تصاعد الضغوط الدولية ضد إسرائيل بسبب غزة.. تعمق الانقسام الأوروبي حول العقوبات.. إسبانيا تقود خطة لوقف المجاعة.. إيرلندا تطالب بتعليق اتفاقية التجارة.. سلوفينيا تحظر تصدير الأسلحة.. وكولومبيا توقف تصدير الفحم

منذ اندلاع حرب غزة وما خلفته من دمار إنساني واسع، يعيش الاتحاد الأوروبي حالة انقسام غير مسبوقة حول كيفية التعامل مع إسرائيل،  وبينما تتمسك بعض الدول الأوروبية بفرض عقوبات رادعة، ترفض أخرى ذلك خوفًا على مصالحها الاستراتيجية،  وفي الوقت نفسه، تتحرك دول في أمريكا اللاتينية مثل كولومبيا وتشيلي وبوليفيا بخطوات جريئة ضد إسرائيل، ما يزيد من عزلتها الدبلوماسية ويضع أوروبا أمام ضغوط أخلاقية وسياسية متزايدة.

انقسام في كوبنهاجن

في الاجتماع الأخير لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في كوبنهاجن (30 أغسطس)، ظهر التصدع بوضوح ، فدول مثل إيرلندا وإسبانيا والسويد وهولندا،  دفعت باتجاه فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، شملت مقترحات بتعليق اتفاقية التجارة الحرة الأوروبية – الإسرائيلية. في المقابل، وقفت ألمانيا والمجر وجمهورية التشيك بصرامة ضد هذه الخطوات، معتبرة أنها ستعقّد الأزمة بدلًا من حلها.

أعربت الممثلة العليا للسياسة الخارجية، كاجا كالا، عن أسفها لعدم التوصل إلى توافق، مشيرة إلى أن استمرار الانقسام "يضعف مصداقية الاتحاد الأوروبي عالميًا".

محاولات أوروبية لخطوات رمزية

في مواجهة هذا الانسداد، طرحت المفوضية الأوروبية مقترحًا لتقليص استفادة المؤسسات الإسرائيلية من برنامج Horizon Europe البحثي، كخطوة رمزية أولى. إلا أن هذا الإجراء ظلّ عالقًا، بعدما رفضت دول كبرى مثل ألمانيا وإيطاليا الانضمام إلى الإجماع، مما أبقى المبادرة حبرًا على ورق.

مواقف وطنية تتحدى الموقف الجماعي

مع تعثّر الإجماع الأوروبي، لجأت بعض الدول إلى خطوات فردية، على سبيل المثال، إسبانيا التى تقود وزير خارجيتها ، خوسيه مانويل ألباريس ، خطة لوقف المجاعة فى غزة ، تشمل مقترحا بعقوبات جديدة على إسرائيل ومنع تصدير الأسلحة إليها.

دعا وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي غير الرسمي في كوبنهاجن، إلى تبنى خطة عمل أوروبية عاجلة تجاه الوضع فى غزة مشددا على أن الاكتفاء بالتصريحات لم يحقق أى نتيجة ، وحان الوقت للانتقال إلى الأفعال.

وأوضح ألباريس أن إسبانيا وزّعت على الدول الأعضاء وثيقة تتضمن مقترحات عملية تهدف إلى "وقف الحرب فى غزة " و"إنهاء الحصار الإنساني"، مشيراً إلى أن اللحظة الحالية تمثل اختباراً لقيم أوروبا قبل أن تكون اختباراً لمصالحها.

وأشارت صحيفة 20 مينوتوس الإسبانية ،  إلى أن أبرز ما تضمنه المقترح الإسبانى، منها فرض حظر أوروبى على تصدير السلاح إلى إسرائيل ، استنادا إلى القوانين الأوروبية التى تمنع بيع أسلحة لأطراف فى حالة حرب، وأيضا تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل ، التى تشترط فى مادتها الثانية احترام حقوق الإنسان كشرط أساسى للعلاقات الثنائية.

كما اقترح وزير الخارجية الإسبانى ، توسيع قائمة العقوبات الأوروبية لتشمل المستوطنين المتورطين فى أعمال عنف باعتبار أن التوسع الاستيطانى يقضى على أي أمل في قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة"، بالإضافة إلى  حظر التجارة مع منتجات المستوطنات والمناطق المحتلة امتثالاً لآراء محكمة العدل الدولية، وتعزيز الدعم المالي للسلطة الفلسطينية لمواجهة ما وصفه الوزير بمحاولة "خنقها اقتصادياً"، فضلا عن دعم المؤتمر الدولي حول حل الدولتين المزمع عقده في نيويورك قريباً، مع ضمان مشاركة الوفد الفلسطيني.

وسلوفينيا اتخذت قرارًا تاريخيًا بفرض حظر شامل على تصدير الأسلحة لإسرائيل، لتكون أول دولة أوروبية تنفذ هذا النوع من الإجراءات، وأيضا هولندا تمنع دخول وزيرين إسرائيليين متطرفين، ودعمت مشروع تجميد مشاركة إسرائيل في Horizon Europe، وفرنسا تعلن دعمها العلنى للاعتراف بدولة فلسطين ، وتستعد  لاستضافة مؤتمر دولي يهدف لإحياء مسار حلّ الدولتين.

أصوات نقدية من الداخل الأوروبي

الانقسام لم يقتصر على الحكومات، بل امتد إلى الأصوات الدبلوماسية والسياسية داخل أوروبا، حيث أن الرئيس السابق للسياسة الخارجية الأوروبية ، جوزيب بوريل ، الذى وجه انتقادات علنية للاتحاد، معتبرًا أن بعض الدول، وخصوصًا ألمانيا، "مكبلة بعقدة الذنب التاريخية"، وهو ما يمنعها من اتخاذ موقف أكثر حزمًا.

أمريكا اللاتينية تتبنى مواقف أكثر صرامة ضد الحرب على غزة

أعلنت الحكومة الكولومبية حظرًا شاملًا على جميع صادرات الفحم إلى إسرائيل، في خطوة وُصفت بأنها من أقوى الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها دولة لاتينية ضد تل أبيب. القرار جاء في سياق موجة مواقف متشددة من دول أمريكا اللاتينية احتجاجًا على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، والتي تعتبرها هذه الدول انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني وتهديدًا مباشرًا للسلام العالمي.

وصدر المرسوم موقّعًا من وزراء التجارة والصناعة والسياحة، والخارجية، والمالية، والمناجم والطاقة، ليُدخل حيز التنفيذ حظرًا كاملًا على صادرات الفحم – أحد أهم موارد الاقتصاد الكولومبي.

كولومبيا لم تكن وحدها في هذا الاتجاه، إذ تحركت عدة دول لاتينية بخطوات متباينة لكنها متقاربة في الموقف السياسي، مثل تشيلي التى  استدعت سفيرها من تل أبيب وأدانت ما وصفته بـ"الاستخدام المفرط وغير المتكافئ للقوة الإسرائيلية ضد المدنيين"، و بوليفيا،  قطعت علاقاتها الدبلوماسية بالكامل مع إسرائيل، معتبرة أن استمرار الحرب في غزة "إهانة للإنسانية"، وأيضا البرازيل ، فقد  دعا الرئيس لولا دا سيلفا إلى تحقيق دولي بشأن "جرائم الحرب"، وانتقد مجلس الأمن لشلله وعجزه عن وقف الحرب.