دينا الحسينى تكتب: من 11 سبتمبر 2001 إلى 9 سبتمبر 2025.. إلى متى يظل الشرق الأوسط يدفع ثمن سياسات ترسمها واشنطن وتنفذها تل أبيب؟.. واستهداف قيادات حماس بقطر آخر معارك تصفية الحسابات

فى صباح 11 سبتمبر 2001 تغيّر العالم إلى الأبد. الطائرات التى اصطدمت ببرجى مركز التجارة العالمى لم تسقط فقط رموز الاقتصاد الأمريكي، بل دشنت مرحلة جديدة من الهيمنة السياسية والعسكرية على الشرق الأوسط. ومنذ تلك اللحظة، أصبح «مكافحة الإرهاب» العنوان العريض الذى دخلت تحته الولايات المتحدة حروبًا لا تنتهي، وجعلت من منطقتنا ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات.
وبعد 24 عامًا بالتمام والكمال، وقبل يوم واحد من الذكرى الرابعة والعشرين لتلك الهجمات، جاء التاسع من سبتمبر 2025 بضربة إسرائيلية فى قلب الدوحة استهدفت قيادات حركة حماس. الضربة التى وقعت تحت أعين وبتنسيق مسبق مع واشنطن – حسبما أكدت تقارير متعددة – لم تكن مجرد عملية عسكرية عابرة، بل امتداد طبيعى لمسار بدأ مع 11 سبتمبر.
حرب بلا نهاية
من أفغانستان إلى العراق، ومن سوريا إلى اليمن، كانت الذريعة دائمًا واحدة: القضاء على الإرهاب، رفعت واشنطن هذا الشعار لتبرير الغزو والاحتلال، بينما كان الواقع أن الخريطة السياسية للمنطقة تُعاد تشكيلها بالنار والدم.
فى 2001 دخلت القوات الأمريكية كابول بحجة مطاردة القاعدة، فخرجت بعد عقدين تاركة وراءها دولة منهكة وعصابات مسلحة أكثر خطورة فى 2003 غزت العراق بحجة «أسلحة الدمار الشامل» المرتبطة بالإرهاب، فنتج احتلال دموى وانهيار الدولة وصعود "داعش".
فى سوريا واليمن، استُخدم نفس المنطق لتبرير التدخلات، وكانت المحصلة واحدة: فوضى بلا نهاية.
من نيويورك إلى الدوحة
اليوم، تعيد إسرائيل إنتاج نفس الرواية بمباركة أمريكية. تُستهدف الدوحة تحت شعار ملاحقة «قادة حماس»، تمامًا كما كانت بغداد وكابول وصنعاء ودمشق مسرحًا للذرائع ذاتها. الفرق أن الفاعل المباشر هذه المرة ليس واشنطن وحدها، بل تل أبيب، فيما الولايات المتحدة تحافظ على دور «المظلة» التى تمنح الغطاء وتحدد سقف اللعبة.
ثمن لا ينتهي
المفارقة المؤلمة أن من 11 سبتمبر إلى 9 سبتمبر، من نيويورك إلى الدوحة، يظل الثمن مدفوعًا من الشرق الأوسط: ملايين القتلى والجرحى فى العراق وأفغانستان وسوريا واليمن، تدمير اقتصادات وتشريد شعوب بأكملها، إضافة إلى صعود موجات متتالية من التنظيمات الإرهابية، التى وُلدت من رحم الحروب والفوضى نفسها، فضلا عن تهديد سيادة الدول العربية، حتى تلك التى حاولت أن تلعب دور الوسيط والضامن للاستقرار.
الضربة فى قطر لم تكن مجرد استهداف لمبنى أو شخصية، بل كانت استهدافًا لدور سياسى حاول أن يوازن بين الأطراف. الرسالة واضحة: لا حصانة لأحد عندما تتعارض المصالح الأمريكية والإسرائيلية مع حسابات أى طرف إقليمي.
الدور المصري
وسط هذه المعادلة، يبقى لمصر دور محوري. فبينما تضعف الوساطات الأخرى تحت وقع الضربات أو الحسابات الضيقة، تستطيع القاهرة أن تقدم نفسها كقوة إقليمية متوازنة تدير الملفات بحساسية أكبر، بعيدًا عن منطق «الحرب بلا نهاية» الذى لم يحقق استقرارًا لأى طرف.
هذه اللحظة التاريخية بالنسبة لمصر تحمل معنى خاصًا. فمنذ 11 سبتمبر دفعت المنطقة كلها ثمن السياسات الأمريكية، لكن مصر استطاعت أن تحمى نفسها من مصير شبيه بالعراق أو سوريا أو اليمن، بفضل ثورة 30 يونيو التى أغلقت الباب أمام مشروع تحويلها إلى ساحة للفوضى. واليوم، مع ضربة الدوحة، تتأكد الحاجة إلى الدور المصرى كوسيط قوى ومتزن، قادر على أن يملأ فراغ الوساطات الأخرى ويمنع انزلاق المنطقة إلى مزيد من التوتر.
مصر تدرك أن استمرار منطق «الحرب على الإرهاب» كما تفهمه واشنطن وتل أبيب يعنى ببساطة استمرار النزيف. لذلك، هى الأكثر تمسكًا بفكرة الحلول السياسية، والتوازن بين الأمن والاستقرار، بعيدًا عن معادلة «الذريعة الدائمة» التى لم تنتج إلا المزيد من الأزمات.
السؤال الذى لا يختفي
من 11 سبتمبر 2001 إلى 9 سبتمبر 2025، خط واحد ممتد: عنوانه أن المنطقة تدفع الثمن الأكبر دائمًا، وأن الذرائع لا تتغير، بل تُعاد صياغتها بما يخدم مصالح القوى الكبرى. والسؤال الذى يجب أن يُطرح اليوم: متى يتوقف الشرق الأوسط عن أن يكون الضحية الدائمة لسياسات تُرسم فى واشنطن وتُنفذ فى تل أبيب.

Trending Plus