اكتشاف ألواح طينية فى بلاد ما بين النهرين تستخدم فى تسجيل المعاملات

اكتشف العلماء حديثا أدلة أثرية على أن كتبة بلاد ما بين النهرين طوروا أنظمةً ثابتةً لحفظ السجلات حوالى عام 3400 قبل الميلاد، مزودة بشبكات تحقق موزعة وبروتوكولات مصادقة متطورة.
لم تكن سجلاتهم مجرد خدوش بدائية على الصخور، بل تضمنت عمليات تحقق مماثلة لتلك المستخدمة فى تقنية البلوك تشين الحديثة لتسجيل البيانات والمعاملات اليومية، ولكن بشكل مختلف تمامًا، كانت هذه الألواح أنظمةً شاملةً تدير اقتصادات مُعقدةً عبر إمبراطوريات شاسعة.
احتوت مكتبة آشور بانيبال وحدها على أكثر من 30,000 لوح، وهذا يفوق ما تنتجه العديد من الشركات الحديثة في عام واحد، أما أرشيف ماري، الذي يضم 15,000 نص تعود إلى العصر الأموري، فقد تتبع 160 مملكة منفصلة على مدى ثلاثة عقود فقط، وهذا توثيق محاسبي واسع النطاق، وفقا لما نشره موقع ancient-origins.
الدفتر الأصلى غير القابل للتغيير
لم تكن تلك الألواح الطينية القديمة مجرد أسطح كتابة سهلة، بل صُممت عمدًا لتكون خالدة، أحرق كتبة بلاد ما بين النهرين أهم سجلاتهم في أفران، مُنتجين ما أسموه "سجلات أبدية".
بمجرد حرقها أصبحت هذه الألواح غير قابلة للتلف تقريبًا، نجا العديد منها لأكثر من 5000 عام، وهو عمر يفوق ما يُمكننا قوله عن معظم صيغ التخزين الرقمي من تسعينيات القرن العشرين.
كانت خصائص مقاومة العبث مبتكرة، فقد استُخدمت فقاعات - أغلفة طينية مُغلقة حول وثائق مهمة، دون كسر الختم، لم يكن بالإمكان فحص المحتويات، مما يجعل أي تغيير غير مصرح به واضحًا تمامًا، إنها النسخة القديمة من تقنية تجزئة التشفير القائمة على تقنية البلوك تشين اليوم، حيث يُمكن تمييز أي تغيير في السجل فورًا على أنه تلاعب.
وهنا تبرز أهمية الأمر، لم يكن سكان بلاد ما بين النهرين يكتفون بإنشاء سجلات ثابتة، بل كانوا يحلون نفس مشاكل الثقة التي تحلها تقنية البلوك تشين اليوم. كيف تُنشأ سجلات لا يمكن تعديلها دون كشف؟ كيف تتحقق من المعاملات دون الاعتماد على جهة واحدة؟ هذه الأسئلة هي التي قادت الابتكار آنذاك، كما تفعل الآن.
شبكة الكاتب
الآن نصل إلى الجزء الأكثر ذكاءً، لم يكن نظام حفظ السجلات في بلاد ما بين النهرين مركزيًا، بل كان موزعًا عبر شبكة من الكتبة المحترفين الذين يعملون من "القصر والمعبد إلى القرية أو المزرعة المتواضعة"، لم يكونوا مجرد كتبة، بل كانوا متخصصين ذوي تعليم عالٍ شكّلوا "جزءًا لا يتجزأ من الجهاز البيروقراطي الحاكم" في آشور.
عملت هذه الشبكة على مبادئ التوافق، تطلبت المعاملات التجارية شهودًا متعددين، وكان لا بد من "تسجيلها في طين وشهود"، لم يكن بإمكان أي طرف تعديل السجلات المهمة دون اكتشافها، لأن نسخًا منها كانت موجودة في مواقع متعددة.
الأمر الأكثر لفتًا للانتباه هو كيفية تدقيقهم لهذه السجلات، يعود تاريخ قانون أورنمو إلى حوالي عام 2100 قبل الميلاد، ويبدو أنه يوضح أساليب القروض والمعاملات التجارية وأسعار الفائدة العامة، وقد شكلت هذه الأطر القانونية أساسًا لكيفية التحقق من هذه المعاملات وتوثيقها، وأصبحت بمثابة طبقة من البروتوكولات للتواصل عبر نظامهم الموزع.
الأختام والتوقيعات والأمن
هنا تصل تكنولوجيا المحاسبة القديمة إلى مستوىً عالٍ من التطور، كانت الأختام الأسطوانية، التى يعود تاريخها إلى عام 4400 قبل الميلاد، بمثابة أول أدوات مصادقة شخصية فى العالم، لم تكن هذه أدوات احتفالية، بل أدوات عملية تستخدم "على جميع مستويات المجتمع"، وليس فقط من قِبل الملوك.

Trending Plus