الغاز الروسى يقسم أوروبا.. بروكسل تلتزم بالتخلى عن الوقود بحلول 2028.. وضغوط ترامب تكشف دعوات بولندا ودول البلطيق لقطع الطريق.. وألمانيا تتحفظ مع إيطاليا والمجر على التسرع فى قرارات تضر بالاقتصاد الأوروبى

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وجد الاتحاد الأوروبي نفسه في قلب معركة جيوسياسية معقدة ترتبط بشكل مباشر بملف الطاقة، وفى الأسابيع الأخيرة تصاعدت الضغوط الأمريكية على العواصم الأوروبية بعد تصريحات حادة من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى هدد بأن بلاده قد تتصرف بشكل أكثر عدوانية حال استمرار بعض الدول الأوروبية فى شراء النفط والغاز من روسيا.
وجاءت هذه التهديدات لتكشف عن عمق الانقسام داخل الاتحاد الأوروبى، ففى الذى ترى فيه دول مثل بولندا ودول البلطيق أن الحظر الكامل على واردات الطاقة الروسية ضرورة استراتيجية لتحجيم نفوذ موسكو، فإن دولًا أخرى مثل ألمانيا والمجر وإيطاليا تبدى تحفظات قوية، محذرة من أن اتخاذ قرار متسرع قد يدفع الاقتصاد الأوروبى نحو ركود طويل الأمد، حسبما قالت صحيفة الإكونوميستا الإسبانية.
ومن جانبها، حاولت بروكسل تهدئة المخاوف بإعلان خطة طموحة للتخلص التدريجي من جميع أشكال الوقود الروسي بحلول عام 2028، في إطار ما تصفه بـ"استراتيجية الاستقلال الطاقي"، غير أن هذه الخطة تواجه اختبارات صعبة، إذ تشير التقديرات إلى أن المخزونات الحالية من الغاز الطبيعي قد لا تكون كافية لتغطية احتياجات القارة خلال شتاء 2025-2026، خاصة إذا كان قاسي البرودة كما تتوقع مراكز الأرصاد الأوروبية.
وتبدو التحديات أوضح ما تكون، فمع ارتفاع أسعار الغاز المسال المستورد من الولايات المتحدة وقطر، يزداد العبء على الأسر الأوروبية التي تواجه فواتير طاقة متضخمة، كما تشعر الشركات الصناعية الكبرى بالضغط المتزايد جراء تكاليف الإنتاج، وتخشى الحكومات من أن يتسبب ذلك في موجة احتجاجات اجتماعية شبيهة بأزمة "السترات الصفراء" في فرنسا قبل سنوات.
من جهة أخرى، تحاول موسكو الاستفادة من هذه الانقسامات عبر تعزيز صادراتها إلى آسيا، لا سيما الصين والهند، وهو ما يقلل من فعالية العقوبات الأوروبية على المدى الطويل. كما أن عودة ترامب إلى المشهد السياسي الأمريكي تضيف عنصرًا جديدًا من عدم اليقين، إذ يُنظر إلى تصريحاته بوصفها مؤشرًا على توجه أمريكي أكثر تشددًا تجاه الحلفاء الأوروبيين، وفقا لصحيفة انفوباى الأرجنتينية.
ويرى خبراء الطاقة أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة. فإذا تمكن الاتحاد الأوروبي من تنويع مصادره بشكل أكبر، من خلال التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة وزيادة واردات الغاز من النرويج وشمال إفريقيا، قد ينجح في تخفيف الاعتماد على روسيا تدريجيًا. لكن في حال فشل هذه الجهود، فإن القارة قد تواجه أزمة طاقة خانقة في شتاء شديد البرودة.
وقالت شركة جازبروم إن أوروبا تعانى من نقص إمدادات الغاز إذا كان الشتاء قارس البرودة، وأوضح أليكسي ميلر، المدير العام للشركة، خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك، أن القارة قد تواجه مشكلات خطيرة في حال انخفاض درجات الحرارة، حسبما قالت صحيفة لا إكونوميستا الإسبانية.
وأضاف ميلر "نحن نشهد وضعاً يزداد تفاقماً..ماذا لو واجهنا شتاء بارداً، شتاءً عادياً بارداً؟ سيكون ذلك مشكلة حقيقية، مشيراً إلى بيانات منظمة البنية التحتية للغاز في أوروبا، بتاريخ 31 أغسطس، التي أظهرت أن ثلثي الغاز المستخرج من مرافق التخزين تحت الأرض في أوروبا خلال الشتاء الماضي تم استهلاكه خلال الأشهر الخمسة الأولى من عملية الضخ، بفارق يقارب 19 مليار متر مكعب.
على الرغم من هذه المخاوف، فإن الأرقام الرسمية تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي نجح في ملء خزانات الغاز بنسبة 76 % حتى أواخر أغسطس 2025، وهو ما يتجاوز الحد الأدنى المطلوب البالغ 75 %. وكانت مستويات التخزين قد انخفضت إلى نحو 34 % مع نهاية موسم الشتاء الماضي، قبل أن تبدأ عملية الضخ المكثفة استعداداً للموسم الجديد، إلا أن المخاوف تكمن فى أن هذا الاحتياطى لا يكفى أيضا الاستخدام فى الشتاء.
في هذا السياق، تتحرك العواصم الأوروبية نحو تعزيز واردات الغاز الطبيعي المسال (LNG) من الولايات المتحدة. فقد وقعت روما وواشنطن اتفاقاً جديداً يهدف إلى توسيع التعاون في مجال الطاقة، مع التركيز على البنية التحتية وتسهيل وصول الشحنات الأميركية إلى السوق الأوروبية.

Trending Plus