معركة الوعي.. مسئولية الجميع

إدراكنا الذي يشمل معارفنا وممارساتنا، وكل ما يتعلق بوجدانياتنا مستهدفة بصورة مباشرة من قبل المغرضين الذي ينشرون ويبثون الشائعات الخبيثة والمليئة بالكذب والافتراء والفبركة، وهذا الوصف نسميه معركة الوعي؛ حيث النيل من الأوطان عبر تشويه المكون الفكري الذي يمتلكه الإنسان، بما يؤدي حتمًا إلى إضعاف عزيمته وفتور همته وتوقفه عن العطاء، بل، قد يمارس ما يضير مقدراته ويسير في طريق الهدم ولا يتحرى الدقة أو المصداقية في التناول، وهذا التحول الجارف دون مواربة يكرس السلبية ويقوض التنمية ويقضى على الغايات النهضوية في الدولة قاطبة.
إنها معركة وجود، يتحتم مواجهتها من قبل الجميع دون استثناء أفرادًا ومؤسسات وكيانات؛ لأن لبنة الأوطان عقول فلذات الأكباد، والهدف المعلن تعطيل عمل ونتاج وعطاء هذه العقول، بل، إصابتها بكل مشوب يؤدي إلى انحراف عن المسار القويم؛ فلا ترى إلا فجور في الخصومة، ولا تشاهد إلا صور من الصراع المسلح، ولا ترصد إلا ألوانًا من التخريب وهدر الموارد وكل ممارسات الفساد والإفساد؛ فتصبح البلاد خربة، لا مأمن فيها ولا سكينة، ولا آمال وطموحات يمتلكها الوجدان أو تمر على المخيلة.
نوقن أن الاضطرابات في البلاد التي لا تمتلك مقومات الوعي الرشيد تبدأ من الشائعات التي تحمل مآرب في سياقها؛ فتجد حاضنات من قبل العقول لها، لا تجتهد من أجل أن تعمل على نقدها وتحليل محتواها أو حتى الرجوع للمصادر الموثوقة والموثقة التي تؤكد مدى صواب مكنونها؛ ومن ثم تنساق المدارك وراء معلومات مضللة وأخبار مفبركة وحكايات وقصص مزيفة، ناهيك عن مفرزات الذكاء الاصطناعي التي باتت تبتكر في خلق المحتوى التفاعلي الذي يظهر الزيف وكأنه حقيقة معاشة، وهنا ندرك جليًا حجم المخاطر التي تحدق بنا، وأهمية الوعي الصحيح لخوض معركة البقاء في ظل فضاء منفلت.
في ظل مستجدات الساحة الدولية أضحت معركة الوعي لا تقتصر على مؤسسة بعينها أو أفرادًا يمتلكون قوة الرد، بل، صارت تعتمد على الجميع دون استثناء؛ فكلما تسلح الشعب بالوعي الصحيح في أنماطه المختلفة، كلما زادت منعته وقويت شوكته، وأصبح من خلال لحمته وتماسك نسيجه قادر عن صون مقدراته والزود عنها عبر اصطفافه حول مؤسساته الوطنية وقيادته السياسية التي تمتلك الحكمة والرشد.
حماية الأوطان ومقدراتها ليست رهن قوة عسكرية مفرطة فقط، بل، تكامل للقوى العسكرية مع الفكرية، التي تجعل الجميع على خط تماس، يوحد الغاية، ويفرض سيطرته على ربوع هذا البلد الأمين؛ فالاستقرار المجتمعي يقوم على تفهم التعاون بين المؤسسات الوطنية والمجتمع المدني؛ حيث دعم مسيرة الأمن والأمان، ورفض أي صورة من صور الانحراف الفكري، أو من يدبر بليل؛ كي يحدث ارتباكًا في المشهد الداخلي، وهنا نعي مليًا أن إجراءات الوقاية شاملة في كليتها؛ لتصبح ربوع الوطن آمنة بفضل من يقطنها.
اعتقد أن المعنويات المرتفعة والإيجابية بمستوياتها العليا تدحر مآرب من يحاولون تثبيط الهمم وإضعاف الإرادة المجتمعية، ويعملون على بث السموم ليل نهار؛ من أجل تشويه الصورة النقية؛ بغية التقليل من درجات الثقة بين المواطن ومؤسساته وقيادته، وهذا لن يحدث بين شعب تعاهد على المحبة ولديه شغف للعيش في استقرار على أرض تسودها سلامة المكان والمكانة؛ ومن ثم لن تجد للفرقة قوس منزع، ولن تصبح مرتعًا لفئات ضالة أجهزت من قبل على أوطان ودول كانت مستقرة من خلال معركة قامت على تأليب الشعوب على بعضها البعض وفيما بينها.
حراسة الأوطان مهمة ينال شرفها الجميع؛ فهناك عيون ساهرة بالسلاح، وباقي المجتمع نقي السريرة يمتلك سلاح الوعي الذي يفتك بمآرب الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الشائعات المغرضة سبيلًا سهلًا للتسلل للعقول وإصابتها بالعطب؛ لتصبح مهيأة لتوجيهات من شأنها أن تحقق أهدافًا طال انتظارها والتي تتمثل في هدم الدولة وكياناتها؛ لتصبح هذه الجماعات بديلًا يذيق الشعوب مرارة ويلات الحروب والاقتتال الأهلي الذي يتجدد من خلال بوابة الفتن التي لا تغلق أبد الدهر.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
_____
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر

Trending Plus