فلسفة الوعي الجمعي

الوعي إدراك يشمل معرفة صحيحة مشفوعة بممارسة، أو فعل قويم، ناهيك عن وجدان راقي مفعم باتصاف قيمي نبيل، وهذا يمكن أن يمتلكه الفرد أو الجماعة، وعندما يشترك جمهور ما في ذلك نصفه أو نسمه بالوعي الجمعي، وهنا نضمن اتحادًا فكريًا وعمليًا نابع من اتجاهات إيجابية نحو قضية بعينها ننشغل بها، ونحاول اقتراح تصورات تتناول طرائق التعاطي مع مفرداتها بصورة وظيفية.
الرأي العام يتشكل في خضم ما يمتلكه المجتمع من وعي مشترك؛ ومن ثم نتوقع ردود الأفعال في ضوء فلسفة الوعي الجمعي، الذي تكون لدى الأفراد والجماعات، بغض النظر عن تباين الايدولوجيات، أو حتى الفروقات في المستويات الثقافية، وهذا ما يعبر عن صورة التوجه العام، الذي يؤخذ في الاعتبار عند صناعة واتخاذ القرار، الذي تتخذه المؤسسات المعنية، أو قيادتها التي تقع على عاتقها إدارة الشأن العام.
عندما نتحدث عن قيم مجتمعية؛ فإن الأمر لا يخرج عن صورة الوعي الجمعي، الذي تبنى المنظومة القيمية، في ضوء ما تحمله من معان، تترجمها أفعال وممارسات يتقبلها ويرتضيها، بل، يحث على الالتزام بها، والبعد عن كل ما من شأنه أن يضير أو يقوض هذا الاتصاف، الذي يضمن الترابط المجتمعي، وصورة الاندماج الحقيقي، التي لا تستطيع قوى معادية النيل منها أو اختراقها.
مشاعرنا الفياضة تنسدل مما تملكه أذهاننا من مكون الوعي الجمعي؛ حيث ترصد حالة التوحد، أو الاصطفاف، تجاه ما يشغل الرأي العام، سواءً ارتبط بتهديد مباشر، أو مواجهة تحدي نوعي، أو مواجهة أزمة، أو نازلة بغض النظر عن مسبباتها، وهنا ندرك ونوقن ماهية وأهمية المعنوية، التي تسكن الأفئدة والصدور؛ فتلك قوة فتاكة توجه السلوك نحو تحقيق الغاية، بكل ثبات وإيمان؛ لذا يعمل المغرضون على النيل منها بكافة ما يمتلكون من أدوات.
الوعي الجمعي، يُعد مسئولًا عن تعزيز لغة المنطق لدى الجمهور؛ حيث يدرك أولوياته، ويحدد احتياجاته، ويرسم وفق ما يمتلكه من مقومات مسارات تقدمه نحو مستقبله، الذي يقوم على رؤى واضحة الملامح، ويدفع لتدشين سيناريوهات، تقوم على تخطيط يعتمد على منهجية علمية رصينة، ويثابر من أجل تنفيذ ما جاء بمخططات بتلك السيناريوهات، بل، لا يتغافل عن تقييم كل مرحلة يمر بها ليرصد إخفاقاته، التي تعود بالطبع لمكون الطبيعة البشرية؛ ومن ثم يحسن ويطور حتى يصل لمستويات تدفعه نحو مزيد من الطموح المشروع.
إذا ما أردنا أن نطمئن على أرشيف ثقافتا، وما تحمله من تراث ثري؛ فإن هذا النمط من الوعي، يعد مؤشرًا أو بمثابة ترمومتر مثالي، يحدد المستوى الثقافي، قد أرى أنه دقيق للغاية؛ لذا نستشعر دون مواربة الخطر، عندما ينخفض مستوى توافر هذا البعد المهم لدى العامة والخاصة؛ ومن ثم يتوجب أن نعمل من خلال جهود مخلصة على تنمية مجال يشكل ركنًا رئيسًا، يسهم في مقدرتنا في الحفاظ على مقدراتنا المادية منها والبشرية على السواء.
هناك من يستكشف مدى الترابط المجتمعي، من خلال تباين مستوى الوعي الجمعي في إطاره القويم لمجتمع ما؛ كونه الرهان الكسبان الذي لا يعضد فقط تماسك ولحمة المجتمع ويضمن تضافره ووحدته؛ لكنه أيضًا يجعل هذا المجتمع لا يتأثر، أو يتحول نتيجة لمتغيرات، أو ظروف طارئة، سواءً أكانت سياسية، أم اقتصادية، أم غير ذلك، مما يعد مساهمًا في إحداث تحولات قد تكون جذرية، إذا ما ارتبط باستبدال النسق القيمي، أو سطحية، تعمل على تبادين في التعاملات بين أطياف وفئات هذا المجتمع.
نود أن نمتلك وعيًا جمعيًا إيجابيًا في مجمله، يسهم في خلق مناخًا مواتيًا، يسمح لنا أن نغرس في فلذات أكبادنا محبة الوطن، وكل ما يعزز مفاهيم المواطنة في وجدانهم؛ لندحر محاولات تشويه الفكر؛ ومن ثم نصع سياجًا منيعًا يحمنا من شر الأشرار.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

Trending Plus