيرو» يوم 13 يوليو 1959 ومنها إلى «شيلى»، وكانت البرازيل هى آخر مراحله، واتصل منها يوم 5 أغسطس بنائب مدير القناة البنمى، وأبلغه بأنه سيعود إلى القاهرة يوم 7 أغسطس 1959.
نفذ البنميون خطتهم يوم 6 أغسطس «مثل هذا اليوم 1959»، وفى اليوم التالى «7 أغسطس» قرأ الديب وهو فى الطائرة «T.W.A.» الأمريكية عن ثورة منظمة فى إدارة القناة تهدف إلى الإطاحة بكل من له ارتباط بالسلطات الأمريكية، وأن جاسوسا لعبدالناصر مكث عدة أيام فى بنما، ويعترف بأنه أمام احتمال معرفة هويته فى الطائرة فكر فى كيفية التصرف، ويكشف: «كان بجانبى مهندس أمريكى مدمن خمر، اتخذته دليلا جيدا للتمويه عنى، واتخذت أسلوبه فى احتساء الخمر أفضل وسيلة لأطلب الخمر، وبصورة خفية أضع ما أطلبه فى كأسه وأدعى أننى شربت كل شىء، وأصبحنا نعيش كمدمنى خمر على الطائرة ما جعل الجميع يتفادى الاقتراب منا، وبهذه الوسيلة تجنب الجميع الاحتكاك بى».

Trending Plus