ليست البندقية أهم من العقلية.. جدلية السلاح فى غزة إزاء الحاجة إلى إحلال القيادات

حازم حسين
حازم حسين
بقلم حازم حسين

قد تتعطّل العربة لعطب طارئ، أو لضعف فى مهارة الجالس إلى المقوَد. وفى الحالين؛ تحتاج إلى فنّىٍّ ماهر فى إصلاح الأعطال، أو  إلى سائقٍ مُحترف. ربما يستسهل البعض تغيير المركبة نفسها؛ إنما لو كان الكلام عن بلدٍ وقضية؛ فما من رفاهيةٍ لاستبدال البشر والحجر، ولا بديل عن إحلال القيادة.

تتسلّط عيون العالم على غزّة من جهات الأرض الأربعة؛ لكن القطاع ضاق على أهله حتى باتوا يرون حاضرهم ومستقبلهم من ثقب إبرة. محتل غاشم لا يرعى فيهم قانونا أو ضميرا، ومقاوم مختل لا تُروّضه الأخوّة أو يَرُدّه ثِقَل المأساة عن طريق الضياع.

وما بين طمع الأول فى الأرض، وتقديم الثانى لنفسه على البلاد والعباد، تتشوّه الوقائع وتطغى الأيديولوجيا على ما عداها؛ لتمضى الجولة غير المتكافئة من سيّئ لأسوأ، وبعيدًا عن أية مُقاربة أخلاقية عاقلة، أو تُبشِّر بانفراجة صار أشد الناس تفاؤلاً يعُدّونها على لائحة المستحيلات.

اختُزِل «الطوفان» من حلم التحرير الكامل إلى مجرد البقاء، مع التسليم باستحالة العودة لما قبل السابع من أكتوبر. وتضخّم العدوان من الثأر ومزاعم الدفاع عن النفس، ليُلامس سقف الإبادة الجماعية المُمنهَجَة، وعلى نيّة التطهير العِرقىّ أو إعادة التكييف الديموغرافى للبيئة الغزية خاصة، والفلسطينية عمومًا.

ومُنتهى الآمال اليومَ تتّجه نحو إدارة النكبة لا إنهائها، وتختصم فى مستوى الحصار والتجويع، وعدد الشاحنات العابرة للزاحفين على بطونٍ خاوية، ومواقيت العبور ومساراته، وليس انتشال الضحايا من المحرقة، أو وَضع نقطةٍ فى آخر الفقرة النكبوية الجارية، وضمان أن تتوقَّف الآن ولا تتجدَّد لاحقًا. وحتى لو كان سَلبُ الذرائع من العدوِّ غير مضمون العاقبة؛ فإنه يستأهل المُحاولة.

أدارت إسرائيل مُحرّكات التوحُّش إلى آخرها، وتتطلَّع لاستكمال ما حقّقته فى كلِّ الجبهات، وتوظيفه لحسم المسألة مع القطاع مرَّةً وللأبد. والحماسيون من جانبهم لم يُغادروا لحظتَهم الطوفانية، وافتتانَهم العميق بها دون مُبرّر أو بَيِّنة، حتى أنهم يُقيمون حتى الساعة مع السنوار فى خندقه، وقد سُطِّحَت الجغرافيا بما عليها ولفظت الأرضُ ما فى أحشائها.

فكأنهم أسرى لزمنٍ غابر، محبوسون فيه وواقعون تحت سطوتهم، وغير قادرين على تجاوزه إلى واقعهم الكئيب، أو استيعاب ما طرأ من تغيُّرات تُهدِّد الأُصول الكبرى، وتتخطّى نطاق خبراتهم القديمة بالمناوشات المحسوبة والمُتقطِّعة.

ولم يَعُد خافيًا أن نتنياهو يتطلَّع لِمَا هو أكبر من الإجهاز على حماس، أو تحييد سلاحها وإبعادها من مشهد اليوم التالى. لقد عزمَ على أن يتَّخذ من الحركة ذريعةً للنفاذ إلى القضية، والاستدراك على خطيئة شارون فى «فك الارتباط» قبل عقدين، أو القفز خطوات للأمام بإزاحة الوجود الفلسطينى تمامًا من تلك البؤرة المزعجة.

يتذرّع بالبندقية وليس فى قتالٍ حقيقىٍّ معها، ويُعينُه العقلُ السياسى الهَشّ والمُتهافت على الجانب الآخر، بما يتجلّى فى أدائه من خفَّة فى التعاطى واستخفافٍ بالمآلات، ومن إغراق فى النزعات الانتحارية، ولو كلَّفته أن يعيش ما تبقَّى من العُمر بعاهةٍ مُستديمة.

يُحتَمَل أنَّ القادة الحاليين يعرفون طبيعة الظرف الراهن وحقائقه الثقيلة، ويُكابرون فى الإقرار بها واحتمال الأعباء المُتولِّدة عنها، وتلك مصيبةٌ كُبرى بالنظر إلى تقديم الجزء على الكُلّ، وإعلاء الأيديولوجيا فوق الوطن. إنما من الاحتمالات أيضًا أنهم يجهلون أو يتجاهلون، ويسترقهم الإنكار لا الاستكبار، ما يجعلُ المصيبةَ أعظم وأشدَّ وطأةً عليهم وعلى الآخرين.

إذ تكشِفُ عن قصورٍ فى النظر والاستيعاب، وعجزٍ عن استقراء ما عليه السياق، ومُجاوبته بديناميكية وبصيرةٍ مُتّقدة. وفى الحالين؛ لعلَّ الواقفين الآن على رأس الميدان، أخفّ كثيرًا من الخطر الوجودىِّ الداهم، وآخر من يصلحون للتعامل معه والتصدِّى لِمَا يحمله من نُذُرٍ ومُهدِّدات.

وإذ تتسارع جهود الساعين لاستعادة المسار السياسى؛ فالاعتباط وتوهُّم الفاعلية قد يدفعان قيادات الأمر الواقع إلى تثمير العوائد المعنويّة الزهيدة لحسابهم الخاص، واعتبار أنَّ يقظة الضمير العالمى نسبيًّا، أو اتجاه فرنسا مثلاً للاعتراف بالدولة الفلسطينية فى سبتمبر المقبل، بعد جهودٍ من جانب مصر، مِمَّا يُنسَبُ إلى السنوار من جهة الطوفان، ثمَّ ما فرضه على خُلفائه بقوّة الأُمثولة والعاطفة، فأذعنوا له اختيارًا أو اضطرارًا، وما حادوا عنه قيدَ أُنملة، بالرغم من كل النوازل المُتتابعة، ومن جلاء الكارثة على مرمى البصر، وبما لا يحتاج لعقلٍ استثنائى أو عين خارقة.

قبل يومين أعلن وزير الخارجية الإيطالى، أنطونيو تايانى، أنَّ بلاده لا تُمانع فى الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ إنما على شرط أن تكون موجودة أصلاً.
ومعنى الوجود كما يطرحه أن تتَّحد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سلطةٍ واحدة، اتّصالاً بالشرط الأصيل لوحدة الجغرافيا كأحد مُقوِّمات الدُّوَل.

وعليه؛ تتبدّى تبعاتُ الانقسام مُجدَّدًا، وكُلفتُه الباهظة والمُتصاعدة منذ وقوعه إلى اليوم، وفداحة الذهاب لمغامرة فرديَّةٍ خارج مظلَّة الإجماع، ودون أى اتفاق على التفاصيل السابقة واللاحقة، وبرنامج العمل القادر على احتواء الارتدادات، وتحقيق التكامل بين المُقاتل والمفاوض، والأهم الموازنة بين الحق المشروع فى المقاومة، والواجب الإلزامى بألّا تكون انتحارًا مجّانيًّا، أو اختطافًا لطائرة الوطن بمجموع رُكّابها، وبمعزلٍ عن شواغلهم الحيّة ومصالحهم الحيويّة.

ولا خلافَ على أنَّ أطروحة الوزير الإيطالى تنطوى على قدرٍ واضحٍ من التعلُّل، ربما يُشبه ما ساقه رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر، عندما أعلن خلال الأسبوع الماضى أنَّ لندن قد تعترف بفلسطين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ ما لم تتَّخذ حكومة إسرائيل خطواتٍ جوهريَّةً لتحسين الوضع الإنسانى فى غزّة، والالتزام باستئناف عملية السلام القائمة على «حل الدولتين»، فيما يبدو كأنه تعليقٌ للأصل على الفرع، وامتصاصٌ لغضبة نوابه وقواعد حزب العمَّال من الإبادة الجارية فى القطاع.

أقول ربما؛ مع أنَّ حديث روما فى جوهره مُعاكسٌ تمامًا، ويُعلِّق الفرع على الأصل كما هى طبائع الأمور وتدرُّجها المنطقى؛ لأنها إن كان تلتمس مخرجًا ناعمًا، لا يخدش صورتها الحضارية ولا يُغضِبُ الصهاينةَ ورُعاتَهم الأمريكيين؛ فإنها ما قالت إلَّا حقًّا، ولا يُمكن لعاقلٍ أن يختلف إطلاقًا على المبدأ المطروح.

يصعُب التعويل على إسناد الأرض والسماء معًا؛ ما لم يدعم الفلسطينيون أنفسهم بتجاوز الخلافات البينيّة أوّلاً، ثمّ بنَكء الجروح المُغلقة على قيوحٍ ومصالح خاصة وفوق فلسطينية، وإعادة تأهيل المجال الوطنى بدءًا من ضبط المشروع التحرُّرى، وتكييفه فى التكتيك والاستراتيجية مع حركيَّة الجغرافيا وتغيّراتها الطارئة، وتوازُنات الإقليم بما جَدّ عليها أو ارتبك منها، وأخيرًا والأهم أن تتجدَّد الدماء ويُفسَحَ الطريقُ لإفراز وجوهٍ أكثر حيوية وحداثةً وامتلاكًا للّغُةِ المُتناسبة مع الواقع.

أغرق نتنياهو العالم فى تفاصيل صغيرة، من مفاتيح تبادُل الأسرى إلى ترتيبات الهُدنة وأشراط الوقف الدائم للحرب، محمولاً على نزع السلاح وتحييد الإدارة القديمة فى القطاع. وكذلك فعلت حماس، وبدلاً من الانشغال بالمضامين الكُبرى وعناوينها العريضة، أخذت تختزل المسألة وتبتذلُها إلى رُتبة الأولويات التنظيمية البائسة، وما تحمله الصفقةُ من مزايا لها أو تُرتّبه من أعباء عليها وعلى الحلفاء والداعمين.

فيما الجَلىّ أنها عاجزةٌ فى التفاوض كما فى القتال، والموازين مُختلَّة، والقوّة انفرطَ عقدُها أو باتت أثرًا بعد عين، وما التشدُّد إلَّا حلاوة روح أو لأجل البحث عن منفعةٍ خاصة، كُلَّما اجتُهِد فى تحصيلها؛ تشدّدت الضغوط وتعاظمت الخسائر.

بَيدَ أنَّ ذئب الليكود لا يُصرّ على مُطاردة السلاح إلى الآن عن خشيةٍ منه، ولا لأنه يستشعر إمكانية أن تعود الحركة فاعلةً أو قادرةً على تهديد الغلاف. إنما القَصدُ أن يُطارد جَزرتَه المربوطة فى عصا القسّام، فلا يصل إليها ولا يتوقَّف عن سحق ما يعترضُ طريقَه بالمُجنزرات.
وكما كان «الطوفان» ذريعةً فى البدء، صارت البنادق غطاءً فى المنتهى، وصُرِف النظرُ بإرادة الطرفين عن العُقَد الحقيقية، ليُدَار الجدلُ بكامله فى السفاسف وتوافه الأمور.

لنختلف فى نزع السلاح كما شئنا، ويعترض الحماسيّون ملءَ صدورهم على تسليمه للسلطة الوطنية، مع معرفتهم بأنَّ مآله الإفناء أو الوقوع فى قبضة العدو.
إنما ما لا يُختَلَف فيه أنَّ البارودة الطائشة نتاجُ رامٍ بائس، وأنَّ غياب القدرة على التصويب حالما تجتمع مع الرخاوة وبطء القرار، بالانسحاب أو إعادة التموضع؛ فإنها تقطع بما لا يحتمل الشكّ والتأويل بخِفّة القناص وبؤس القائد، ما يُوجِبُ النظر فى تغيير عُدّة الحرب عند أهم مستوياتها، أى عند العقل والتخطيط ووضع الاستراتيجيات.

ولا معنى من أىِّ وجه؛ للتلطّى وراء دعاوى الاختلال وفوارق الإمكانات، لأنها كانت واضحةً منذ البداية، وكفاءة القيادة تتأسِّس على معرفة متى تبدأ الحرب وكيف تنهيها، أما الذهاب إلى المجهول دون خرائط وسيناريوهات تستوعب كل التطوّرات، بالمُتوقَّع منها والمستحيل أيضًا؛ فلعلّها تُؤشّر على هُواةٍ وُضِعوا فى غير أماكنهم، أو نصّبوا أنفسهم قهرًا، ولا أمل فى النجاة من دون تنحيتهم عنها.

انتهت الحرب فى المضمون؛ وإن استمرّت وتمدّدت شكلاً. بمعنى أن ما يحدث لا يخرج عن مُراكمة مزيدٍ من الخسائر، وزيادة الضعيف ضعفًا، بقدر ما يزداد القوىّ قوّة وغرورًا.

باختصار؛ وقعت الهزيمة وتجسّدت عمليًّا وتصَّاعد تكاليفُها، وغاية المُتاح أن تُستوعَب عند حدٍّ لا يكون قاتلاً، أو تُرشَّدَ لمستوى الاحتمال والقُدرة على التعافى بعدها. عدم الاعتراف يُؤَوَّل على الجهل أو الذاتيّة والغَرَض؛ لكنه دلالةٌ قاطعة أيضًا على عدم الصلاحية.

وأوّل ما يحدث بعد الهزائم أن تُعاد هندسة الجيش ويُستبدَل الجنرالات. وما من ثغرة لادعاء التعذّر أو القول بخطأ الإحلال على رأس الميدان؛ لأنها صارت مُنازلةً من طرفٍ واحدٍ أصلاً، ولا يُبدى الآخر إقدامًا رادعا، ولا إحجاما مُنقذًا، ويعجزُ عن رؤية الفيل فى الغرفة، زاعما النصر فيما ينزف بغزارة، وتتساقط بيئته من حواليه فرادى وجماعات.

أخفق السنوار فى افتتاح المواجهة الخشنة، وتبعه رجاله المقربون فى الإخفاق، ولم يتخلّف ساسة الخارج عنهم فى إحراز العلامة الكاملة فى سطحية الفكر وعشوائية التخطيط وغباء الإدارة. وكان يُفترَض أن يعود تعاظُم القوّة الحماسية بالنفع على القضية، لا أن يقودها من السطح إلى القاع، ثم يُواصل الحفر بيقين دوجمائى لا يُحسَدون عليه.

وإذا كان المُنتصر لا يرتضى بما فى يده بالفعل؛ فالغريب أن يكون المهزوم راضيًا ومرتاحًا إلى ما يتهدّده بالسهام الحارقة من كل اتّجاه؛ ولو فوّتته فلن تُخطئ قلب فلسطين نفسها. أعاد نتنياهو هيكلة إدارته، أقال وزير الدفاع، واستبدل جنرالا آخر برئيس الأركان، ومن إزاحة مدير الشاباك رونين بار، إلى تنحية المدعيّة العامة جالى بهاراف ميارا قبل يومين.

يحدث هذا ويتكرّر بلا توقف؛ فيما تزداد حماس ثقة فى مُخفقيها الكبار، وما بدّلتهم إلا اضطرارا، فكانت الإزاحة بالموت مع السنوار وهنيّة والضيف وغيرهم. أى أن واجبها الأصيل ناب عنها فيه الاحتلال، ويُخشَى أن يستكمل المهمّة مع الباقين.

والحاجة اليوم على أعلى ما يكون لنوعية مُغايرة من العقول والنفوس، لوجوه وكوادر نقيّة أو أقرب إلى النقاء، وبدائل مدنية حداثية تنزع غلالة الماضى عن عيونها، وتُقيم فى الحاضر وتتحدّث بلسانه المُبين.

نَزعُ القيادات مُقدَّم على نزع السلاح، وضرورة لا رفاهية، وبه يمكن أن يتعافى النضال سلميًّا كان أو مُسلّحًا، وبدونه لا قيمة لأى خيار خشنٍ أو ناعم، ولا لبارود الدنيا طالما يُوضَع فى أيدٍ خفيفة، مُرتعشة أو مُستتبَعة.

وليست الأزمة هنا أن القيادات القديمة أثبتت فشلها مرّة بعد أُخرى، واستنفدت طاقتها وأفكارها ولم يُعد لديها جديد لتُقدّمه. إنما العُقدة أنها شريكة فى الوقائع السالفة بالتورّط المباشر، أو التبنّى الغشوم، ولها مصلحة مُباشرة فى التعمية على الخطايا والتهرُّب من التصويب.
لهذا؛ فإنها بدلاً من الاعتراف والاعتذار والعودة إلى الحق، تنحرف لناحية تأطير نفسها بسياج عقائدى لا يُشرك المنكوبين معها فى المُفاوضة، ولا يتوقّف عن المُزايدة ومحاولة تحميل المسؤولية على أكتاف الآخرين. فيُزايد الحيّة على الدول والشعوب، أو يُحرّض غيرُه، وتنشط الهيئة الميليشاوية، سُنيّة وشيعية، فى خلط الأوراق وابتذال التضحيات.

وفق هذا الفهم؛ فنهر الدم الهادر مُجرّد أخطاء تكتيكية كمال قال مشعل، والتضحية صفة موقوفة على المُجاهدين لا العُزّل المنكوبين بحسب أسامة حمدان، والسلاح دونه القضية والرقاب فى عُرف غازى حمد، وعلى طريقة الراحل حسن نصر الله الذى أورث لبنان كارثة لم تتعافِ منها بعد.
يُقال علنًا إنها مواجهة مقصودة بالصدور العارية، وصمود لن يتزعزع حتى آخر طفل.

المُساعدات رزق المُقاتل وما يتبقّى فلعامة الشعب، هكذا وزّع موسى أبو مرزوق القسمة سابقًا، وتكرّرت على معنى آخر فى بيان الحركة الصادر عن مركزها الإعلامى أمس، وفيه بالنص أن «الاحتلال يتعمّد منع تأمين الشاحنات وتسهيل وصولها لمستحقيها، ويُجبر السائقين على سَلك مسارات مكتظة بالمدنيين الجائعين؛ ما يؤدى لمهاجمتها وانتزاع محتوياتها»؛ فكأن المستحقين فى جانب آخر غير الجوعى، وكأن الجوع نفسه لا يقوم حجّة على الاستحقاق!
فقدت حماس الكفاءة فى القوّة والسياسة، وفقدت اللياقة والذوق قبل هذا. وليس التحوّل ناشئا عن ضغوط المأساة؛ بل عن الأيديولوجيا ومرجعيّتها وأصولها، وما فعلته الأزمة أنها ظهّرت ما كان خافيا.

تعتبر الحركة نفسها شعبًا وبلدًا بكاملهما، والصفة الفلسطينية لا تكفى وحدها للاعتراف بالجنسية؛ إنما تُشتَرط مُوالاة الحركة أو مُهادنتها والصمت على أفاعيلها، وبهذا يتقسّم الوطن المُقسّم أصلا من جهة الرابطة المعنوية، وبأقسى مِمّا عليه تجزئة الجغرافيا ومناطق النفوذ.

التأمت حكومة نتنياهو على مدار ثلاث ساعات نهار الثلاثاء، ومن المُقرّر أن يجتمع المجلس الوزراى المصغّر «الكابينت» اليوم لحسم القرار بشأن توسعة العملية العسكرية، وتفعيل مُخطّط احتلال القطاع. يبدو أنهم تحصّلوا على الضوء الأخضر من واشنطن، ما يُعنى أن الصفقة المعروضة تُسحَب من الطاولة، والقادم أسوأ من كل ما فات.

ولا سبيل لخوض المواجهة المُتقدّمة للغاية على كل الكوابيس السوداء سابقا، بالرجال والحناجر والإملاءات نفسها. بينما العبء كُلّه أن القبضة الغليظة ستُحيِّد السلاح عَمليًّا، وتُبقى القيادات فى أماكنها، فلا تتحصّل الفائدة التى يتذرّعون بها، ولا تنحلّ قيودهم عن خناق القطاع.

حوّلت حماس الجدل من خطيئة الطوفان إلى خذلان الجوار، ومن الإغراق فى أجندة المُمانعة إلى التعريض بالاعتدال. من الهزيمة الماثلة إلى النصر المزعوم، ومن واجبات الاستدراك والإنقاذ إلى تعليق التهمة فى رقاب الأبرياء، بالداخل والخارج على السواء.

ويجب ألا ينساق الغزّيون وغيرهم وراء تلك السرديّة، أو يُحقّقوا للصهاينة ما يُريدونه عَمليًّا، بإبقاء مفاتيح الفعل الصدئة على رأس الحركة، مُنعّمة فى الفنادق، ومُتسبّبة فى تعظيم المأساة على الأرض.

صار الحماسيون عبئًا لا رصيدًا أو عامل قوّة. إنما تظل مكوّنًا أصيلاً من مكونات الشعب الفلسطينى، يتعيّن استيعابه والسماح له بالتموضع فى موقع يناسبه بين بقية المكونات، شريكًا لا قائدًا، وتابعًا للإرادة الوطنية لا مُتسلّطًا عليها.

بقاء التنظيم لم يعُد غايةً يصح أن تُطلَب على جُثث المدنيين، ولا سلاحه أيضًا. المُصالحة أولى، والإجماع أنفع له وللوطن، والإنقاذ وإعادة التأهيل مدخل وجوبىّ لإنعاش القضية واستدراكها على سرير الموت. ولن تتحقق تلك الآمال فى وجود القيادة الحالية، ولا مع العقلية التى أورثت فلسطين وأهلها نكبةً تفوق سابقتها، وتتنطّح على الجميع إبراء للذمة وجُبنًا عن احتمال المسؤوليات.

نزع القيادة واجب اللحظة الراهنة، ويجب أن يُنجَز من داخل حماس نفسها، وأن يُعَمَّم على بقية الأطياف والتيّارات. السلطة فى حاجة للتجديد والإثراء أيضًا، وإن كان صعبًا فى الظروف الراهنة أن تُنجز رام الله انتخابات عامة، رئاسية وتشريعية، فليس أقل من هيكلة الإدارة ورَفدها بوجوه شابة، كأن يُعاد تشكيل الحكومة، أو يُلحقوا بمهام تنفيذية فى منظمة التحرير ومرافقها، أو على صفة مُستشارين بصلاحيات واضحة وحقيقية.

تعقّدت القضية عمّا كانت عليه فى أى وقت سابق، وتجاوزت وعى المتحدّثين باسمها جميعًا من دون استثناء.

والفارق أن المنظمة لها شرعية قانونية ودولية، فيما الحركة الإخوانية مرفوضة من أغلب العالم، وموصومة بالإرهاب والتداخل مع محاور أيديولوجية مُلوّثة.
لنَدع السلاح جانبًا، فى مخازنه أو لدى السلطة وتحت إشراف إقليمى ودولى؛ إنما لا فائدة ستتحقّق من دون نزع القيادة القديمة، وإرسالها على وجه الاستعجال إلى المكان الطبيعى الذى يُرسَل إليه الانتهازيون والمُنتفعون وتجار القضايا والشعارات.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

محافظ نابلس: الاحتلال يشن حرب استنزاف ومصر تقود الموقف العربى ضد التهجير

المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية: الموقف المصرى صلب ضد تهجير الفلسطينيين

سنة دون مبرر.. غلق الوحدة السكنية يوجب إخلاءها فى قانون الإيجار القديم

تعرف على حالات يحق لرجل المرور سحب التراخيص من السائق على الطرق

السعودية تستنكر تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلى بمنع إقامة دولة فلسطين


مروان حمدى يسجل الهدف الأول لبيراميدز أمام الإسماعيلى وطرد يورتشيتش وتوريه

الأقصر تدعم المزارعين.. علاج 40 فدانا من دودة القصب الكبيرة.. الانتهاء من زراعة 16 حقلا إرشاديا بمحصول الذرة الرفيعة.. 20 رخصة لمحال الاتجار في الأعلاف.. ومقاومة حشرة النمل الأبيض بـ 19 منزلا بالمجان.. صور

إعفاء طلاب الثالث الإعدادى بالعامين الدراسيين 2026 و2027 من أعمال السنة

وزير التعليم يعلن تطبيق أعمال السنة على الصف الثالث الإعدادى

بدء هدم عمارة هندسة السكة الحديد بميدان رمسيس لتوسعة كوبرى أكتوبر.. إنشاء موقف متعدد الطوابق للقضاء على العشوائية وإزالة كافة الأكشاك والمحال المنتشرة بالميدان.. وتجهيز مول تجارى ومكاتب إدارية بديلة.. صور


5 معلومات عن مباراة الأهلى وفاركو غدا الجمعة فى الدوري المصري

الأرصاد تحدد موعد انكسار الموجة الحارة وتحذر من أمطار رعدية.. فيديو

ضبط سائق سيارة فارهة حاول الهرب بعد ارتكابه حادثا مروريا بكوبرى أكتوبر.. فيديو

ضربة لحيتان المقاولين.. إزالة 6 أبراج مخالفة فى منطقة اللبينى بالهرم.. صور

مصابة بحادث طريق الواحات أمام النيابة: الشباب طلبوا منا النزول من السيارة

والدة فتاة حادث طريق الواحات: “مش هتنازل عن حق بنتى.. والرعب اللى عاشته”

منتخب مصر يستعجل اتحاد الكرة لحسم وديات نوفمبر وديسمبر

سلوت: جاهزون لضربة البداية أمام بورنموث والصفقات الجديدة تُصعب المنافسة

الرئيس السيسى يوجه بالمضى قدماً فى إعداد الموقع العالمى لإذاعة القرآن الكريم

بيراميدز يتفوق على الإسماعيلى فى المواجهات قبل لقاء اليوم بالدورى

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى