صراع الاستحواذ على مخزن الثروات الثمينة بالقطب الشمالى

بقلم: أسماء نصار
السبت، 09 أغسطس 2025 08:44 م
لم يعد القطب الشمالى مجرد منطقة نائية تغطيها الثلوج، بل تحول في السنوات الأخيرة إلى محور اهتمام عالمى متصاعد، ومع تزايد أطماع الدول الكبرى في ثرواته المخفية، أصبحت هذه المنطقة الشاسعة، التي تقارب مساحتها 14 مليون كيلومتر مربع، ساحة جديدة للتنافس، ففى باطنها تكمن احتياطيات هائلة من النفط والغاز الطبيعى، بالإضافة إلى معادن استراتيجية نادرة تدخل فى الصناعات المتقدمة مثل التيتانيوم والبلاديوم.
وعلى الرغم من أن هذه الثروات كانت معروفة للعلماء منذ عقود، فإن ظروفها المناخية القاسية وتكلفة التنقيب الباهظة جعلت استغلالها أمرًا شبه مستحيل، إلى أن بدأ الجليد فى الذوبان.
لم ينظر إلى ذوبان القمم الجليدية نتيجة التغير المناخي باعتباره كارثة بيئية فقط، بل تعاملت معه بعض القوى الكبرى كفرصة اقتصادية وجيوسياسية ثمينة، فقد أصبح الوصول إلى باطن الأرض ومخزوناتها أسهل من أى وقت مضى، مما حول القطب الشمالي إلى ساحة تنافس مفتوحة بين قوى رئيسية مثل الولايات المتحدة وروسيا بالإضافة إلى الدول الإسكندنافية وكندا والصين التي تسعى لإثبات نفوذها فى هذه الرقعة رغم بعدها الجغرافى عنها.
هذا التحول دفع بالعالم نحو واقع جديد تعيد فيه القوى العظمى رسم خرائط نفوذها، مدفوعة بإغراء الثروات وسهولة الوصول إليها.
لا تقتصر الأهمية الاستراتيجية للقطب الشمالي على ما يحتويه من موارد باطنية، بل تتعزز بفعل ظهور طرق ملاحية جديدة نتيجة تراجع الجليد، فقد أصبح من الممكن اليوم عبور ممرات بحرية اختصرت المسافات بين القارات، مثل طريق البحر الشمالي والممر الشمالي الغربي.
وفي قلب هذا المشهد المتغير، تتصدر روسيا التحركات على الأرض من خلال تعزيز وجودها العسكرى وتوسيع بنيتها التحتية في المنطقة القطبية، مستغلة موقعها الجغرافى وقدراتها التاريخية لفرض أمر واقع.
في المقابل، تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على توازن النفوذ عبر بناء شراكات مع كندا والدنمارك والنرويج، أما الصين، فتتخذ نهجًا مختلفًا من خلال الاستثمار العلمي والتكنولوجي وتقديم نفسها كدولة "قريبة من القطب الشمالي"، فى محاولة لإدماج المنطقة ضمن مشروعها الاستراتيجي "الحزام والطريق".
ورغم التحذيرات البيئية المتكررة بشأن تأثير ذوبان الجليد على النظام المناخى العالمى وارتفاع منسوب سطح البحر، لا يبدو أن تلك المخاطر قد أثنت شهية الدول الكبرى عن التوسع في المنطقة، ففى زمن يشهد نضوبًا تدريجيًا فى مصادر الطاقة التقليدية وتزايدًا في الطلب على المعادن الحيوية، يبدو القطب الشمالي وكأنه الملاذ الأخير الذي يسعى الجميع للفوز بنصيب منه، حتى لو كان الثمن مزيدًا من الخلل البيئى العالمي.
وهكذا، يتحول القطب الشمالي من مساحة متجمدة وصامتة إلى منطقة صراع دولي مفتوح، ترسم فيه خرائط جديدة للتجارة والاقتصاد والسيادة، وفي ظل غياب اتفاقيات دولية ملزمة تنظم تقاسم الثروات في هذه المنطقة الحساسة، ومع تسارع التغيرات المناخية، يبدو أن مستقبل القطب الشمالي مرشح ليكون من أبرز ساحات الصراع فى القرن الحادى والعشرين، حيث تلتقى المصالح السياسية والاقتصادية على جليد يذوب، لكنه لا يبرد التنافس بين القوى العظمى.

Trending Plus