"أنا خير منه".. بداية السقوط

"أنا خيرٌ منه".. لم تكن مجرد جملة، بل كانت زلّة فكر أخرجت إبليس من رحمة الله، وأسقطته من سجود الملائكة إلى سجود الكبرياء.
لحظة واحدة من الغرور، كفيلة أن تغيّر مسار حياة، أو تُسقط قامة، أو تُفسد قلبًا ظنّ أن العلوّ لا يُنال إلا بالنظر من أعلى إلى الآخرين.
الغرور مرض لا يوجع الرأس فقط، بل يُعمى القلب، ويُرهق الروح، يسكن العيون التي لا ترى إلا نفسها، والأنفس التي تقيس البشر بمسطرة المقارنات السامّة.
يقف الغرور كمرآة مشروخة، تُضخّم تفاصيلك، وتُشوه غيرك، بينما التواضع، مرآة صافية، تُريك نفسك كما هي، وتُريك في الآخرين أنفسًا لها ما لها، وعليها ما عليها.
في زمن "التنافس" الذي صار عنوانًا لكل شيء، ننسى أن الحياة ليست سباقًا، بل طريقًا كلٌ يسير فيه بخطاه، لا تقتل نفسك بمقارنة حياتك بما ترى من حياة غيرك، فلكل إنسان ورقة امتحان مختلفة، ولكل واحد سؤال لم يُطرح على غيره، ركّز في ورقتك، عش حياتك، وافهم أن ما يبدو نجاحًا لغيرك قد يكون امتحانًا قاسيًا، وما تراه سعادة قد يكون وجعًا يبتسم.
التواضع لا يعني أن تُنقص من نفسك، بل أن تدرك حجمك الحقيقي دون تضخيم أو تقزيم، أن تعرف أنك لست مركز الكون، ولا أفضل من سواك لمجرد أنك تملك شيئًا يفتقده غيرك، فالنعم لا تدوم، والمقامات لا تُشترى، والعلوّ الحقيقي يبدأ من تراب التواضع لا من غيوم الغرور.
الناس لا تكره الناجحين، لكنها تكره المتعجرفين، لا أحد يُصفق لمن يرى نفسه على المنصة وحده، وينسى أن خلف كل نجاح قصة لا تُروى، ويدًا لا تُرى، وتوفيقًا من الله لا يُشترى.
فلنخلع عباءة "أنا خير منه"، ونلبس ثوب "ارحمني كما رحمت غيري"، لعلنا ننجو.

Trending Plus