اختبار المصير .. هل تنجح البكالوريا الجديدة فى رسم مستقبل أبنائنا؟

حازم صلاح الدين
حازم صلاح الدين
حازم صلاح الدين

إن صناعة جيل جديد قادر على التفكير، والإبداع، ومحاربة التطرف والانغلاق، لا تبدأ من الكتب أو المناهج أو الامتحانات، بل من القلوب والعقول التي تؤمن بأن التغيير ممكن، متى توفرت الإرادة وتكاتفت الجهود لحمايته، وهذا ما ينطبق على نظام البكالوريا الجديد، الذي تحدثت عنه مرارًا في مقالات سابقة، مؤكدًا أهمية التواصل بين وزارة التربية والتعليم وأولياء الأمور، بهدف طمأنتهم على مستقبل أبنائهم.

تابعت مؤخرًا التصريحات الإعلامية للدكتور محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، التي أوضح فيها أن نظام البكالوريا يمثل تحولًا جريئًا في شكل ومضمون الثانوية العامة ، فهو لا يُعد مجرد تطوير شكلي، بل يحمل في جوهره رؤية مختلفة، تقوم على بناء عقل ناقد، وفكر مستقل، ومنهج يبتعد عن التلقين، ويعتمد على الفهم والتحليل، ويمنح الطالب دورًا محوريًا في رسم مستقبله.

ما فهمته من خلال تلك التصريحات وتتبع فكرة نظام البكالوريا الجديد، أنه لا يراهن على الحفظ والتلقين، بل على الفهم والتحليل وصناعة القرار، وفقًا للمثل الصيني الشهير: "لا تعطني سمكة، بل علمني كيف أصطاد"، وأرى أنه إذا نجحت الوزارة في تطبيقه كما يجب، بعيدًا عن الإهمال أو ضغط جماعات الدروس الخصوصية، فسنكون أمام تحول حقيقي في ثقافة التعليم.

يُذكرني هذا الطرح بما قاله المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين: "الأفكار ليها أجنحة.. محدش يقدر يمنعها توصل للناس"، تلك العبارة التي جسدها فيلمه الشهير "المصير" عام 1997، حيث تنبأ بصراع أبدي بين الانغلاق والانفتاح، بين الحفظ العقيم والتفكير الحر، بين قوى الظلام وسلطات العقل، واليوم، ومع البكالوريا الجديدة، نشهد ذات الصراع يتجدد، ولكن هذه المرة في ميدان التعليم.

لقد رأينا خلال الأيام الماضية كيف لم تسلم فكرة نظام البكالوريا من نيران التشكيك والهجوم، وسط حالة متوقعة من التوجس والقلق، وربما الرفض من بعض أصحاب المصالح الذين يخشون ضياع "السبوبة" التي صنعت نفوذهم في ظل النظام التقليدي، فهؤلاء لا يعنيهم مستقبل التعليم بقدر ما تعنيهم مكاسبهم، ولهذا ليس مستغربًا أن نشهد حملة تشويه ممنهجة، تقودها أطراف اعتادت الصيد في الماء العكر، مستغلة منصات التواصل الاجتماعي لبث الشائعات والبلبلة، بهدف إجهاض مشروع تطويري طموح مثل البكالوريا.

يبقى السؤال الجوهري هنا: هل نحكم على النظام الجديد عبر منصات افتراضية، أم من خلال تجربة حقيقية في المدارس؟ المنطق يقتضي أن يكون الحكم لأولياء الأمور بعد احتكاك فعلي وواقعي بالنظام، لا لأصحاب الحسابات المجهولة الذين ينسجون مخاوف دون أدلة.

لا خلاف أن التوتر والقلق أمر طبيعي لدى أولياء الأمور – وأنا واحد منهم – عند تطبيق أي نظام جديد، خاصة عندما يتعلق بمستقبل الأبناء، ومن يتابع مجموعات "الواتساب" أو منشورات "فيسبوك" الخاصة بأولياء الأمور، سيلاحظ انقسامًا واضحًا: فهناك من يرفض النظام خوفًا من المجهول، وهناك من يراه خطوة شجاعة لإصلاح تعليم متهالك طال انتظاره.

هذا الجدل، في حد ذاته، ظاهرة صحية تعكس وعيًا مجتمعيًا متزايدًا، ورغبة في الفهم والمشاركة، لكنه أيضًا يُحتم على الوزارة أن توفر إجابات واضحة، وتُفعل قنوات التواصل، وتقدم تطمينات عملية لا تكتفي بالوعود فقط. لكن أيضًا لا يمكن إنكار أن ما يواجهه هذا النظام حاليًا هو معركة نفسية بامتياز، تغذيها شائعات عن مناهج غامضة، امتحانات مرهقة، ودرجات مضللة، كلها تصب في خانة زعزعة الثقة، وتدفع البعض إلى رفض النظام دون تجربة حقيقية.

من هنا، تظهر تساؤلات مشروعة يجب أن تُطرح على الوزارة:

-هل هناك خطة منهجية للرد على الشائعات؟

-هل توجد لجنة لرصد ومتابعة الحملات المنظمة ضد النظام؟

-كيف سيتم دعم أولياء الأمور بالمعلومات الدقيقة؟

-ما الإجراءات المتبعة لكسر احتكار الدروس الخصوصية؟

إذا كانت الإجابة "نعم"، فإن على الوزارة إعلان هذه الخطط بشفافية، وتحويلها إلى مبادرة مجتمعية شاملة لحماية المشروع، فطلاب هذا العام هم الجيل الأول من خريجي البكالوريا الجديدة، ويحتاجون إلى دعم نفسي وأسري ومجتمعي، كما أن أولياء الأمور بحاجة إلى تثقيف حقيقي حول النظام وكيفية التعامل معه.

لا أحد يطلب من الأهالي أو المدارس أن يكونوا مدافعين عُميان عن نظام البكالوريا، لكن من غير المنطقي أن يكونوا أول من يشكك فيه دون دراية، فالمطلوب هو بناء جسور من الثقة بين الوزارة والبيت، تقوم على الشفافية، والتقييم، والمتابعة المستمرة.

في الواقع، نحن أمام مشهد يشبه كثيرًا مشاهد فيلم "المصير": أفكار تنشد النور تصطدم بجدران الخوف والجمود، وواقع تعليمي مأزوم يتسم بأزمة ثقة بين الطالب والمعلم، ومدارس فقدت بريقها لصالح سوق الدروس الخصوصية، ومجتمع لم يعُد يُقدر المعلم كما يجب. فكيف نغرس احترام التعليم في بيئة مشبعة بثقافة "النجاح بأي وسيلة"؟

الخلاصة: نظام البكالوريا قد يكون فرصة ذهبية لإحداث إصلاح جذري في فلسفة التعليم، إذا تم تنفيذه كما وُعد به، واعتبرناه مشروعًا قوميًا، يُحتضن بمناهج حديثة، ومعلمين مؤهلين، وتقييمات دقيقة، وبيئة تعليمية محفزة.

المعادلة واضحة:

فكرة جديدة + إرادة حقيقية + ثقة مجتمعية = تعليم جديد يليق بالمستقبل.

فهل تنجح الوزارة في رهان البكالوريا الجديدة؟ هذا ما ستُجيب عنه الأيام القادمة.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

75 دقيقة.. سيراميكا يهدد مرمى صبحى والزمالك يجرى تعديلات على التشكيل.. صور

وصول منتخب كرة السلة 3x3 القاهرة بعد حصد لقب أفريقيا والصعود لكأس العالم بالصين

30 دقيقة.. السولية ينقذ شباك سيراميكا من أول أهداف الزمالك بأقدام شحاتة.. صور

مانشستر يونايتد يشترط 6 ملايين يورو لإعارة هويلوند

لجنة الحكام عن كتابة الحكم عباس مايو اسمه على قميص: تصرف فردي ولا عقوبة عليه


تعادل سلبى بين دجلة وبيراميدز فى افتتاحية الدورى موسم 2025-2026.. صور

من أدريانو لـ أحمد وأحمد.. قصة مشهد استرجع به الجمهور مسيرة السقا في ربع قرن

الداخلية: ضبط تيك توكر بحوزته كمية من الحشيش والكوكايين بالشروق.. فيديو

شوط أول سلبى بين دجلة وبيراميدز فى افتتاح بطولة الدورى الممتاز

وليد الكرتى يتلقى أول بطاقة صفراء فى افتتاح الدوري بمباراة بيراميدز ودجلة


وزير الخارجية الهولندى: إسرائيل تخسر أوروبا بالكامل بسبب سياساتها فى غزة

غياب قميص زيزو فى الزمالك بالموسم الجديد.. اعرف السبب

طارق نور معلقاً علي أحد المتابعين السعوديين: امتناننا للمملكة أمر راسخ ولا وقت لدينا للمهاترات

الطقس غدا.. ارتفاع فى درجات الحرارة بكافة الأنحاء والعظمى بالقاهرة 37 درجة

قبل انطلاق الدوري الليلة.. 7 أندية حققت اللقب والأهلى "الكبير أوى"

ارتفاع عدد ضحايا حادث تصادم طريق الكريمات لـ9 حالات وفاة و44 مصابًا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى