الاحتلال وحرب بلا أفق.. مصر فى مواجهة جريمة نتنياهو ومناورات المتطرفين

فى الوقت الذى يعلن فيه بنيامين نتنياهو إعادة احتلال غزة، بمسميات خادعة، بناء على قرار مجلس الوزراء المصغر، تتخذ التحركات مسارات جديدة اعتاد عليها رئيس وزراء الاحتلال طوال 20 شهرا مضت، وبقدر ما تعكس هذه الخطوة مأزقا للاحتلال، فهى أيضا تعيد تأكيد أن هذه المواجهة هى الأخطر فى تاريخ الاحتلال الإسرائيلى، والتى تبدو منذ 7 أكتوبر أنها جولة جديدة، وسباق بين تيارين، الأول تجار الحرب داخل إسرائيل والإقليم، ومعسكر السلام القائم على العدل، والذى تقوده مصر من زاوية استراتيجية، وتجربة وخبرة مع كل الأطراف إقليميا ودوليا، وهو ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى فى اتصاله مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس، حيث جدد التأكيد على رفض التهجير ودعم إنهاء الاحتلال وحل الدولتين.
خاضت مصر - ولا تزال - حروبا داخل هذه الحرب فى مواجهة أكاذيب الاحتلال، ومزايدات أطراف داخل الفصائل، وأيضا من أطراف ومنصات إقليمية تمول تجار الحرب ومخططات التهجير مباشرة أو من خلال وكلاء، وبصرف النظر عن الموقف منها، فإن هذه الحرب تمثل تحولا على كل المستويات، وتداعيات لما جرى يوم 7 أكتوبر 2023، والذى يمثل نقطة فارقة، أتاحت للاحتلال فرصة ربما ما كان يصل إليها مهما كانت الظروف، بجانب أنها منحت نتنياهو والمتطرفين فى الاحتلال فرصة لمواصلة الوجود تخطى مشكلات ومعضلات كادت تطيح بهم.
فقد امتدت تداعيات المواجهة إلى لبنان، وأتاحت ضرب حزب الله، وضرب سوريا، وأنهت المواجهة وسهلت الانتقال إلى واقع أكثر حيادا، وأقرب فى التوجهات من الاحتلال، وتم تحييد إيران، وكل هذا بالطبع كان يمثل نقاط مساندة لفصائل غزة، خاصة حماس، وبالتالى ربما على هذه الأطراف إعادة النظر فى ما يمكن أن ينقذ غزة وسكانها، بديلا عن دمار، وإبادة لم تعد خافية بجانب غياب أى نوع من المقاومة، باستثناء عمليات تليفزيونية هدفها إحداث فرقعة وليس تحقيق انتصار استراتيجى.
مع الأخذ فى الاعتبار أن نتنياهو ربما لم يحقق أهدافا معلنة مثل القضاء على حماس أو استعادة المحتجزين بالقوة، لكنه حقق تدميرا شاملا لغزة، وقتل عشرات الآلاف، بخسائر كبيرة، لكنها ممكنة، وهو ما قد يؤكد أن هناك دائما اهدافا سياسية لأى تحرك عسكرى، والحقيقة أن أيا من أطراف الحرب لم يحقق أهدافا سياسية، بينما تم تدمير غزة، وإبادة أهلها، وإعلان مخططات التهجير علنا بعد أن كانت تطرح على استحياء، بجانب إصرار نتنياهو على الاستمرار فى احتلال غزة، لكونه لم يعد يواجه مواجهة سياسية بعد اغتيال وتغييب القيادات السياسية، وتبقت قيادات عسكرية فى النهاية لا تفعل سوى البقاء فى الأنفاق.
وهنا جاءت خطة نتنياهو ومجلس حربه لفرض سيطرة عسكرية كاملة على قطاع غزة، فى ظل اعتراض رئيس الأركان زاميرا وقيادة الجيش، خاصة مع التكلفة الكبيرة للاحتلال وضرورة استدعاء الاحتياط، وتوقعات بوقوع عمليات تضاعف من خسائر الجيش الصهيونى فضلا عن تكلفة الحرب والاحتلال الكامل، بينما يرى بعض المحللين ومنهم عزت إبراهيم أن «إعلان السيطرة الكاملة قد يكون جزءا من استراتيجية التفاوض القسرى، أى رفع سقف المطالب لدفع حماس إلى تقديم تنازلات فى ملف الأسرى، مع الاعتقاد باستمرار ضعف النظام العالمى القادر على وقف الحرب، وانحياز الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للرؤية الإسرائيلية، والسعى لإنهاء وجود سلاح فى غزة.
لا شك أن الوضع الحالى يمثل تطورا نوعيا متوقعا طوال شهور الصراع، خاصة أنها المرة الأولى التى تعجز فيها الفصائل عن التوصل إلى هدنة أو اتفاق مثلما كان الأمر فى المواجهات السابقة وآخرها عام 2021، وعام 2022، وقبلها 2014، حيث كانت المبادرات المصرية تنجح فى إنهاء المواجهة لكن فى المرة الحالية، ومع اغتيال عدد من القيادات من حماس والمقاومة، ضعفت القدرات السياسية وقويت الأصوات الزاعقة من دون قدرة تسندها، وهو ما يمنح الاحتلال قوة التحرك واستمرار الإبادة، ولعل هذا يعيد الرؤية المصرية التى ترمى لمواجهة الاحتلال إقليميا ودوليا وفى المنظمات الدولية ومضاعفة التعاطف الدولى والاتجاه للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بعيدا عن تحركات ومصالح تجار الحرب فى كل المعسكرات.
من الواضح غياب القيادات السياسية التى يمكنها تفهم التوازنات واستيعاب التطورات والتحولات التى تشهدها المنطقة، بل وهذه الحرب، بعيدا عن الغرور غير المسنود بالقوة، وتواصل مصر بشكل واضح، تحركاتها فى مواجهة مخططات التهجير وتجار الحرب داخل إسرائيل، والفصائل، والذين يبدون أنهم مع استمرار الحرب، لأهداف ليست من بينها مصالح الفلسطينيين وأرواحهم.


Trending Plus