هرم الكوله بأسوان لغز أثرى صامت فى قلب الصحراء.. أحد أقدم النماذج المعمارية للأهرامات في جنوب مصر.. زواياه الأربع تتجه بدقة نادرة نحو الاتجاهات الجغرافية الأساسية.. تم توثيقه لأول مرة عام 1837.. صور

وسط الكثبان الرملية الممتدة شمال مدينة إدفو بأسوان، وعلى بعد نحو ستة كيلومترات من موقع "هيراكونبوليس" الأثرى - العاصمة الدينية والسياسية لصعيد مصر - يرقد واحد من أقدم الهياكل المعمارية الصامتة في صعيد مصر، وهو "هرم الكوله"، ذلك المعلم المجهول لدى كثير من المصريين رغم أهميته الأثرية والغموض الذي يحيط بوظيفته وتاريخه.
يرى خبراء الآثار أن مصر لم تكتف بأهرامات الجيزة الثلاثة، بل تزخر بأكثر من مائة هرم منتشرة في مناطق مختلفة من البلاد، تتنوع في أشكالها ووظائفها عبر العصور، لكن ما يميز هرم الكوله ، إلى جانب هرم جزيرة الفنتين بأسوان، أنه أحد أقدم النماذج التي تمثل تطور العمارة الهرمية في مصر القديمة، رغم ما لحق به من تدمير وتهالك بفعل الزمن.
وصف معماري فريد
يتكون هرم الكوله من ثلاث درجات حجرية، ويبلغ طول ضلعه 18.60 مترًا، بينما يصل ارتفاعه الحالي إلى نحو 7 أمتار فقط، بعد أن تهدمت أجزاء كبيرة منه. ويُعد من النوع "المصمت"، حيث لا توجد داخله أي ممرات أو غرف، ما يميزه عن الأهرامات الكبرى ذات التصميمات الداخلية المعقدة.
إحدى أهم مميزات هذا الهرم – كما يؤكد الخبير الأثري الدكتور نصر سلامة لـ"اليوم السابع" – أن زواياه الأربع تتجه بدقة نادرة نحو الاتجاهات الجغرافية الأساسية (الشمال، الجنوب، الشرق، الغرب)، وهو ما يكشف عن براعة المصري القديم في علوم الفلك والهندسة، حتى في أبسط المشروعات المعمارية.
ورغم أن الهرم مبني من الحجر الجيري الذي يُعد مادة بناء تقليدية في مصر القديمة، إلا أن عوامل التعرية والنهب وغياب الترميم ساهمت في تهالكه حتى لم يتبق منه اليوم سوى "بعض المداميك والكتل الحجرية"، التي لا تكشف للزائر العادي سوى عن بقايا حجرية متناثرة في الصحراء.
تاريخ حافل بالغموض
يرجح الأثريون أن يعود تاريخ بناء هرم الكوله إلى عهد الملك "سنفرو"، مؤسس الأسرة الرابعة، والذي حكم مصر في الفترة ما بين 2670 إلى 2620 قبل الميلاد. ويُعرف عن سنفرو أنه أول من طور فكرة بناء الأهرامات بالشكل المعروف، ويُعتقد أنه بنى أكثر من هرم في مناطق مختلفة خلال فترة حكمه، من بينها هذا الهرم جنوب مصر.
وتم توثيق هرم الكوله لأول مرة عام 1837 على يد المستكشفين جون شاي بيرينج وريتشارد ويليام هوارد فايس، لكن الدراسة الأكثر شمولًا جاءت في عام 1949، تحت إشراف عالم المصريات البلجيكي "جان كابارت"، الذي قاد حملة تنقيب موسعة حول الموقع، لكنها – حسب ما ورد – لم تسفر عن أي اكتشافات أثرية إضافية.
الوظيفة المجهولة.. بين الرمز والتمثيل
تتعدد التفسيرات التي طُرحت حول الغرض من بناء هرم الكوله ، فهناك من يرى أنه كان "رمزًا تمثيليًا" للملك في جنوب البلاد، وليس قبرًا حقيقيًا، فيما يذهب آخرون إلى أنه يُمثل "التل الأزلي"، وهو الرمز العقائدي الذي يعبّر عن بدء الخلق في المعتقدات المصرية القديمة.
تفسير ثالث يُشير إلى أن الهرم كان قد بُني كـ"رمز سياسي" لتأكيد سيطرة الدولة المركزية على أطراف البلاد، خاصة في الجنوب، وهو ما يفسر وجوده في أسوان، التي كانت تمثل نقطة تماس حضاري بين مصر القديمة وممالك النوبة.
الإهمال يطغى على القيمة
رغم ما يحمله هرم الكوله من قيمة تاريخية وأثرية نادرة، إلا أن الموقع يعاني من الإهمال الشديد، فلا توجد لوحات إرشادية أو سياج حماية، كما أنه غير مدرج ضمن مسارات الزيارات السياحية وتكاد لا تُجرى به أي أعمال ترميم أو صيانة دورية.
ويحذر الدكتور نصر سلامة، من أن استمرار تجاهل مثل هذه المواقع الأثرية الهامشية ظاهريًا، قد يؤدي إلى فقدان شواهد مهمة عن مراحل تطور العمارة والفكر الديني في مصر القديمة ويؤكد أن "هرم الكوله ليس مجرد كومة حجارة، بل هو صفحة من تاريخ الدولة القديمة في صعيد مصر، يجب أن تُقرأ بعناية وتُعرض على العالم".
وأشار "سلامة"، إلى أن هرم الكوله لا يقف فقط كأثر صامت في قلب الصحراء، بل كرمز لفترة مفصلية في تاريخ مصر القديم، تعكس امتداد الفكر المعماري والديني من قلب الجيزة إلى أقصى جنوب البلاد. وبينما تنصب الأضواء على أهرامات الجيزة، يظل هرم الكوله شاهدًا صامتًا على عظمة لم تُكتشف بعد، في انتظار أن تمتد له يد الاهتمام والترميم، ليأخذ مكانه الذي يستحقه فى خريطة التراث الإنسانى.

الأطفال-فوق-الهرم

الأطفال-يلعبون-فوق-الهرم

بقايا-هرم-الكوله

منطقة-المعمارية-بإدفو-فى-أسوان

منطقة-الهريم

منطقة-هرم-الكوله-بأسوان

هرم-الكوله-جنوب-مصر

هرم-الكوله-فى-أسوان

Trending Plus