أسقفية الشباب.. رؤية وامتداد في خدمة أجيال الكنيسة.. نشأة عظيمة على يد البابا شنودة الثالث.. رؤية متجددة بقيادة البابا تواضروس الثاني.. وهدفها بناء جيل قبطي قوي في إيمانه راسخ في انتمائه فاعل في مجتمعه

في خريطة العمل الكنسي المعاصر داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تحتل أسقفية الشباب مكانة فريدة، باعتبارها الجهة المعنية بشكل مباشر بخدمة وتكوين ودعم فئة الشباب، والتي تمثل عصب الكنيسة ومستقبلها. فمنذ نشأتها في سبعينيات القرن الماضي، قطعت الأسقفية شوطًا طويلًا في بناء جيل قبطي قوي في إيمانه، راسخ في انتمائه، فاعل في كنيسته ومجتمعه.
وتعود بدايات الأسقفية إلى فكر قداسة البابا شنودة الثالث، الذي أدرك منذ أن كان أسقفًا للتعليم، أن الشباب يحتاج إلى خدمة خاصة، تتسم بالمرونة والعمق والتنوع، بعيدًا عن الأساليب التقليدية. ومع جلوسه على الكرسي المرقسي عام 1971، بدأ في تأسيس كيانات خدمية متخصصة، وكان من أبرزها أسقفية الشباب، التي عيّن لها عام 1980 نيافة الأنبا موسى كأول أسقف عام للشباب، في خطوة شكلت تحولًا نوعيًا في تاريخ الخدمة الشبابية داخل الكنيسة.
خدمة متنوعة لبناء الإنسان المتكامل
منذ تأسيسها، تبنت أسقفية الشباب فلسفة تقوم على مخاطبة الإنسان الشاب بكل أبعاده: الروحية، الفكرية، النفسية، الاجتماعية، والثقافية. ولذلك، تنوعت أنشطتها وخدماتها، لتشمل:
المؤتمرات الروحية، التي تُعقد على مدار العام، خاصة في بيت مارمرقس للمؤتمرات بالعجمي، وتستهدف تقديم تعليم روحي متزن ومعاصر.
الإصدارات التعليمية، حيث أنتجت الأسقفية مئات الكتب والمطبوعات، من ضمنها: كتب "نحو فهم أعمق"، "كلمة منفعة"، و"سلسلة قضايا معاصرة".
برامج الإرشاد النفسي والأسري، الموجهة للشباب المقبل على الزواج، أو لمن يواجهون تحديات شخصية، ويتم تقديمها بواسطة متخصصين.
خدمة الموهوبين والمتفوقين، التي ترعى الشباب ذوي القدرات الخاصة في مجالات مثل الرسم، الشعر، البحث العلمي، والموسيقى.
وإيمانًا منها بأهمية التكنولوجيا في حياة الأجيال الجديدة، أطلقت الأسقفية عددًا من المنصات الرقمية على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى موقع إلكتروني متكامل ومكتبة رقمية تتيح المواد التعليمية والمحتوى الروحي بشكل مبسط وحديث.
مهرجان الكرازة المرقسية.. الإنجاز الأضخم
يُعد مهرجان الكرازة المرقسية، الذي أطلقته الأسقفية عام 2003 بتوجيه من قداسة البابا شنودة، واحدًا من أضخم إنجازاتها وأوسعها تأثيرًا. ويقام المهرجان سنويًا بمشاركة عشرات الآلاف من الأطفال والشباب من مختلف الإيبارشيات داخل مصر وخارجها، بهدف تنمية الجوانب الروحية والثقافية والفنية والرياضية للمشاركين.
يشمل المهرجان محاور متعددة، أبرزها:
الأنشطة الروحية مثل حفظ الألحان والكتاب المقدس ودراسة العقيدة.
الأنشطة الثقافية والفنية، والتي تتضمن كتابة المقال، إلقاء الشعر، المسرح، الرسم والتصوير.
المسابقات الرياضية التي تهدف إلى تعزيز روح التعاون والانضباط.
الأبحاث والمشروعات العلمية، خاصة بين الفئات العمرية الأكبر.
وبلغ عدد المشاركين في آخر دورة من المهرجان ما يزيد عن 200 ألف مشارك من جميع أنحاء الكرازة المرقسية، ما يعكس مدى انتشار خدمة الأسقفية وتأثيرها العميق في نفوس الشباب القبطي. كما أطلقت الأسقفية منصة إلكترونية خاصة بالمهرجان لتسهيل التسجيل والتقييم والمتابعة، مما جعل التجربة أكثر احترافية وتفاعلية.
ثمار في حياة الشباب.. وأثر يتخطى حدود الكنيسة
لا يمكن قياس نجاح أسقفية الشباب بالأرقام فقط، بل بما أحدثته من تغيير ملموس في حياة مئات الآلاف من الشباب. فقد أفرزت خدمة الأسقفية أجيالًا من القادة الكنسيين والخدام والمبادرين الاجتماعيين، الذين تلقوا تكوينًا روحيًا وفكريًا متوازنًا، ساعدهم على الانخراط الفعال في كنائسهم ومجتمعاتهم. كما أتاحت الأسقفية مساحة حوار وانفتاح داخل جدران الكنيسة، مما جعلها أقرب إلى قلوب الشباب الباحثين عن فهم عقلاني لإيمانهم وموقعهم في العالم.
امتداد الخدمة في المهجر
لم تقتصر خدمة الأسقفية على شباب مصر فقط، بل امتدت إلى شباب المهجر، من خلال ملتقيات شبابية دولية تُعقد سنويًا، تجمع شباب الكنيسة من أمريكا وأوروبا وأفريقيا والخليج، بهدف ربطهم بالكنيسة الأم في مصر، وتأكيد الهوية القبطية الجامعة رغم تباين الثقافات واللغات.
نظرة مستقبلية وتحديات الحاضر
رغم الإنجازات الكبيرة، لا تزال الأسقفية تواكب تحديات متجددة، أبرزها: التغيرات السريعة في فكر الشباب، والانفتاح على ثقافات عالمية متباينة، والتعامل مع قضايا الهوية والانتماء. ومع ذلك، تواصل الأسقفية مسيرتها برؤية متطورة، تحت قيادة نيافة الأنبا موسى، ومجموعة من الكهنة والخدام المتخصصين، الذين يعملون على تجديد الخطاب الشبابي، وتقديم نماذج واقعية تجمع بين الثوابت الإيمانية وروح العصر.

Trending Plus