من أوكرانيا لكتالونيا.. سباق تسليح أوروبى غير مسبوق بعد تحذير فرنسا من حرب فى أوروبا بحلول 2030.. القارة العجوز تعزز من قدراتها الدفاعية.. ولأول مرة الميزانية العسكرية تتجاوز 300 مليار يورو سنويا

مع تصاعد حدة التوترات الأمنية في شرق القارة الأوروبية، أطلقت فرنسا تحذيرًا شديد اللهجة من احتمال اندلاع حرب شاملة في أوروبا بحلول عام 2030، في حال استمرار السياسات العدوانية لروسيا، هذا التحذير أثار ردود فعل متسارعة في العواصم الأوروبية، حيث بدأت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسى (الناتو) باتخاذ خطوات عملية لتعزيز جاهزيتها الدفاعية ومضاعفة قدراتها العسكرية.
باريس تدق ناقوس الخطر: "الحرب لم تعد احتمالًا بعيدًا"
وأكد وزير القوات المسلحة الفرنسي، في تصريحات نشرتها وسائل إعلام محلية ودولية، أن "أوروبا قد تواجه حربًا على أراضيها خلال السنوات الخمس المقبلة"، إذا لم يتم تعزيز منظومتها الدفاعية والردع المشترك.
وأشار الوزير إلى أن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في القدرات الروسية العسكرية التقليدية، بل في "الحرب الهجينة" التي تشمل الهجمات السيبرانية، التضليل الإعلامى، والتدخل السياسى في دول الاتحاد.
التهديد الروسي يتصدّر أولويات الأمن الأوروبي
تُعد الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ 2022 نقطة تحول رئيسية في العقيدة العسكرية الأوروبية، إذ باتت دول مثل بولندا ودول البلطيق (لاتفيا، ليتوانيا، إستونيا) ترى في موسكو خطرًا وجوديا.
وترفع ألمانيا ميزانيتها الدفاعية إلى أكثر من 2% من الناتج المحلي، ضمن خطة "زمن التغيير" التي أطلقها المستشار أولاف شولتس، وأعلنت بولندا عن بناء "أقوى جيش في أوروبا الوسطى"، وزادت مشترياتها من الأسلحة الأمريكية والكورية.
السويد وفنلندا ، المنضمتان حديثًا إلى الناتو، كثفتا مناوراتهما مع الحلف، في تحول استراتيجي كبير بعد عقود من الحياد.
سباق التسلح في أوروبا: العودة إلى الإنفاق العسكري الكبير
أظهر تقرير صادر عن وكالة الدفاع الأوروبية (EDA) أن الإنفاق الدفاعي الجماعي لدول الاتحاد الأوروبي تجاوز لأول مرة عتبة 300 مليار يورو سنويًا، في قفزة قياسية منذ نهاية الحرب الباردة.
وتتوزع أوجه الإنفاق بين تطوير أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي، وتعزيز القوات البرية على حدود الناتو الشرقية، والاستثمار في الدفاع السيبراني والمخابرات ، وتحديث الأسطول الجوي والطائرات المسيرة، وتسعى بروكسل أيضًا إلى تقوية "صناعة الدفاع الأوروبية المشتركة" لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة في مجال التسليح.
فرنسا وألمانيا تدفعان نحو "جيش أوروبي موحد"
في ظل التحديات الراهنة، عادت فكرة إنشاء "جيش أوروبي موحد" إلى طاولة النقاش. وتضغط باريس وبرلين لإطلاق قوة أوروبية جاهزة للتدخل السريع، قوامها 5 آلاف جندي على الأقل، على أن تدخل الخدمة الفعلية بحلول 2027.
المشروع يواجه تحفظات من بعض الدول الأصغر، لكنه يحظى بدعم متزايد من قبل المفوضية الأوروبية التي ترى فيه مكمّلًا للناتو وليس بديلًا عنه.
تحذيرات استخباراتية: الجبهة الشرقية على صفيح ساخن
تقارير استخباراتية نُشرت مؤخرًا في كل من بريطانيا وألمانيا حذّرت من مؤشرات روسية متزايدة على نية زعزعة الاستقرار في مولدوفا وجورجيا، وربما دول البلقان لاحقًا، من خلال دعم الحركات الانفصالية وشن حملات هجينة.
كما حذّرت من أن روسيا قد تستغل انشغال أوروبا بالاضطرابات الداخلية أو الانتخابات المقبلة لتوسيع رقعة نفوذها.
الناتو يرفع جاهزية قواته: 300 ألف جندى على أهبة الاستعداد
ردًا على التهديدات، أعلن حلف شمال الأطلسي عن خطط جديدة لرفع عدد القوات الجاهزة للانتشار السريع إلى 300 ألف جندي بحلول 2026، مع تمركز وحدات دائمة في بولندا، رومانيا، ودول البلطيق.
وفي قمة الحلف الأخيرة، جددت الدول الأعضاء التزامها بمبدأ "الدفاع الجماعي"، وأكدت أن أي اعتداء على دولة عضو سيُواجه برد فوري وواسع.
هل الحرب قادمة فعلًا؟
رغم التحذيرات، يرى محللون أن السيناريو الأكثر ترجيحا لا يتضمن حربًا تقليدية شاملة، بل استمرار التصعيد على شكل أزمات إقليمية، وحرب معلومات، واشتباكات بالوكالة، ومع ذلك، فإن الاستعداد الأوروبي المتسارع يعكس قناعة راسخة بأن عصر "السلام الطويل" في القارة قد انتهى.
من تحذيرات فرنسا إلى خطوات الناتو، مرورا بسباق التسلح والدعوات لتوحيد الجهود الدفاعية، تبدو القارة العجوز وكأنها تعود إلى أجواء الحرب الباردة – ولكن بأسلحة مختلفة وساحات أكثر تعقيدًا.

Trending Plus