«اليوم السابع» تفتح الملف الأصعب مجتمعيا.. الإيجار القديم ما بين تحقيق العدالة ومخاوف المستأجرين.. قانون جديد فى مواجهة واقع معقد.. خبراء يؤكدون: القانون يساهم فى تعظيم الاستفادة من الأصول العقارية

الإيجار القديم
الإيجار القديم
إعداد - سمر سلامة - أحمد عبد الهادى

فى شارع هادئ من شوارع وسط البلد، تجلس الحاجة فوزية على كرسى خشبى قديم فى شرفة شقتها التى ورثتها عن والدها المستأجر الأصلى منذ 50 عاما، الشقة صغيرة، لكنها تحمل عمرا من الذكريات، اليوم، لا تنشغل فوزية بترتيب أثاثها أو رعاية نباتاتها كما كانت تفعل، بل تقرأ فى صمت بنود القانون الجديد الذى سيجبرها على الرحيل بعد 7 سنوات، لتسأل نفسها بقلق: «هاروح فين؟»

على بعد أمتار، يقف عماد، مالك العقار، غاضبا: «أنا مش قادر أفتح شقة ورثتها، وبقبض إيجار أقل من تمن فنجان قهوة!» بين هذا وذاك، يقف قانون الإيجار القديم المعدل، مشحونا بالتفاصيل، ومحاطا بألغام من المشاعر المتضاربة.
القانون الجديد الذى صدق عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخرا يعيد فتح واحد من أكثر الملفات حساسية فى المجتمع المصرى، ويفرض واقعا قانونيا جديدا على عقود امتدت لعقود، بعضها وُقع فى زمن الملكية، بين من يرى فى التعديلات «انتصارا متأخرا للعدالة»، ومن يعتبرها «تهديدا صريحا للاستقرار والكرامة»، تنقسم الآراء، وتتصاعد المخاوف، وتتشابك المصالح.

فى هذا التحقيق، نقترب من الوجوه التى لم تُذكر فى سطور القانون، نستمع لصرخات المالكين الباحثين عن حقهم فى الاستفادة من أملاكهم، وننقل صوت المستأجرين القلقين من مصير لا يملكون فيه بدائل، ونحاول أن نفهم: هل تحقق التعديلات توازنا حقيقيا بين الحق والرحمة؟ أم أنها تنحاز لطرف على حساب آخر تحت مظلة «تحرير العلاقة الإيجارية»؟

ماذا تغيّر فى «الإيجار القديم» بعد التصديق؟

فى 4 أغسطس 2025، صدق الرئيس السيسى رسميا على قانون تعديل بعض أحكام قانون الإيجار القديم رقم 4 لسنة 1996، وبدأ سريانه فعليا فى اليوم التالى لنشره بالجريدة الرسمية، القانون الجديد، الذى طال انتظاره، جاء ليعيد تنظيم العلاقة الإيجارية لوحدات مضى على تأجيرها عشرات السنين، خصوصا تلك التى وُقعت عقودها فى زمن كانت فيه قيمة الجنيه مختلفة تماما.

غياب آليات واضحة للتنفيذ

رغم أن القانون من الناحية التشريعية حقق «تحريرا تدريجيا للعلاقة الإيجارية، إلا أنه لم يتضمن إجراءات لحماية الفئات الأضعف اجتماعيا من آثار الإخلاء أو الغلاء العقارى المتوقع.

فى المجمل، جاء القانون ليكسر جمودا تشريعيا دام لعقود، لكنه فتح فى المقابل بابا واسعا للنقاش المجتمعى، حول مشروعية التعديل، وتوقيته، والقدرة على تحمل تبعاته الاجتماعية، ودور الحكومة فى مواجهة هذه التبعات وتخفيف آثارها على المواطن البسيط.

البعد الاجتماعى والسياسى 

التعديلات لا يمكن قراءتها بعيدا عن السياق الاجتماعى والسياسى الأوسع، فهى تمس مصالح طبقات متعددة، وتعيد صياغة علاقة قديمة بين المالك والمستأجر ظلت مجمدة لعقود، ما ولد شعورا بالجمود لدى طرف، وبالتهديد لدى الطرف الآخر.

اجتماعيا، تعيد هذه التعديلات فتح النقاش حول العدالة فى توزيع الموارد والمنافع، وحول من يتحمل كُلفة الزمن: هل هو المالك الذى لم تُحدث قيمة عقاره لعشرات السنين؟ أم المستأجر الذى اعتاد حياة مستقرة برسوم زهيدة لم تعد تناسب واقع اليوم؟

أما سياسيا، فالقضية تمثل اختبارا حقيقيا لقدرة الدولة على إدارة التوازن بين حماية الفئات الاجتماعية غير القادرة، وبين دفع عجلة التنمية وتشجيع الاستثمار العقارى، دون المساس بالاستقرار الاجتماعى، ودون استدعاء خطاب «الإقصاء» أو «الاستقواء».

ويؤكد المستشار ميشيل حليم، ممثل مستأجرى السكنى والتجارى بالحوار المجتمعى فى مجلس النواب، أنه يتم حاليا إعداد مذكرة قانونية شاملة تتضمن أوجه العوار الدستورى التى طالت القانون الجديد، تمهيدا لتقديمها إلى محكمة الموضوع، لإحالتها بدورها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها، موضحا أنه من حق قاضى الموضوع وقف نظر الدعاوى تعليقا لحين صدور حكم من المحكمة الدستورية.

ويشير أيضا إلى أن القانون أسند اختصاصات لقاضى الأمور الوقتية فى بعض النزاعات، بما يتجاوز صلاحياته ويصل إلى أصل الحق، وهو ما سيؤدى - بحسب رأيه - إلى صدور قرارات بعدم الاختصاص وإحالة الدعاوى لمحاكم الموضوع المختصة.

وينتقد ممثل المستأجرين ما وصفه بـ»تجاهل القانون لفلسفة التشريع»، حيث لم يُراع القانون - على حد تعبيره - الظروف العامة الاقتصادية التى تمر بها البلاد، وحالة التضخم العالمية والمحلية، مؤكدا أن مخاوف المستأجرين ليست نابعة من رفض جهود الدولة فى قطاع الإسكان، بل من حجم التحديات الداخلية والخارجية التى تتطلب دعم الاستقرار لا تهديده.

ويضيف: «نُقر ونثمن ما أنجزته الدولة من مشروعات إسكان وتطوير عمرانى، لكن القانون لم يراع واقع كبار السن، وذوى الإعاقة، وأصحاب المعاشات، الذين يمثلون نسبة كبيرة من المستأجرين القدامى، والذين يعيشون منذ عقود فى وحدات سكنية دفعوا فيها خلوات وتشطيبات قاربت قيمة الوحدة فى ذلك الوقت، ووقعوا عقودا رضائية مع الملاك بكامل الإرادة والرضا».

ويعتبر «حليم»، أن القانون بصيغته الحالية يمس الاستقرار الأسرى والاجتماعى لملايين المستأجرين، خاصة من الفئات الأكثر هشاشة اجتماعيا واقتصاديا، مطالبا بإعادة النظر فى عدد من مواده، ووضع آليات انتقال تدريجى تحفظ التوازن بين المالك والمستأجر دون أن تُلحق الضرر بأى طرف، مؤكدا على أن الطعن أمام المحكمة الدستورية أصبح «مسألة وقت»، وأن المستأجرين سيتخذون كل السبل القانونية والدستورية للدفاع عن حقهم فى الاستقرار، ورفض «الإخلاء الجبرى» الذى لم تراعِ مواده الظروف المعيشية للمواطن البسيط.

4 أسباب بها لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد طبقا لقرار المحكمة الدستورية العليا إعادة الدعوى رقم 90 لسنة 42 دستورية والتى تطالب بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 من قانون الايجار القديم:

الهدم الكلى أو الجزئى للمنشآت الآيلة للسقوط والإخلاء المؤقت لمقتضيات الترميم والصيانة وفقا للأحكام المنظمة لذلك بالقوانين السارية

إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال 15 يوما من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصى عليه، مصحوب بعلم الوصول دون مظروف أو بإعلان على يد محضر، ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة فى الدعوى بأداء الأجرة وكل ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية، ولا ينفذ حكم القضاء المستعجل بطرد المستأجر من العين بسبب التأخير فى سداد الأجرة إعمالا للشرط الفاسخ الصريح إذا ما سدد المستأجر الأجرة والمصاريف والأتعاب عند تنفيذ الحكم، وبشرط أن يتم التنفيذ فى مواجهة المستأجر، فإذا تكرر امتناع المستأجر أو تأخره فى الوفاء بالأجرة المستحقة دون مبررات تقدرها المحكمة، حكم عليه بالإخلاء أو الطرد بحسب الأحوال.

صوت المستأجر: خوف من الطرد وشبح الغلاء

«أنا مش ضد القانون.. بس فين نروح؟»، بهذه الجملة اختصرت الحاجة صفاء، 68 سنة، معاناتها، هى أرملة تسكن شقة صغيرة فى السيدة زينب منذ عام 1974، كانت تدفع 12 جنيها شهريا، والآن طُلب منها دفع 400 جنيه، على أن تُخلى الشقة نهائيا خلال 7 سنوات.

الحاجة صفاء ليست الحالة الوحيدة، لكنها تمثل آلاف الأسر المصرية، ممن يشعرون بأن القانون الجديد لم يراع ظروفهم الاجتماعية، ولا مستوى دخولهم، خصوصا فى ظل ارتفاع تكاليف المعيشة والغلاء العقارى، البعض يرى أن القانون منحاز لصالح الملاك دون توفير بدائل آمنة، لا سكنا اجتماعيا ولا دعما ماديا.

«كأنهم بيقولوا لنا: شكرا.. امشوا!»، يقول أحمد عبدالحميد، موظف على المعاش يبلغ من العمر 72 عاما، ويقيم فى شقة إيجار قديم منذ أكثر من 40 سنة فى شبرا الخيمة، كان يدفع 20 جنيها شهريا، «أنا مرتبى من المعاش 2300 جنيه، ومع الزيادة الجديدة هابقى مطالب بدفع 300 أو 400 جنيه إيجار، ولسة كهربا وغاز ومياه وعلاج.. يعنى نص المعاش رايح فى الإيجار بس».

لكنه لا يخشى فقط الزيادة، بل ما بعدها: «بعد 7 سنين، هيتطلب منى أخرج من الشقة، طب أروح فين؟ أقل شقة إيجار جديد بـ2500 جنيه، ومافيش أى جهة بتقول إنها هتساعدنا نلاقى بديل أو حتى تسهل علينا نشترى أو نسكن فى سكن اجتماعى».

أحمد لا يرفض مبدأ التعديل، لكنه يرى أن تطبيقه دون خطة حماية للفئات الأضعف «هو قرار بيدوس علينا تحت عجلة الإصلاح»، على حد تعبيره، ويختم بقوله: «مش طالب شقة ببلاش.. بس طالب فرصة نعيش بكرامة».

فى هذا الصدد، يؤكد المستشار ميشيل حليم، ممثل مستأجرى السكنى والتجارى بالحوار المجتمعى فى مجلس النواب، إن قانون الإيجارات الجديد الصادر مؤخرا جاء مشوبا بعدة أوجه من العوار الدستورى، حيث تجاهل الحقوق المكتسبة للمستأجرين، وعلى رأسها الامتداد القانونى لعقود الإيجار، وهو ما يتعارض مع المبادئ التى أرستها المحكمة الدستورية العليا فى أحكام سابقة.

ويوضح «حليم»، فى تصريحات صحفية، أن القانون الجديد تجاهل أحكاما سابقة صريحة صادرة عن المحكمة الدستورية، وعلى رأسها الحكم الذى قضى بعدم دستورية طرد المستأجر لمجرد امتلاكه وحدة سكنية أخرى، مشيرا إلى أن القانون الحالى ضرب عرض الحائط بجميع الأحكام الدستورية الملزمة، فى مخالفة صارخة لنص المادة 98 من قانون المحكمة الدستورية العليا، التى تُلزم كافة جهات الدولة بالتقيد بما تصدره المحكمة من أحكام.

صوت المالك: استرداد الحق بعد عقود من الانتظار

على الجانب الآخر، يتحدث عماد حسنى، مالك عقار فى منطقة الزمالك، بحنق شديد: «ورثت عمارة كاملة، فيها 7 شقق إيجار قديم، شقة بتجيب لى 35 جنيه، وفى واحدة بـ8 جنيه! وأنا عندى أولاد فى الجامعة ومش قادر أستفيد من ممتلكاتى».

الملاك يرون أن القانون أخيرا أعاد إليهم حقا مهدرا منذ عقود.. بالنسبة لهم، استمرار عقود الإيجار غير المحددة المدة هو ظلم تاريخى لا يتماشى مع أبسط قواعد الملكية الخاصة، كما يعتبرون أن تأجيل تحرير العلاقة الإيجارية أضر بسوق العقارات، وشجع على الإهمال فى صيانة الأبنية القديمة.

«كنت بدفع للبواب أكتر من اللى باخده من المستأجر»، يقول عماد، مضيفا أن التعديلات لم تلب كل ما يطمح إليه الملاك، لكنها بداية عادلة طال انتظارها.

وتروى الحاجة سعاد فاروق، 59 سنة، بحسرة أنها تمتلك شقة فى زهراء عين شمس بالقاهرة والأخرى فى شارع المحكمة بمركز طهطا بمحافظة سوهاج، ورثتهما عن والدها، لكن لا تدران عليها دخلا يوازى أدنى احتياجاتها المعيشية، تقول بنبرة يغلب عليها الاستسلام: «أنا عندى شقتين.. بس والله كإنى ماعنديش.. إيجارهم مش بيكفى من أيام أبويا وهما مأجرين بـ85 جنيه و37 جنيه.. لا بقدر أزود ولا أطلب حاجة من الناس، والسنين ماشية وأنا مش عارفة أعمل بيهم حاجة»، وتضيف: «أنا مش ضد الناس، بس كمان عندى حق.. وأى قانون يحقق العدل والأصول إحنا معاه.. إحنا عايزين نعيش برضه.. زى المستأجر بالظبط».

رسالة للمستأجرين والمُلاك

ويوجه الدكتور محمود غيث، أستاذ التخطيط العمرانى بكلية الهندسة ورئيس الجمعية المصرية للتخطيط العمرانى، رسائل طمأنة للطرفين: «للمستأجرين: أطمئنكم أن القادم لن يكون أسوأ، بل إن كثيرا من الوحدات الجديدة ستتفوق فى تصميمها وخدماتها وموقعها عما كان متاحا سابقا، وهناك التزام حقيقى من الدولة بعدم ترك أى مواطن دون بديل مناسب».

و«للملاك»: «أنتم تستعيدون الآن حقا غاب عقودا طويلة، ومن الطبيعى أن يكون هناك تسهيلات تدريجية، حتى لا يُثقل أحد بالضرائب العقارية مثلا، فهناك تنظيم لهذه النقاط، وستكون هناك مرونة حقيقية».

من جانبه يكشف الدكتور ماجد عبدالعظيم أستاذ الاقتصاد، عن التحولات المرتقبة، بأن التغيير لن يكون فقط فى التشريعات، بل سيمتد إلى البنية الاجتماعية والاقتصادية للمدن المصرية، لافتا إلى أن القانون جاء ليحسم جدلا امتد لعقود، خاصة فى ما يتعلق بالمحلات التجارية والمكاتب الإدارية المؤجرة منذ عقود بأسعار رمزية.

ويوضح «عبدالعظيم»: «الوحدات الإدارية والمحلات التجارية لا ينطبق عليها نفس الحساسية الاجتماعية للسكن، اللى مأجر نشاط تجارى أو إدارى مش هيبات فى الشارع، عكس السكنى، وبالتالى من المنطقى أن يعود المحل للمالك بعد وفاة المستأجر الأصلى»، مشيرا إلى أن القانون يفتح الباب أمام استرداد المحال المؤجرة منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضى، بما يعيد جزءا من التوازن بين حقوق المالك واحتياجات السوق.

ويقول «غيث: «ما نحتاجه الآن هو إعلام توعوى متزن يشرح للناس الواقع الجديد، ويعرض الفرص القادمة بوضوح، فالكلمات المؤثرة قد تصنع فارقا كبيرا فى تقبل الرأى العام لأى خطوة إصلاحية».

السوق العقارى.. تحسين توازن العرض والطلب

من المتوقع أن تُحدث التعديلات الأخيرة على قانون الإيجار القديم حراكا ملحوظا فى السوق العقارى، بعد سنوات طويلة من الجمود فى قطاع كبير من الوحدات المؤجرة بنظام قديم، حيث ظلت آلاف الشقق مغلقة أو مؤجرة بقيم زهيدة لا تعكس قيمتها السوقية، ومع إتاحة إمكانية الإخلاء التدريجى وتنظيم العلاقة التعاقدية الجديدة، فإن الوحدات السكنية والتجارية المعنية قد تعود إلى الدورة الاقتصادية الفعلية، سواء من خلال إعادة تأجيرها بأسعار عادلة، أو بيعها أو استثمارها، ما يسهم فى تحسين توازن العرض والطلب، ويدعم توجهات الدولة نحو تعظيم الاستفادة من الأصول العقارية، ورفع كفاءة استخدام الأراضى والمبانى.

فى هذا السياق يوضح الدكتور محمود غيث، أستاذ التخطيط العمرانى بكلية الهندسة ورئيس الجمعية المصرية للتخطيط العمرانى، إن تعديل قانون الإيجارات القديمة خطوة تأخرت أكثر من 70 عاما، لكن تطبيقه الآن يأتى فى سياق رؤية متكاملة مدروسة، تراعى الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، وتُبشّر بحلول واقعية وعادلة لكافة الأطراف، موضحا أن القانون كان يثير جدلا مستمرا منذ عقود، وكانت هناك قناعات لدى البعض أنه مع مرور الزمن والجيل الأول للمستأجرين، كانت الأمور ستُحل تلقائيا دون تدخل تشريعى، لكن الواقع فرض ضرورة الحسم.

ويضيف: «باعتبارى متخصصا فى التخطيط العمرانى، تابعت عن كثب معدلات الإنجاز فى قطاع الإسكان خلال السنوات الأخيرة، ولاحظت أن الدولة حققت أرقاما غير مسبوقة فى عدد الوحدات السكنية المنفذة والموزعة، ليس فقط فى المدن الجديدة، بل فى مختلف المحافظات والمواقع العمرانية، بما يعكس نية حقيقية لتوفير بدائل سكنية مناسبة».
ويؤكد، أن القبول الاجتماعى لهذه الوحدات يعكس نجاح التصميم والطرح، مشيرا إلى أن العديد من المواطنين وجدوا فيها سكنا لائقا، مما يبعث برسائل طمأنة بشأن قدرة الدولة على تعويض من يترك وحدته القديمة بوحدة جديدة أكثر جودة.

ويشدد «غيث»، على أهمية أن تعمل المنصة الإلكترونية المعنية بتنظيم عملية الانتقال السكنى بكل كفاءة، بحيث تتوفر بها تفاصيل واضحة عن المواقع، وخصائص كل وحدة، وإتاحة التقديم بشفافية، حتى لا يشعر المواطن بأى فجوة بين واقعه الحالى والمستقبل البديل.

ويتابع قائلا: «إذا تم الربط بين المواقع الجديدة ومناطق العمل والخدمات، فسيكون التأثير إيجابيا تماما، ولن يشعر المواطن بأنه ينتقل بعيدا عن محيطه الطبيعى»، مؤكدا أن خريطة مصر تتسع لمزيد من العمران المتوازن الذى يُراعى توزيع الكثافات والفرص الاقتصادية.

الجنسيات الوافدة تحرّك السوق

ويربط الدكتور ماجد عبدالعظيم أستاذ الاقتصاد، بين إلغاء الامتداد التلقائى للعقود القديمة وظهور حاجة ملحة للبحث عن بدائل، خاصة بالنسبة للمستأجرين غير القادرين على امتلاك وحدات، مضيفا: «القاعدة الاقتصادية بسيطة: كلما زاد الطلب على سلعة ما مع ثبات العوامل الأخرى، ارتفع سعرها، وهذا ما سيحدث مع وحدات الإيجار الجديد. هناك شريحة غير قادرة على الشراء ستتجه تلقائيا للإيجار، ما يعنى زيادة فى الأسعار».

ويشير إلى أن القانون الجديد يخدم «القادرين على الدفع»، وهو ما يُقصى شريحة من محدودى ومتوسطى الدخل من السوق الحر.

ويرى «عبدالعظيم»، أن واحدة من العوامل غير المباشرة لزيادة الأسعار فى السوق العقارى هى زيادة الطلب من الجنسيات الوافدة إلى مصر: «السوريون، السودانيون، العراقيون، واليمنيون» الذين لجأوا لمصر فى السنوات الأخيرة، فزادوا الضغط على السوق، سواء فى الشراء أو الإيجار، وساهموا فى رفع الأسعار»، مؤكدا أن هذا التأثير ظهر بوضوح فى المناطق المتوسطة والشعبية.

فقاعة عقارية ليست مستحيلة

وحول الحديث المتداول عن «فقاعة عقارية» محتملة بسبب تسعير الوحدات بمستويات مبالغ فيها، كان رد الدكتور ماجد عبدالعظيم حاسما: «الفقاعة ممكنة ولكنها ليست سهلة، السوق به مشروعات كثيرة، صحيح، لكن ما دام هناك طلب حقيقى لن تحدث فقاعة، المشكلة ستبدأ فقط إذا زاد المعروض كثيرا جدا عن المطلوب، مشيرا إلى أن «تباطؤ المبيعات» فى بعض المشروعات حاليا دفع المطورين لمد فترات السداد حتى 15 عاما، ما يدل على حاجة السوق لضخ سيولة ولكن دون انهيار.

فلسفة القانون ترتكز على الإصلاح دون هدم

وهنا يؤكد النائب محمد الفيومى، عضو مجلس النواب، أن قانون الإيجار القديم يمثل نقلة نوعية فى مسار الإصلاح التشريعى المرتبط بالعلاقات الإيجارية التى طالها الجمود لعقود، مشيرا إلى أن هذا القانون الجديد لا يستهدف الإضرار بالمستأجرين كما يروج البعض، بل يسعى إلى تحقيق معادلة دقيقة بين العدالة الاجتماعية وحقوق الملكية.

ويوضح «الفيومى»، أن القانون عالج واحدة من أكثر القضايا تعقيدا وتشوها فى البنية القانونية والاقتصادية للدولة، وهى قضية الإيجارات القديمة، التى خلفت آثارا سلبية ممتدة لعشرات السنين، سواء على مستوى العقارات المغلقة أو على صعيد الظلم الواقع على شريحة كبيرة من الملاك الذين عجزوا عن الانتفاع بأملاكهم أو حتى صيانتها بسبب تدنى القيمة الإيجارية وعدم وجود أفق زمنى واضح لإنهاء العلاقة الإيجارية.

ويشير إلى أن القانون راعى بشكل كبير البعد الاجتماعى، خاصة فى ظل التحديات الاقتصادية التى تمر بها البلاد، حيث تم إقرار فترة انتقالية مدتها 7 سنوات تتيح للمستأجر توفيق أوضاعه، إلى جانب رفع القيمة الإيجارية بشكل تدريجى دون مفاجآت، مع تطبيق الإخلاء فقط فى حالات الضرورة أو انتهاء المهلة القانونية، وهو ما يُثبت أن فلسفة القانون ترتكز على الإصلاح دون هدم، والتنظيم دون صدام.

ويوضح «الفيومى»، أن العقارات المغلقة أو المملوكة لأشخاص دون جدوى اقتصادية كانت تمثل عبئا على السوق العقارى، فضلا عن كونها أحد أسباب الانفصال بين العرض والطلب فى السوق، إذ هناك ملايين من الوحدات السكنية المغلقة لا تُستخدم ولا تطرح، ما يحرم الدولة والمجتمع من موارد كان يمكن الاستفادة منها، سواء عبر الضرائب العقارية أو من خلال تحريك عجلة الاستثمار العقارى بشكل أوسع.

ويتوقع أن القانون سيكون له أثر مباشر على السوق، حيث يُتوقع أن يعيد طرح مئات الآلاف من الوحدات المغلقة التى يحتفظ بها مستأجرون قدامى أو ورثتهم دون استخدام فعلى، وهو ما سيُسهم فى خفض أسعار الإيجار الجديدة نسبيا بمرور الوقت نتيجة زيادة المعروض، كما سيساعد الدولة فى جهودها لإعادة تنظيم الثروة العقارية وتحسين جودة السكن.
ويشدد على أن الإصلاح التشريعى فى هذا الملف يعكس نضجا سياسيا وتشريعيا كبيرا، ويؤكد أن الدولة باتت قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية بحكمة وتدرج دون الإضرار بحقوق المواطنين، مشددا على أن القانون خطوة أولى يجب أن تتبعها إجراءات داعمة، مثل التوسع فى برامج الإسكان البديل، وإتاحة حوافز للمطورين لدمج وحدات بأسعار مناسبة ضمن مشروعاتهم، لضمان عدم ترك أى مواطن عرضة للتشرد أو الضغوط غير الإنسانية.

ويختتم النائب محمد الفيومى حديثه بالتأكيد على أن البرلمان حرص منذ البداية على أن يكون القانون متوازنا، يعالج الإشكاليات القديمة، ويضع أسسا عادلة للعلاقة بين المالك والمستأجر فى المستقبل، ويعيد إلى المجتمع ثقته فى أن الحق لا يُمحى بالتقادم، وأن الدولة تحترم كل من امتلك وسكن، لكنها أيضا تعيد صياغة العلاقة بين الطرفين بما يتماشى مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.

خطوة فى طريق الإصلاح الشامل

وبين نص القانون وروح العدالة مساحة واسعة من الواقع المصرى بكل تناقضاته، ما بين مالك ينتظر استرداد حقه، ومستأجر مُهدد بالرحيل، تبقى المسألة أكبر من مجرد ورقة عقد، لذلك فالملف لم يُغلق بعد، بل بدأ فصله الأصعب، وهو التطبيق. 

فى هذا الصدد يؤكد عليه اللواء الدكتور رضا فرحات، محافظ الإسكندرية والقليوبية الأسبق، وخبير الإدارة المحلية، أن دخول قانون الإيجار القديم حيز التنفيذ يمثل لحظة فارقة فى مسار الإصلاح التشريعى المرتبط بملف العقارات، ويأتى فى إطار سعى الدولة لتحقيق العدالة بين المالك والمستأجر، ودفع عجلة التنمية العمرانية، دون الإخلال بالاستقرار الاجتماعى.

ويشير «فرحات»، إلى أن التحدى الأساسى يتمثل فى تحقيق التوازن الدقيق بين حماية الفئات غير القادرة، وبين تهيئة مناخ جاذب للاستثمار العقارى وهذا يتطلب ألا ينظر إلى القانون باعتباره أداة للإقصاء أو الاستقواء، بل كجزء من إصلاح شامل يستند إلى أسس العدالة والإنصاف، موضحا أن الإصلاح لا يعنى إلغاء حقوق المستأجرين، بل إعادة تنظيم العلاقة التعاقدية بما يحقق التوازن، ويعيد تحفيز السوق العقارى، خاصة فى ظل شكاوى استمرت لعقود من عدم تناسب الإيجارات القديمة مع القيم السوقية.

تدابير اجتماعية لحماية محدودى الدخل 

ويشدد محافظ الإسكندرية الأسبق، اللواء الدكتور رضا فرحات، على أن الدولة مطالبة، بالتوازى مع تطبيق القانون، باتخاذ حزمة من التدابير الاجتماعية والاقتصادية لحماية محدودى الدخل، خاصة من الفئات التى تسكن فى الوحدات القديمة لعدم قدرتها على تحمل أعباء الإيجار الجديد من خلال توفير بدائل سكنية آمنة ومدعومة عبر صندوق الإسكان الاجتماعى أو مبادرات مثل «حياة كريمة» بالإضافة إلى تقديم دعم نقدى مشروط للأسر الأكثر احتياجا لتغطية الفجوة الإيجارية خلال سنوات الانتقال السبع بجانب وضع آلية عادلة للتظلمات من الإخلاء، بما يضمن عدم تشريد أى أسرة دون بديل حقيقى.

ويشير خبير الإدارة المحلية، إلى أن الإصلاح التشريعى لا يكتمل دون عدالة اجتماعية حقيقية، تحفظ كرامة المواطن وتحفز الاقتصاد فى آن واحد، مشيرا إلى أهمية أن تكون الدولة حاضرة بقوة فى التطبيق والمتابعة والرقابة، حتى يتحول هذا القانون من مصدر قلق إلى أداة إصلاح حقيقى.

ويدعو «فرحات» إلى ضرورة إنشاء صندوق لدعم الأسر المتضررة، بحيث يتم تدبير موارده من عدة مصادر، أبرزها حصيلة الضريبة العقارية التى ستُفرض على العقارات القديمة، إلى جانب ضريبة التصرفات العقارية الناتجة عن حركة البيع التى ستشهدها الوحدات المُخلاة، بالإضافة إلى ضرائب الدخل المتأتية من عمليات التأجير المستقبلية.

ويشدد على أن الآلية واحدة من أهم الأدوات التى يمكن أن تسهم فى تخفيف العبء عن المستأجرين غير القادرين، وضمان استقرارهم الاجتماعى والمعيشى، خاصة بعد بدء تنفيذ التعديلات على قانون الإيجار القديم.

 

4 بنود يؤكد عليها القانون رقم 164 لسنة 2025:

1 - إنهاء العلاقة الإيجارية خلال فترة انتقالية محددة بالنسبة للسكنية 7 سنوات وغير السكنية 5 سنوات

2 - زيادات تدريجية فى القيمة الإيجارية خلال الفترة الانتقالية لتحقيق التوازن بين حقوق المالكين وظروف المستأجرين على أن تتم الزيادة تدريجيا

3 - إلزام بالإخلاء بعد المدة دون تجديد فالمُستأجر ملزم بإخلاء وتسليم الوحدة فى نهاية الفترة الانتقالية دون اشتراط صدور حكم قضائى وفى حال الامتناع يحق للمالك اللجوء إلى القضاء لإصدار أمر بالإخلاء الفورى مع إمكانية المطالبة بالتعويض عن التأخير

4 - لا ينطبق القانون على العقود الجديدة أو الممتدة بعد 1996 والوحدات المؤجرة للدولة أو الجهات العامة مازالت خارج نطاق التعديل

p
p

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

هزة أرضية على بعد 877 كيلو متر شمال مرسى مطروح بقوة 6.2 ريختر

السكة الحديد تشغل رابع قطار لتسهيل العودة الطوعية للأشقاء السودانيين.. صور

زلزال بقوة 6.19 درجة على مقياس ريختر يهز تركيا

إخلاء سبيل التيك توكر "شاكر" في قضيتي المخدرات والسلاح النارى

الداخلية: ضبط تيك توكر لنشره فيديوهات خادشة للحياء.. فيديو


بتروجت يمنح الزمالك أولوية التعاقد مع حامد حمدان فى يناير بشروط

القبض على السائق المتسبب فى حادث الشاطبى

رغم إعلان غلق باب تسجيل الرغبات 6 مساء.. موقع التنسيق يواصل إتاحة التسجيل

الداخلية تكشف حقيقة فيديو سيدة تطرق الأبواب وهى تحمل سكين فى الجيزة

الداخلية: ضبط تيك توكر بثت فيديوهات خادشة للحياء


رئيس الوزراء يستعرض الفرص الاستثمارية ببعض الأراضي الفضاء على كورنيش النيل

مدبولى: نستهدف الحفاظ على الطابع المعماري والعمراني لوسط البلد والقاهرة الخديوية

جاكي شان ينتقد صناعة السينما في هوليوود: "من الصعب تقديم فيلم جيد اليوم"

وزير الخارجية: المصلحة الوطنية المرجعية الأساسية فى رسم تحركات السياسة الخارجية المصرية

روكى الغلابة يسجل مليوناً و900 ألف جنيه ليلة أمس السبت فى السينمات

حكم نهائى بالسجن المشدد 3 سنوات لـ"تيك توكر" وشريكها.. اعرف التفاصيل

ارتفاع عدد ضحايا حادث كورنيش الشاطبى بالإسكندرية إلى 8 مصابين

شيماء سيف نجمة الكوميديا للكبار والصغار.. "ميس اندر استاند" الدليل

التنمية المحلية: مبادرة "صوتك مسموع" تتلقى 1008 شكاوى خلال شهر يوليو

كريم فؤاد يرحب بتمديد عقده مع الأهلى قبل الجلسة المرتقبة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى