احتلال غزة.. بين الفخاخ والخداع الاستراتيجى

قرار احتلال قطاع غزة من قبل حكومة نتنياهو المتطرفة، ما هو إلا تطور جديد في التصعيد الدائر الآن، وكما ذكرنا من قبل أن نتنياهو ومعه الولايات المتحدة سواء في ظل إدارة بايدن أو ترامب، يواصلون سياسة الخداع الاستراتيجي لتنفيذ المخططات الصهيونية من جانب، وأيضا العمل على تنفيذ المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط من جانب آخر، لذلك الناظر والمتتبع إلى أهداف الكيان المعلنة من وراء الاحتلال، يجدها تأتى في هذا النسق، حيث كان الهدف الأول، نزع سلاح حماس ، ثم تحرير الرهائن، والثالث، نزع سلاح غزة أى نزع كل سلاح العناصر والفصائل، والرابع، السيطرة الأمنية والعسكرية على القطاع ، وأخيرا تسليم القطاع الى إدارة عربية أو دولية للحكم ورفض أى ادارة فلسطينية.
وبالتالي، هذا القرار يمثل تصعيداً آخر للهجوم الإسرائيلي الذي دام 22 شهراً، ويؤكد أن فكرة التهجير لا زالت قائمة فى عقل وخطط نتنياهو، ما يمثل انتقالاً خطيراً في مسار الحرب، إذ تذهب أبعد من العمليات السابقة التي كانت محدودة في أهدافها ومناطقها.
وما يؤكد الخداع الاستراتيجي المتبع، هو مواصلة الحديث في الإعلام الإسرائيلى أن هناك خلافات بين الجيش الإسرائيلى ونتنياهو، بشأن خطة الاحتلال، حيث تتجاهل تحذيرات رئيس الأركان إيال زمير بشأن الإرهاق القتالي لقوات الاحتياط، وتربط بين استمرار الضغط الميداني وتراجع الكفاءة القتالية.
لذا، علينا أن لا ننسى أن السيطرة الحالية للجيش الإسرائيلي على نحو 75% من القطاع، لكن تبقى مناطق مركزية مثل مدينة غزة وأجزاء واسعة من الوسط تحت سيطرة حماس أو خارجة عن نطاق العمليات العسكرية المباشرة، وهذه المناطق تضم الكثافة السكانية الأكبر ومواقع يُعتقد أنها تحتوي على أنفاق وقيادات ميدانية، ما يزيد من تكلفة التوغل فيها، والانتقال من استراتيجية “الاحتواء” إلى استراتيجية “الإخضاع”، ما يفتح الباب أمام تورط طويل الأمد قد يفقد إسرائيل القدرة على المناورة السياسية.
وما يجب الانتباه إليه أيضا، هو أن الخطة تعتمد على إخلاء قسري لعشرات الآلاف من الفلسطينيين ، ما يعني عملياً إعادة إنتاج موجات نزوح جماعي في ظروف إنسانية أسوأ، بل الأخطر، أن رفض إشراك السلطة الفلسطينية يكشف نوايا الكيان من هذه المخططات وهو استحالة إقامة دولة فلسطينية.
والفخ الإعلامى الآخر الذى يجب تداركه، أن الخطاب الإعلامي الإسرائيلي المرافق للخطة يسعى لتأطيرها باعتبارها تحريراً وليس احتلالاً، مع التركيز على صور المعاناة في بلدات جنوب إسرائيل منذ 7 أكتوبر، مقابل تهميش صور الدمار في غزة، وهو ما عمل عليه نتنياهو حيث أدلى بتصريحات لـ Fox News قبل اجتماع الكابينت، كتمهيد إعلامي للخطة، وركز فيها على تحرير غزة من حماس، مع تجنب الخوض في تفاصيل اليوم التالي، في تكرار لنهج الغموض الاستراتيجي الذي اتبعه في محطات سابقة من الحرب.
وأخيرا، نستطيع القول، إن احتلال غزة سيؤدي إلى إعادة تشكيل البيئة الإقليمية بعقلية إسرائيلية وأهداف أمريكية، بل قد تؤدى إلى اتساع دائرة الحرب في ظل عالم يموج بالمتغيرات.. وما يجب الانتباه إليه

Trending Plus