نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الثانى

عيون مغلقة على جحيم 1.. حكايات المكفوفين بغزة تحت ظلام الإعاقة ونيران القصف.. مخيمات غير ملائمة وفقدان للأدوات المساعدة والنزوح يمثل كابوسا.. أصحاب الإعاقة البصرية: لا نعلم أين نذهب وأصبحنا عبئا على مرافقينا

عيون مغلقة على جحيم 1
عيون مغلقة على جحيم 1
كتب رامى محيى الدين – أحمد عرفة

 

• مؤمن البيطار: نحن ثلاثة أبناء مكفوفين
• دراسات مسحية قبل الحرب: معدلات العمى وضعف البصر في الأرض الفلسطينية المحتلة مرتفعة
• اعتدال شهوان نزحت 20 مرة والاحتلال دمر بيوتها الثلاثة وزوجها المسن لا يستطيع مساعدتها
• الصحة الفلسطينية: الحرب زادت عدد المكفوفين 1500 ويواجه 4500 آخرين خطر فقدان البصر
• ألفت خير الدين تعاني السكر والضغط وابنها يرافقها ويغامر بحياته لتوفير الطعام لها
• الشيخ الفلسطيني الكفيف فادي الدالي: أتمنى أحضر صلاة الجمعة
• مدير جمعية منتدى غزة لذوى الإعاقة البصرية: بعض الأسر لا تستطيع تحمل ابنها من ذوى الإعاقة البصرية لأن عبئه كبير

وسط الدمار والمجاعة وانعدام الدواء، تصبح الحكايات الإنسانية أبلغ من أي أرقام أو تقارير.. بين أنين المرض وظلام الإعاقة، تعيش "ألفت يوسف خير الدين" فصولاً قاسية من المعاناة في غزة؛ فهي لا تواجه الحرب وحدها، بل يثقل كاهلها مرض السكر والضغط، وعجز بصري منذ 25 عامًا. وفيما تهدد المجاعة حياتها يوماً بعد يوم، يكرّس ابنها الوحيد، الصحفي محمد محمود، جهده ووقته ليكون سندها الوحيد في رحلة النزوح بحثًا عن النجاة ورغيف الخبز.

في خيمة مهترئة لا تقي من حرّ الصيف ولا برد الشتاء، تجلس "ألفت يوسف خير الدين" عاجزة أمام قسوة الحياة، خمسة وعشرون عامًا من العمى جعلتها سجينة الظلام، لكن الحرب والمجاعة أضافت عتمة أشد قسوة، تصارع السكر والضغط والقلب، فيما يلهث ابنها الوحيد محمد محمود – الصحفي الشاب – بين أروقة النزوح ومراكز المساعدات، يخاطر بحياته كل يوم ليجلب لقمة أو دواء قد يُبقي والدته على قيد الحياة، إنها حكاية أم لم يعد في جسدها طاقة على الصمود، وحكاية ابن يواجه الموت في كل لحظة كي لا تنهار آخر ما تبقى له من عائلة.

أوجه معاناة المكفوفين في غزة
أوجه معاناة المكفوفين في غزة

 

ويؤكد نجلها محمد محمود خير الدين في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن والدته كفيفة منذ 25 عاما، وتعاني من قلة العلاج، خاصة أن الحياة في الخيام صعبة للغاية وبالتالي فهي لا تستطيع تحمل شدة الحرارة في الصيف وقسوة البرودة في الشتاء وهذا يؤثر على عينيها لأنها مريضة سكر وضغط مما يجعل ضغطها يرتفع، وتعانى من وجع في العينين.

ويوضح أن والدته لا تستطيع التحرك والفرار من مكان لأخر خلال النزوح بسبب إعاقتها البصرية، فائلا :" عندما يستهدف الاحتلال أي مربع سكني فجميع الأهالى يهرولون خارج المكان للهروب من الموت لكنها لا تستطيع فعل ذلك ولا تستطيع أن تمشي أكثر من 20 أو 30 متر لأنها مريضة قلب وسكر".

كما يؤكد أن والدته تحتاج طعام معين بسبب مرضها ومع المجاعة يجعل الأمر صعبا عليها، فهي لا تستطيع انقطاع الدقيق والسكر عنها، وهذا يؤدى لشعورها بهبوط وتعب شديد وأصبحت هزيلة، متابعا :" أدويتها غير متوفرة ونضطر دفع أموال باهظة لشراء تلك الأدوية، نذهب بها للمستشفى خلال مرضها، ولكن مرات كثيرة لا نستطع الذهاب بسبب الأوضاع الأمنية ونساعدها على الحركة والنزوح".

الصحفي الفلسطيني محمد محمود الدين
الصحفي الفلسطيني محمد محمود الدين

 

ويتابع محمد محمود :"أنا الابن الوحيد لوالدتى، فلا يوجد غيرى يساعدها، فأفرغ لها جزء من يومي أكون معها بجانب عملى كصحفى لأنه في أي وقت ممكن يكون هناك نزوح أو قصف أو إخلاء، وهذا يتطلب وجودي خاصة أنه لا يوجد معها سوى زوجتي وكلاهما نساء لا يستطعن التصرف، واضطررت كثيرا للذهاب لمراكز توزيع المساعدات وأعرض نفسي للموت والقتل والدم وأرى الموت في كل لحظة من أجل أن أحصل على بعض الدقيق أو المعلبات وأحيانا نحضر طعام وأحيانا لا نستطيع، وأنا من أتعرض لهذا الخطر وهذا من أجلها لأن والدتى لا تتحمل انقطاع الطعام عنها بسبب مرضها وإذا انقطع الغذاء والمياه قد تزداد الحالة سوء بشكل كبير".

"ألفت يوسف" تحتاج إلى العلاج خارج القطاع بسبب ظروفها ومرضها الشديد، خاصة أنها لم تعد تستطيع النزوح مرة أخرى بل تحتاج رعاية خاصة ومواصلات مريحة، وهو ما يؤكده ابنها قائلا :"أكثر فترة تعاني منها والدتى في الحرب هي الآن بسبب المجاعة والطقس مرتفع الحرارة للغاية ونعيش في منطقة حمراء، ففي أي وقت من الممكن أن نضطر للإخلاء والهروب ولا يوجد وسيلة للهرب لا تتعبها وبالتالي ما نعيشه الآن أصعب فترة".

حديث الصحفى محمد محمود عن عدم قدرته على علاج والدته داخل القطاع، تؤكده منظمة الصحة العالمية في 12 أغسطس،  بأن الطاقة الاستيعابية للمستشفيات في غزة تتجاوز 300 %، حيث إن مخزون معظم الأدوية داخل القطاع، والمجاعة منتشرة بعدما تم تسجيل العديد من حالات الوفاة جراء سوء التغذية.

آلام ذوي الإعاقة البصرية في غزة بسبب الحرب
آلام ذوي الإعاقة البصرية في غزة بسبب الحرب

 

زيادة عدد المكفوفين 1500 بسبب الحرب و4500 يواجهون خطر فقدان البصر

لم تقتصر مأساة الحرب في غزة على من فقدوا بيوتهم أو أحبتهم، بل طالت العيون أيضًا؛ إذ أعلنت وزارة الصحة في غزة أن أكثر من 1500 فلسطيني فقدوا بصرهم خلال الأشهر الماضية نتيجة القصف المباشر أو الإصابات الخطيرة التي لم تتوفر لها الرعاية الطبية اللازمة، فيما يواجه نحو 4500 آخرين خطر فقدانه بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية.

 

هذه الأرقام تضيف عبئًا جديدًا على مجتمع يضم أصلًا آلاف المكفوفين الذين يعيشون منذ سنوات في ظروف إنسانية صعبة، ليتضاعف عددهم مع استمرار العدوان. وبذلك يصبح المكفوفون القدامى والجدد على السواء في مواجهة كارثة مركّبة: حياة في العتمة، وانعدام العلاج، وعجز عن النزوح أو الحصول على الغذاء والدواء. قصص مثل حالة "ألفت يوسف خير الدين" تجسد هذه المأساة، فهي مثال حيّ على كيف تلتقي الإعاقة القديمة مع المعاناة المستجدة لتصنع واقعًا إنسانيًا يفوق الاحتمال.

أما مؤمن البيطار، فهو صحفي فلسطيني لم تمنعه إعاقته البصرية من أداء رسالته الإعلامية في ظل أصعب حرب يواجها القطاع منذ نكبة 1948، يعيش حياة مليئة بالمآسي والمعاناة، فابن الـ25 عاما، ينتمى لأسرة جميع أبنائها مكفوفين، فشقيقه معتصم البيطار صاحب الـ27 عاما وشقيقته منة الله ابنة الـ23 عاما من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، فلا يجدون سوى الأب والأم لمساعدتها في تحمل أعباء تلم الحياة.

مؤمن البيطار
مؤمن البيطار


رغم إعاقة مؤمن البصرية، إلا أنه تمكن قبل الحرب الإسرائيلية في تحقيق العديد من الإجازات الإعلامية في مجال تخصصه بالصحافة الرياضية، حيث العمل في كبرى المؤسسات الفلسطينية وتقديم العديد من التقارير الصحفية التي كان لها صدى واسع، إلا أن العدوان جاء ليهدم حلمه ولكن لم يفقده شغفه في الحياة وتوصيل رسالة المكفوفين للعالم عبر هاتفه المحمول من داخل القطاع.

في غزة، فقدتَ الكهرباء والاتصال والطرقات الآمنة؛ فكيف تمشي وأنت لا ترى؟ بالنسبة لآلاف المكفوفين وضعاف البصر، تحوّل كل انتقال يومي إلى مقامرة بالحياة، الحرب حطّمت منظومة الرعاية القليلة أصلا، وتركت مجتمعًا كاملاً يتلمّس طريقه في مدينة تهدمت علاماتها الحسيّة والبصرية معا.

بينما تُقاس خسائر الحرب عادةً بعدد القتلى والجرحى والبيوت المهدّمة، تمر مأساة ذوي الإعاقة البصرية في غزة في الهامش، خدمات متخصصة دُمّرت، عمليات عاجلة توقفت، ومجتمع كامل أُجبر على الاعتماد على حواس أخرى في بيئة بلا كهرباء، بلا إنترنت، وبلا أدوات مساعدة.

"نزوح متكرر من مكان لأخر وويلات الحرب واستمرار القصف يصعب حياتنا"، كانت هذه أولى العبارات التي أطلقها مؤمن البيطار، خلال حديثنا معه، مشيرا إلى أنه في 10 أكتوبر 2023 – أي بعد بدء العدوان بثلاثة أيام – جاء للأسرة تحذيرات الاحتلال بضرورة إخلاء المنزل التواجد في شمال عزة، لتبدأ معها أول رحلة نزوح من مكان لأخر، ويضطر الأب والأم اصطحاب أبنائهم المكفوفين وأغراضهم للتنقل من مخيم إلى أخر للهروب من صواريخ تل أبيب.

ويقول مؤمن البيطار في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع":" نزحنا في البداية من شمال القطاع إلى منزل في مدينة غزة ثم نزحنا للجنوب والدماء تلاحقنا، والواقع كان صعبا للغاية، وعلمنا أن الاحتلال قصف منزلنا بعد إخلائنا إياه، وبعد عدة أشهر من بداية العدوان انسحب الجيش الإسرائيلي من المكان الذي يتواجد فيه بيتنا فعدنا إليه ووجدنا أن هناك عدة طوابق دمرت".

ويضيف :" حاولنا إقامة خيم فوق أنقاض المنزل، واصطلاحنا ما يمكن اصطلاحه كي نستطيع أن نعيش فيه، ولدينا إصرار على الحياة رغم الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع واستمرار الحرب، ولكن نصبر على صعوبة الحياة".

ويتحدث مؤمن البيطار عن أصعب اللحظات التي تواجهه وأسرته خلال الحرب، قائلا :"نحن ثلاثة أخوة مكفوفين، لا معين لنا بعد الله عز وجل سوى والدي والعبء عليه كبيرا، والذي أساعده في تعبئة المياه من مكان بعيد عن المنزل، وانتشار الردم في الشوارع يتسبب في جرح قدمي وسيل الدم منها لأنى لا استطيع تفادي هذا الركام، وكذلك لا يوجد طعام متوافر فنضطر للذهاب إلى السوق يوميا لمحاولة الحصول على الغذاء، وأصعب المواقف التي تمر علينا عندما نسمع قصف قريب من منزلنا لا نعرف أين نذهب وما هو المكان الآن لنا؟ ولا نستطيع الخروج بسرعة من الخيمة لكن يساعدنا والدى ووالدتي في الفرار".

الصعوبة في الحصول على الطعام والذي تحدث عنه مؤمن البيطار في ظل تزايد أزمة المجاعة، سلط المكتب الإعلامي الحكومي بغزة الضوء عليه، خلال بيانه الصادر في 13 أغسطس، الذي أكد ارتفاع عدد ضحايا الجوع وسوء التغذية في قطاع غزة إلى 235 شهيداً بينهم 106 أطفال والأزمة الإنسانية تبلغ مستويات كارثية.

وأضاف أن هذه الأرقام الصادمة تعكس حجم الجريمة الممنهجة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في غزة، باستخدام سياسة التجويع كسلاح حرب في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، وبما يرقى إلى جريمة إبادة جماعية.

ويواصل مؤمن البيطار حديثه عن كيف تنزح أسرته من مكان لأخر في ظل وجود ثلاثة أبناء مكفوفين :" عندما نضطر للفرار من المكان الذي نعيش فيه بسبب اقتراب القصف، أبي لا يعرف من سيمكسه من أشقائى للفرار ، فأختى تمسك شنطة والدي وأخي يمسك شنطة والدتى وأنا أمسك في يد شقيقي كي نستطيع الفرار سريعا ونحاول قدر الإمكان تجنب الأنقاض التي أصبحت تملأ الطرقات، ونتعايش مع هذا الوضع منذ أكثر من 22 شهرا".

كما يتحدث مؤمن البيطار عن الفترة التي تشتت فيها أسرته، حيث يقول :" في إحدى المرات انقسمنا، فوالدي كان يعيش في مكان وأنا في مكان ووالدتي وأخي وأختى في مكان أخر، وكنا قدر الإمكان نحاول أن نخفف على الضيف الذي نذهب إليه لأنه يضطر دائما لاصطحابنا في كل مكان نذب له سواء لقضاء حاجاتنا أو لجلب المياه، ولا نستطيع العمل أو الخروج كثيرا في الشارع بسبب الركام".

ويكشف مؤمن البيطار كيف اختلف وضعه بعد الحرب، قائلا :" تعلمت من هذه الحرب عدم الاستسلام للواقع، فقبل الحرب كنت أعمل في المجال الإعلامي وبالتحديد في القسم الرياضي، وكنت أمارس رياضة الكاراتيه ومثلت بلدي في بطولة أسيا في ماليزيا وحصلت على المرتبة الخامسة وفي 2016 حصلت على المركز الثالث ببطولة الإمارات، لكن الحياة اختلفت 180 درجة بعد العدوان ولكن أحاول التعايش مع هذه الظروف وتوصيل رسالة المكفوفين والمجتمع الذي أعيش فيه، فدشنت مدونة من أجل توصيل صوتي وصوت ذوى الإعاقة البصرية عبر هاتفي".

ويختتم حديثه بتوجيه رسالة للعالم :" نحن ذوي الإعاقة البصرية نستحق الحياة والتعليم لأننا بشر، نحن مهمشون حتى من قبل الحرب ولا نتسول بل نطالب بأقل الحقوق والإمكانيات وفقا لما نص عليه القانون الدولي".

في فبراير 2024، أكدت الأمم المتحدة تدمير مركز تأهيل ذوي الإعاقة البصرية التابع للأونروا في مدينة غزة، المنشأة المتخصصة الوحيدة للأطفال المكفوفين وضعاف البصر هناك، مع سقوط هذا المركز، سقطت معه طابعات برايل، والعصي البيضاء، وجلسات التدريب على الحركة والتوجّه، والدعم النفسي والتربوي للأطفال وأسرهم. الأثر لم يكن لوجستيًا فقط؛ بل قطع آخر خيط مؤسسي يضمن للأطفال المكفوفين تعليمًا دامجًا.

فقدان هذا المركز حرم مئات الأطفال من وسائل الاستقلالية البسيطة "برايل، أدوات التكبير، تدريب الحركة"، وأربك خطط دمجهم المدرسي لسنوات قادمة، وكذلك بالنسبة للمكفوفين، الهاتف الذكي والأجهزة الناطقة ليست رفاهية؛ هي العين البديلة لكن سلسلة من الانقطاعات الواسعة للإنترنت والاتصالات كان آخرها في يونيو 2025 قطعت تلك العين مرارًا، فمن دون اتصال وشحن منتظم، تتوقف الخرائط الصوتية، وخدمات النداء العاجل، والتعليم عن بُعد، وحتى تحويل النص إلى كلام لقراءة الإرشادات والمستندات. منظمات أممية وحقوقية وثّقت كيف أن “الظلام الرقمي” حوّل النجاة إلى مهمة شبه مستحيلة.

وليس الاتصال وحده، فالضرر واسع في بنية الاتصالات نفسها، مع نسب تدمير كبيرة للشبكات بحسب تقديرات فلسطينية مستقلة وتقارير دولية، ما يعني أن استعادة الخدمات ستتطلب وقتًا وتمويلًا وبُنى حماية أقوى.

معدلات العمى وضعف البصر في الأرض الفلسطينية المحتلة مرتفعة
 

وأظهرت دراسات مسحية قبل الحرب أنّ معدلات العمى وضعف البصر في الأرض الفلسطينية المحتلة مرتفعة، وأنّ نسبة كبيرة من أسبابه قابلة للمنع أو العلاج مثل إعتام عدسة العين واعتلال الشبكية السكري، مع مؤشرات واضحة في غزة تحديدًا على عبء بصري أعلى من المتوسط الإقليمي، فيما توضح بيانات الإحصاء الفلسطيني معدلات لافتة لصعوبات الإبصار ضمن سلة الإعاقات.

لا شيء تبقى من مراكزنا لتأهيل ذوي الإعاقة البصرية في غزة

وفي 15 فبراير 2024 أعلنت وكالة الأونروا أن لا شيء تبقّى من مركزها لتأهيل ذوي الإعاقة البصرية في غزة، وهو المنشأة الوحيدة المتخصصة للأطفال المكفوفين وضعاف البصر على مستوى القطاع، حيث كانت توفّر آلات برايل وعصيّ بيضاء ووسائل بصرية مساعدة وأنشطة إدماج، تدمير هذا المركز ترك مئات الأطفال دون بديل فعلي.

من جانبها تؤكد إيناس حمدان، مدير الإعلام الأونروا، أن الوكالة الدولة تبذل جهودا حثيثة لدعم كل أصحاب الإعاقات في غزة، خاصة أصحاب الإعاقة الذهنية، مشيرة في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن الفريق العمل الاجتماعي في الأونروا قدم الدعم مؤخرا إلى 26,814 شخصا من ذوي الإعاقة من خلال الدعم النفسي والاجتماعي، حيث تلقى 8,276 شخص منهم أجهزة مساعدة وخدمات إعادة التأهيل.

مع اشتداد القتال ونزوح الطواقم ونقص المستلزمات، انهارت قدرات جراحة العيون ورعاية الشبكية في غزة، حيث توضح تقديرات مسؤولي طب العيون في غزة أن نحو 1,500 شخص فقدوا بصرهم نتيجة إصابات الحرب، فيما يواجه قرابة 4,000 خطر العمى بسبب نفاد الأدوية والمستلزمات والتأخر في التدخلات، وهي أرقام ترددت في تحديثات إنسانية وتقارير إخبارية محلية ودولية.

الشيخ الفلسطيني الكفيف فادي الدالي: أتمنى أن أحضر صلاة الجمعة
 

الشيخ الفلسطيني الكفيف فادي الدالي، والمعروف بصوته العذب، أحد أشهر قرّاء القرآن داخل القطاع، كان صوته يجلل مساجد غزة، حتى جاء الاحتلال فدمّر المساجد، لم يعد الشيخ يستطيع أداء صلاة الجماعة، بل إنه يتمنى فقط أن يحضر صلاة الجمعة.

معاناة النزوح للمكفوفين
 

الشيخ فادي الدالي، المتيم بحب مصر والتي زارها عدة مرات، يؤكد أن حياة الخيام والنزوح المتكرر هما أصعب ما يواجه المكفوفين داخل غزة، قائلاً في تصريحات خاصة لـ”اليوم السابع”:“النزوح أصعب شيء في الحرب، حيث إن الإنسان المبصر يمكن أن يتحرك بنفسه، لكن الكفيف يكون عبئاً على غيره، والله عز وجل أكرمني بأن زوجتي وبناتي يساعدونني على الحركة، لكن هذا لا يعني أن الأمر ليس صعباً”.

ويضيف:“نزحت مرات عديدة، وعندما يطلبون منا إخلاء المنازل تكون الحركة صعبة لأنك تحتاج من يقودك، بينما الناس منشغلة بأمورها، نحن نزحنا والقنابل بجوارنا والطائرات فوقنا، والأهل كانوا يأخذوننا من مكان إلى مكان، هذا أمر شاق على الكفيف وعلى من يصطحبه أيضاً”.

حياة الخيام وصعوبة التكيف
 

كما يتحدث الشيخ فادي الدالي عن صعوبة حياة الخيام للمكفوفين، قائلاً: “المكفوفون الذين يسكنون الخيام في وضع صعب للغاية، لأن الإنسان المبصر يستطيع نقل المياه، بينما الرجل صاحب الإعاقة البصرية يعتمد اعتماداً كلياً على أولاده، ومن ليس لديه أولاد يشق عليه نقل المياه وجلب الطعام إلا أن يساعده أحد الناس “.

الشيخ فادي الدالى
الشيخ فادي الدالى

 

ويتابع : “ مشكلتنا في النزوح أن الكفيف قد تعود على منازل معينة، وأغراضه يضعها بطريقة معينة كي يصل لها بسهولة، وعندما يعتاد الكفيف على أمر لا يلبث حتى يأتي قرار الإخلاء، فيبدأ النزوح والتعرف على أماكن أخرى، إن وجد منزلاً نزل فيه، وإن لم يجد ينام في الخيام، نعاني صعوبة في قضاء حاجتنا، فالمبصر يمكن أن يقف في الطابور، بينما الكفيف كيف ينتظر؟!”.

الشوق إلى القرآن والمساجد
 

يتطرق الشيخ الفلسطيني إلى اشتياقه لقراءة القرآن والصلاة في المساجد كما كان يفعل قبل الحرب، حيث يؤكد:“الكفيف يجد الآن صعوبة كبيرة في قراءة القرآن، والطهارة والوضوء، لأن المياه لا تتوفر بسهولة، حيث يضطر بعض المكفوفين للتيمم حتى لا يثقل على الآخرين بطلب المياه ولا أزعجهم، وهذه صعوبات بالغة للكفيف بشكل خاص”.

الشيخ الفلسطيني الكفيف فادي الدالي
الشيخ الفلسطيني الكفيف فادي الدالي

 

ويضيف: “غزة كانت تسمى بلد المساجد، لكن الاحتلال هدم أكثر من 800 مسجد قبل أشهر بشكل كامل، نحن في مدينة غزة لا نسمع صوت الأذان ولا تُقام صلاة الجماعة ولا الجمعة إلا في بعض مناطق النزوح والمدارس بشكل نادر للغاية“.

ويواصل الحديث عن آلامه قائلا : “ أضطر للصلاة في بيتي، وما صليت الجمعة إلا مرة واحدة بعد الهدنة، وبعد ذلك لم أصلها قط. الاحتلال حرمنا من صلاة الجماعة والمساجد وصلاة الجمعة والأذان، وكل شيء له بهجة في العبادة، كنت قبل الحرب أنتقل بين مساجد غزة كلها من رفح إلى بيت حانون، والآن لا أستطيع أداء صلاة جماعة إلا ما ندر”.

حب لمصر ورسالة دعاء
 

ومن عشقه لمصر، أصر الشيخ فادي الدالي على توجيه رسالة ودعاء لها قائلاً: “أنا أحب مصر وزرتها أربع مرات. أدعو الله عز وجل أن يؤمّن مصر وأهلها وشعبها وجيشها، وأن يحرسهم بعينه التي لا تنام، وألا يذيق مصر ما ذاقته غزة، مصر هي مخزون الأمة الاستراتيجي، ونبراسنا وحضارتنا وأمنا وأماننا نحبها، والله إننا نحب أرضها ونيلها وترابها، ولو لم أكن فلسطينياً لوددت أن أكون مصرياً، هذا شعوري وشعور كل إنسان شريف في غزة، وأسأل الله أن يحفظ مصر من مكر الماكرين وغدر الغادرين وكيد الكائدين يا رب العالمين”.

بعض الأسر لا تستطيع تحمل ابنها من ذوى الإعاقة البصرية

هنا يكشف المهندس على طعيمة، مدير جمعية منتدى غزة لذوي الإعاقة البصرية، تفاصيل معاناة المكفوفين في ظل حرب الإبادة الجماعية، مؤكدا أنه لا توجد إحصائيات دقيقة، ونتيجة العدوان وحسب أخر إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية هناك ما يقارب 1700 شخص فقدوا بصرهم وأصبحوا من ذوى الإعاقة البصرية، بالإضافة إلى 4500 شخص أصيبوا في عيونهم ومعرضون خلال الفترات القادمة إن لم يتم التدخل علاجى أو جراحى لفقدان أبصارهم ".

ويوضح على طعيمة، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن هناك غياب لدور المنظمات الأهلية المتخصصة في دعم الأشخاص ذوي إعاقة البصرية، ولا يوجد مؤسسات متخصصة ببرامج متعددة، بل هناك قلة في الدعم المادى والمعنوى، فلا يوجد برامج تأهيل لتلك الفئة وإرشاد حركى حول طرق التعامل مع القصف والبيئة المدمرة والنزوح والشوارع المجرفة وبيئة الخيام غير موائمة لهم، والاهتمام بهذه الشريحة ضعيفة وتوافر الأمن الغذائي وسهولة الوصول للخدمات ضعيف.

ويتحدث عن دور الجمعية في تقديم الدعم للمكفوفين، قائلا :"نحن كمؤسسات نحاول تقديم دعم نفسي لذوى الإعاقة البصرية خاصة بعد الصدمة لمن فقدوا بيوتهم وأبصارهم خلال الحرب وأقاربهم ويتم تحويلهم للمؤسسات الخاصة بهذا المجال، بالإضافة إلى العمل على توزيع أمن غذائي لهم، حيث نفذنا المرحلة الأولى منها ونحاول تكرار هذه الخدمة لأن تلك الفئة لا تستطيع شراء الطعام ولا تستطيع الذهاب إلى مراكز توزيع المساعدات، كما أن معاناة الأشخاص ذوي إعاقة البصرية نفسية وأصبحت آلامهم مضاعفة، بعدما أصبح المكفوف نازح ومعرض للقتل والتشريد، بجانب أنه شخص لا يرى شيئا ولا يعتمد على نفسه".

ويتابع :"في السابق قبل الحرب كنا ندرب المكفوفين للاعتماد على أنفسهم وإخراج العصى البيضاء، الآن أصبح المكفوف يشعر أنه عالة على من حوله، ووضعه النفسي صعبا للغاية، بجانب معاناة حياة الخيام المهترئة والممزقة وانتشار القوارض والحشرات، والطقس شديد الحرارة وهي أماكن غير موائمة لتلك الفئة، خاصة أن الشخص ذوي الإعاقة البصرية في غزة فقد الأدوات المساعدة له من عصاة بيضاء وماكينة البيركنز وأدوات ناطقة واللابتوب والهاتف وفقد تعليمه ونسي طريقة برايل لأنه منذ عامين لا يتعملها وأصبح لديه معاناة في تعملها الآن".

المهندس على طعيمة
المهندس على طعيمة

 

ويؤكد أن هناك مواقف صعبة يتعرض لها الأشخاص ذوي إعاقة البصرية في حالات القصف العشوائي، حيث لا يعرف أين يتوجه؟ وما هو المكان الأمن للفرار؟ وأصبح لا يعرف كيف يتصرف؟ خاصة أن البيئة التي حوله تهرب بالكامل لمنطقة آمنة حال سماع صوت قصف بجوارهم، وهو ما يضعه في موقف منفرد لا يستطيع التصرف وبالتالي يؤدى لاستشهاد العشرات منهم، بجانب أزمة النزوح المتكرر والمشي على الأقدام لمسافات طويلة، لافتا إلى أن مخيمات النزوح بداية من القائمين عليها غير مدربين للتعامل مع المكفوفين، كما أن هذه المخيمات غير موائمة لتلك الفئة واستخدام دورات المياه والمرافق العامة غير ملائمة لهم.

ويتحدث على طعيمة عن يوميات ذوي الإعاقة البصرية خلال الحرب، حيث يستيقظ الكفيف في الصباح الباكر للبحث عن مياه نظيفة للشرب فيصطف لطوابير طويلة ويبحث عن طعام فيحتاج لمرافقة الأشخاص معه بجانب الظرف الاقتصادي الصعب الذي يعيشه تلك الفئة وصعوبة الوصول للخدمات المتاحة، فلا يستطيع الوصول لها، وحياته كلها متوقفة لا يستطيع ممارسة أي نشاط سواء رياضي أو ترويحي أو مؤسسي أو مجتمعي أو عائلي، بل أصبح في وضع لا يحسد عليه بسبب وضعه النفسي ويرى نفسه أنه لا أحد يتحمله.

الاحتلال يدمر المراكز المتخصصة لذوي الإعاقة البصرية

ويؤكد أن هناك بعض الأسر لا تستطيع تحمل ابنها من ذوى الإعاقة البصرية لأن عبئه كبير ويحتاج لمن يرافقه بشكل دائم وهناك بعض المكفوفين لديهم إعاقتين حركية يحتاج لكرسي محترك وبصرية وهذا يزيد من معاناته، ولا يوجد حل له، موضحا أن الأباء من الأشخاص ذوي إعاقة البصرية أصبحوا يشعرون أنهم لا يستطيعون توفير الأمن والأمان لأبنائهم، خاصة في لحظات القصف، كما أنهم يحتاجون لمن يهتم بأمورهم فعندما يبكى الابن من القصف يعجز الأب عن عمل أي شيء له.

ويشير إلى أن الاحتلال دمر كل المراكز المتخصصة لخدمة الأشخاص ذوي إعاقة البصرية من مركز النور والأمل التابع لوكالة الأونروا ومدرسة النور للمكفوفين التابعة لوزارة التربية والتعليم ومركز التقنيات المساعدة التابعة للجامعة الإسلامية، ورابطة الخريجين المعاقين بصريا، وجميعهم كانوا يقدمون خدمات لهذه الفئة وتؤهلهم، مؤكدا ضرورة الضغط على الاحتلال وقف هذا العدوان الهمجي وإعادة تأهيل ما دمرته إسرائيل من مراكز تدريب وتأهيل للمكفوفين، والقيام بحملات عالمية ودولية لإغاثتهم وتقديم يد المعاونة والمساندة وتوفير الاحتياجات من أدوات مساعدة وتعليم وتدريب وتأهيل ودعم نفسي ووضع خطط واستراتيجية جديدة للاستجابة الطارئة لوضع تلك الفئة، وضرورة أن يكون للمؤسسات الأهلية وقفة جادة لوضع الكفيف وتحسين ظروفه الحياتية والمعيشية.

اختفاء الأدوات المساعدة يحول حياة المكفوفين لجحيم

أهمية العصى البيضاء التي تحدث عنه المهندس على طعيمة، تؤكده حالة " ن . ل"، والتي لجأت أسرتها إلى إحدى المدارس التي تحولت لمراكز نزوح، حيث تمسك بذراع أختها بدلا من تلك العصى التي فقدتها أثناء النزوح، فلا إشارات ملمسية على الأرض، ولا درابزين صالحا للاستناد، والسلالم مكسورة، بينما أي خطوة خاطئة قد تعني سقوطا أو اصطداما بشظايا الزجاج.

الصعوبة التي تواجها "ن . ل" لا تتوقف عند هذا الحد، بل إن انقطاع الشحن، أدى إلى توقف تطبيقات القراءة الناطقة التي كانت تمكنها من الاتصال بأسرتها أو طلب المساعدة، وهذه الصورة تتكرر في وسط وجنوب القطاع مع استمرار الحرب بعد انقطاعات اتصالات شاملة شلّت نداءات الاستغاثة وأربكت الحركة الإنسانية.

 

القانون الدولى يقر حماية الأشخاص ذوي الإعاقة خلال الحروب

في هذا السياق، يؤكد حمزة دردس المحامي الفلسطيني والمستشار القانوني في مجال حقوق وقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة، أن تلك الفئة تواجه في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية مجموعة من التحديات والمعوقات والصعوبات، أبرزها عدم اهتمام المؤسسات العاملة بقضايا الأشخاص ذوى إعاقة البصرية خاصة أن معظم المؤسسات العامة في ظل الحرب لا يوجد لديها تصنيف للمكفوفين والاهتمام بقضاياهم وتوفير احتياجاتهم.

ويضيف في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن من أهم التحديات التي يواجهها تلك الفئة عدم توافر الأدوات المساعدة التي يحتاجونها من نظارات وأجهزة صوتية وأدوات بطريقة برايل، وهو ما يؤثر على تواصلهم مع المجتمع ويجعلهم يعيشون في عزلة كبيرة ويعانون من عدم التواصل بشكل فعال وعدم المشاركة في مجالات الحياة المختلفة وكذلك تصعب من قيامهم بمهامهم الحياتية اليومية لأن عدم توافر الأدوات المساعدة تجعل المكفوف يفقد القدرة على القيام بنشاطاته اليومية .

ويشير إلى أن أبرز المعوقات التي تواجه المكفوفين داخل القطاع عدم وصولهم إلى المعلومات الكافية عن النزوح والإخلاء، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي والصفحات الإلكترونية التي هي غير مهيئة وملائمة لتلك الفئة مما يجعلهم غير قادرين على الوصول للمعلومات الكافية التي تمكنهم من التعرف على واقع الحرب والنزوح والإخلاءات وطبيعة الأحداث، موضحا أن القانون الدولى أقر حماية الأشخاص ذوى الإعاقة في حالة الحرب انطلاقا من مبدأ إنسانيتهم بجانب إعاقتهم لأن الإعاقة جزء من التنوع البشرى الطبيعي وهو ما أكده الإعلان العالمى لحقوق الإنسان في مادته الثانية التي تؤكد أن حقوق الإنسان لكل البشر دون تمييز على أساس دين أو عرق أو لون أو إعاقة.

ويؤكد حمزة دردس، أن الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية يتعاملون مع القصف المتكرر والنزوح والإخلاءات والاضطرابات التي يواجهونها أثناء الحرب بكثير من الخوف والتوتر ويتعرضون للكثير من الإيذاء النفسي ويشعرون في كثير من الأحيان بأنهم غير قادرين على التصرف والحركة والتواصل مع غيرهم في ظل العدوان، لأنهم لا يمتلكون الأدوات المساعدة التي تؤهلهم وتمكنهم من الحركة وواقعهم النفسي أصبح صعبا للغاية ولا يطاق بسبب طول فترة الحرب لأكثر من 22 شهرا وفقدوا كل شيء، وهذا جعلهم في كثير من الأوقات يصحبون ضحايا سواء شهداء أو مصابين أو مفقودين في أوقات النزوح، وهناك العديد من الشهداء من تلك الفئة، بجانب الكثير من المصابين والمفقودين ولكن لا يوجد أرقام رسمية ودقيقة عن العدد الإجمالى لهؤلاء الضحايا .

ويوضح أن الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة التي أقرتها الأمم المتحدة لحماية وصون حقوق هذه الفئة في مختلف دول العالم أقرت حقوق هذه الفئة في حالة الخطر والكوارث في مادتها رقم 11 في هذه الاتفاقية، حيث ذكرت أن هؤلاء يجب حمايتهم وفقا للقانون الدولى الإنساني وهذا القانون أقر حماية المدنيين في ظل الحرب وهم جزء من المدنيين الذي يجب حمايتهم وإبعادهم وتحييدهم عن حالة النزاع والصراع ويجب اتخاذ كافة التدابير والإجراءات والخطوات التي تضمن حمايتهم وعدم تعرضهم للخطر وإيذائهم بأي أوجه .

ويتابع :" على أرض الواقع نجد ما ذكرته هذه القوانين والمنظومة القانونية الدولية لا قيمة له، إذ أن الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل عام وذوي الإعاقة البصرية بشكل خاص يعانون الخطر وويلات القصف، فمنهم الشهداء ومن أصبح مصابا ويعاني من إعاقة مضاعفة ومركبة وهناك من فقد أسرته أو أبنائه أو منزله وأصبح بدون مأوى، ومنهم من هو لا يعلم ولا يدرى كيف يتصرف في هذه الحرب؟ وأين يذهب؟ وهو ما يجعل هناك فجوة كبيرة بين ما ذكرته القوانين وما واقع على الأرض في الحرب بغزة"

ويطالب المستشار القانوني في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة بضرورة رفع قضايا دولية بحق مرتكبي الجرائم المكفوفين، لأن تعرض تلك الفئة لهذه الجرائم هو جريمة مكتملة الأركان تتنافى مع القانون الدولى الإنساني وكافة الأعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية، خاصة أن هذه الفئة مدنيون تم حمايتهم وإقرار وصون هذه الحماية وفقا لاتفاقيات جنيف والإعلام العالمى لحقوق الإنسان وكافة القوانين الدولية التي تحمى حقوق الإنسان والمدنيين والفئات الأكثر هشاشة في زمن الحرب .

وفاة نجل مكفوف بسبب سواء التغذية وعجز الأب عن مساعدة أبنائه

"ع . ح"، أحد الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في غزة – فضل عدم ذكر اسمه -، فقد ابنه بسبب سوء التغذية بينما يتعرض باقي أبنائه لمجاعة شديدة، بدأت معاناته في الحرب عندما هدد الاحتلال بيت مجاور له، فاضطر للخروج إلى الشارع ولم يأخذ من بيته أي شيء، وحاول أن يلملم نفسه وينصب خيمة عبر قطع بدائية، ليتمكن من نصب خيمة في منتصف الشارع وكانت الأرضية عبارة عن نفايات وبها رائحة كريهة وانتشار للحشرات الضارة والذباب والبعوض.

يتحدث "ع . ح" أنه لم يستطع أن يوفر أي شيء في خيمته وكل ممتلكاته ضاعت، بل فوجئ بعد نصب الخيمة بفترة قليلة أن الاحتلال يهدد المكان أيضا ليضطر لتركه ويبحث عن مكان جديد ويفقد مجددا كل ممتلكاته، واصفا النزوح المتكرر برحلة العذاب خاصة للمكفوفين حيث يهربون من الموت إلى الموت ولا يعرفون مصيرهم المجهول .

ويؤكد أن ظروفه الاقتصادية صعبة للغاية، حيث لا يستطيع توفير قوت يومه ولا يوجد دخل مادي له، ومع انتشار الجوع تعرض أبنائه لسوء تغذية ليفقد – كما ذكرنا - أحد أبنائه مما جعل وضعه النفسي سيئا للغاية.

توفير نظارات للأطفال وعجز إتاحتها للكبار

أجرى الدكتور باسل عابد، مدير دائرة بطاقة الأشخاص ذوي الإعاقة بوزارة التنمية الاجتماعية بمحافظات غزة، دراسة في شهر مارس 2024 للواقع المعيشي للمكفوفين في ظل النزوح، وقبل ثلاثة شهور أعد تقريرا حول انتهاكات الاحتلال ضد تلك الفئة في ظل العدوان، مشيرا إلى أنه خلال فترة الهدنة من 20 يناير 2025 حتى 18 مارس، قدمت الوزارة لهذه الفئة الأدوات المساعدة والحفاظات والبامبرز والإغاثة.

الدكتور باسل يوسف
الدكتور باسل يوسف

 

ويكشف مدير دائرة بطاقة الأشخاص ذوي الإعاقة بوزارة التنمية الاجتماعية، سبب صعوبة حصر أعداد المكفوفين الآن لأن كثير من المستشفيات دمرها الاحتلال، كما حرق الأرشيف ودمر النظام الحوسبي للمنظومة الصحية، بجانب تخريب مراكز التأهيل وتعرض الموظفين المتواجدين فيها للنزوح لأكثر من مرة أو الاستشهاد أو الاعتقال، لافتا إلى أن هناك أكثر من 1500 شخص فقدوا بصرهم بشكل كامل، وذلك في مساحة جغرافية صغيرة كقطاع غزة، وهو ما يجعل النسبة كبيرة.

ويقول :"كان قبل الحرب متوقع من لديهم مشكلة بصرية 5 آلاف شخص، وعندما يفقد 1500 بصرهم بشكل كامل خلال ما يقرب من 23 شهرا فهو أمر صعب، وهناك آخرين لديهم مشكلات في البصر، خاصة أن هناك 27 ألف شخص لديهم إعاقة حركية، ويتم عمل حصر لهذه الحالات لتقديم الخدمات لهم".

معاناة المكفوفين نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة
معاناة المكفوفين نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة

 

وبشأن المراكز التي تقدم خدمات للمكفوفين داخل القطاع، يقول باسل عابد، إنه قبل الحرب كان هناك مستشفيان يقدمان الخدمة البصرية للمرضى وهما المستشفى الأوروبي الذي أصبح خارج الخدمة ودمره الاحتلال بالكامل ومستشفى النصر للعيون الذي تضرر ولكن أعاد الأطباء تشغيله مجددا، بجانب مركز صحى واحد "سان جون" يقدم الخدمة كنوع من الاستشفاء والإسعافات الأولية، متابعا :"لدينا مؤسستان أهليتان تقدم الخدمات للأشخاص ذوى الإعاقة البصرية، وهما رابطة خريجي ذوى الإعاقة البصرية التي دمرت تل أبيب مقرها بشكل كامل، وجمعية أخرى جديدة تم تدشينها خلال الحرب وهي منتدى غزة لذوي الاعاقة البصرية، وهاك خدمات إغاثية أخرى تقدمها جمعية الأطباء ضد الإبادة مؤخرا".

ويوضح أن هناك مؤسسات تأهيل تقدم خدمات توفير النظارات للأطفال دون 18 عاما مثل جمعية إغاثة أطفال فلسطين وجمعية نجوم الأمل،  ولكن بالنسبة للكبار لا يتوافر نظارات لهم داخل القطاع لأن أسعارها مرتفع للغاية، مشيرا إلى أن بقية الأدوات المساعدة لتلك الفئة يعجز عن تقديمها جميع المؤسسات والمنظمات لعدم توافرها، وكذلك خدمات التعليم معطلة للمكفوفين بعدما استهدف الاحتلال مراكز تقديم الخدمة التعليمية لذوى الإعاقة البصرية.

مدرسة كفيفة دمر احتلال منزلها وأدواتها المساعدة

"أ . ه "، وهي مدرسة من ذوى الإعاقة البصرية – فضلت أيضا عدم ذكر اسمها - تعيش في مدينة رفح المدمرة، كانت من المتفوقات، حيث تخرجت من كلية الحقوق وعملت مدرسة، وبينما كانت في منزلها جالسة مع أسرتها وإذا تم استهداف البيت المجاور لهم، مما تسبب في سقوط حطام الجدران عليها فخرجت ولا تعلم أين تهرب.

تقول إن والدها جاء مسرعا ليخرجها من المنزل في ظل ظروف صعبة للغاية وغادرت المكان إلى منطقة المواصي بخان يونس لتعيش في خيمة مع عائلتها، دائما ما تبكى ظروفها النفسية الصعبة وتتألم على فقدان الأدوات المساعدة لأنها تعتبر تلك الأدوات جزء من حياتها اليومية مثل العين والأذن.

حاولت "أ . ه "، الرجوع للمنزل لتبحث عن ما تبقى من البيت لتجد كل شيء دمر، فآلة "بيركنز" التي تعلمت من خلالها طريقة برايل والكتابة والقراءة منذ طفولتها في مركز النور للتعليم ومصحفها الذي كانت تقرأ به بطريقة برايل والهاتف واللاب توب وكل مقتنياتها دمرت جميعا، ولم يبق لها شيئا في الحياة، مما جعلها تمر بظروف نفسية صعبة ولا تستطيع أن تتحمل أكثر من ذلك، خاصة أن الفتيات من ذوى الإعاقة البصرية يعانين معاناة مضاعفة لأنهن فتاة لا يستطعن تعمل مشقة النزوح المستمر مما يزيد الأمور تعقيدا.

انهيار كامل للبنية التحتية للمنظومة الصحية

وتؤكد منظمة الصحة العالمية، أن هناك انهيار كامل للبنية التحتية للمنظومة الصحية في غزة جراء الاعتداءات الإسرائيلية، وهناك 80 شاحنة من المساعدات الطبية دخلت غزة منذ شهر يونيو، لافتة إلى أن معدات طبية وصلت إلى مطار بن جوريون والسلطات الإسرائيلية منعت دخولها إلى القطاع.

وأشارت إلى أنه  يجب وقف إطلاق النار في غزة لإدخال المساعدات، خاصة أن المساعدات التي وصلت إلى قطاع غزة ليست كافية، ويجب تزويد المستشفيات بالحد الأدنى من الوقود ونحن غير قادرين على ذلك حتى الآن.

اعتدال شهوان.. نظرها لا يتعد 1 % وتعيش بمخيم غير ملائم لأصحاب الإعاقات

في زوايا غزة، حيث تصطدم حياة الإنسان مع الألم والمعاناة، تحكي قصة اعتدال شهوان، امرأة في الـ57 من عمرها، نازحة من خان يونس تعاني ضعفًا بصريًا منذ الولادة، رغم محدودية بصرها، عاشت اعتدال حياة طبيعية، تعمل، تتزوج، وتواجه تحديات الحياة بشجاعة، لكن الحرب التي ضربت القطاع في 2023 قلبت حياتها رأسًا على عقب.

اعتدال شهوان
اعتدال شهوان

 

اعتدال شهوان معلمة اللغة الإنجليزية بمدرسة النور والأمل للمكفوفين بمدينة الزهراء، التابعة لوكالة الأونروا، فقدت بصرها بنسبة 90% مع بداية الحرب، وانهارت كل الوسائل التي كانت تساعدها على العيش باستقلالية، كما فقدت بيوتها الثلاثة، أدويتها، وحتى هاتفها المساعد، لتصبح معاناة فقدان البصر أسوأ مع فترات النزوح المتكررة وقلة الغذاء، وسط ظروف إنسانية خانقة.

كانت اعتدال تعيش متعايشة مع ضعف بصري جزئي لا يمنعها من إنجاز مهامها اليومية، فكانت تعتمد على عصا المشي وهاتف ذكي به تطبيقات خاصة تسهل عليها التنقل والتواصل، لكن عندما دكت القنابل بيوتها في دير البلح، بدأت عذاباتها الحقيقية، لم يعد بإمكانها الحصول على أدوية العيون أو الفيتامينات اللازمة، وتوقفت المؤسسات الخاصة بالدعم عن العمل، باتت تحتاج إلى مرافق دائم في كل خطوة، وهو ما لم تكن بحاجة إليه من قبل، مع 20 تجربة نزوح خلال 22 شهراً، سلبت الحرب منها استقلاليتها، ودفعتها إلى العيش في خوف دائم من فقدان المزيد.

سوء التغذية ونقص فيتامين "أ" الذي يعزز صحة العينين، زاد من تدهور حالتها الصحية، مما جعل الاعتناء بها أصعب في ظل عدم توفر الرعاية الصحية الأساسية، في واقع يزداد قتامة على عينيها.

السيدة اعتدال شهوان تقرأ القرآن
السيدة اعتدال شهوان تقرأ القرآن

 

مع نزوح اعتدال شهوان 20 مرة خلال الحرب، فقدت العديد من أدواتها المساعدة، لم تعد تستطيع تدوين ملاحظاتها وكتبها، وشاشتها المكبرة، أصبحت تعيش الآن في مخيم بسمة أمل الذي ضم العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة وكل أنواع الإعاقات، لكن يظل أصحاب الإعاقات البصرية مهمشون حسب تأكيدها، على عكس باقي أصحاب الإعاقات الأخرى، ولا يوجد خطة طوارئ للنزوح، حيث يعد أمر الإخلاء بالنسبة للمكفوفين كابوسا لأنهم يشعرون بأنهم بمفردهم ويحتاجون مساعدة لأنهم لا يستطيعون النزوح بدون مرافق، مما دفعهم لاستئجار عمال مساعدين لهم لفك ونصب الخيم، خاصة أن زوجها مسن يبلغ من العمر 70 عاما لا يستطيع مساعدتها بشكل كبير.

السيدة اعتدال شهوان
السيدة اعتدال شهوان

 

"يوجد افتقار شديد للأدوات الصحية وكذلك الحمامات، بالإضافة إلى شح كبير في توفير مياه الشرب"، هذه ليست فقط معاناة اعتدال شهوان التي فقدت هاتفها مع الحرب وأصبحت تعتمد على هاتف زوجها، ومع سوء الوضع الإنساني لم يعد نظرها يتعدى الـ1% فقط بسبب حرارة الخيام وعدم توافر قطرات عيون التي كتبها الطبيب لها وكان نتيجة ذلك جفاف شديد في العين، مما جعلها لا تستطيع قراءة الكتب على الإطلاق.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

موعد مباراة الزمالك ضد المصري فى الدوري والقناة الناقلة

تعرف على رواتب لاعبي ليفربول 2025.. محمد صلاح وفان دايك الأعلى

نتنياهو: ترامب يدعم استخدام القوة الكاملة فى التعامل مع غزة

جاتوزو يكشف سر ضم ليونى واستبعاد كييزا من منتخب إيطاليا

من "هند" إلى "أزمة ثقة".. هاجر الشرنوبى حاضرة بقوة فى الأوف سيزون


ترقب أمريكى مع انعقاد قمة منظمة شنغهاى.. واشنطن بوست: محاولة من بكين لتوحيد قادة الدول فى ظل فوضى ترامب..خبراء يعتبرونها رسالة بأن الغرب ليس القوة المهيمنة..بلومبرج: تعزيز علاقة "مودى" بالصين وروسيا تحدى لترامب

فيديو مثير بالسيدة زينب.. "سايس" يقفز على سيارة لإجبار قائدها على التوقف

حافظ على حياتك ولا تتخطى العلامات.. الشمندورات البحرية علامات إرشادية لتحديد الأماكن المصرح بها للسباحة.. ويتم وضعها فى الأماكن العميقة للحفاظ على الشعاب والكائنات الحية بالبحر الأحمر.. صور

لمسة تدل على الفن والهندسة من الأناكوندا.. الدورى الفرنسى يغازل مصطفى محمد

محمود مرعى ينتظر العرض على طبيب متخصص يوم الأربعاء لتحديد حجم الإصابة


فيديو متداول يثير الجدل.. والتحقيقات تكشف ملابسات مشاجرة أبو حماد

معهد الفلك يكشف تفاصيل خسوف القمر الكلى فى 7 سبتمبر

أمين عام رابطة العالم الإسلامي يختتم الملتقى العالمي للتصديق على الإجازات القرآنية

بعد انتشار لقطات للواقعة.. الحبس 6 سنوات للمتهم بسرقة هاتف من شاب وتهديده بسلاح فى الأميرية

هل يسير مدرب الأهلي الجديد على نهج ريبيرو فى تدوير حراسة المرمى؟

يورونيوز: العواصف الرعدية الخارقة ظاهرة متزايدة الحدوث بأوروبا بسبب تغير المناخ

تاجر آثار يعترف: حفرت بنفسى فى جبل المنيا واستخرجت 577 قطعة أثرية.. صور

كل ما تريد معرفته عن ملف مدرب الأهلى الجديد بعد رحيل ريبيرو

الطقس غدا شديد الحرارة والعظمى بالقاهرة 36 درجة والإسكندرية 32

مقتل شخص وإصابة 3 فى اصطدام طائرتين صغيرتين فوق مطار كولورادو

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى