سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 10 سبتمبر 1171.. صلاح الدين الأيوبى يسقط اسم الخليفة الفاطمى من خطبة الجمعة ويترقب رد فعل المصريين ويستعرض قوته وعساكره فى اليوم التالى

بقيت الدولة الفاطمية فى مصر نحو قرنين وهى تحاول بسط سلطانها على ما جاورها من البلاد، وكان امتداد ملكها انقاصا من سلطة دولة العباسيين، وظلت الدولتان متنافستين تعلو كفة العباسية مرة وكذا الفاطمية مرة، إلى أن جاءت الدولة السلجوقية، وكانت الدولة الفاطمية اضمحل أمرها، حسبما يذكر محمد فريد أبو حديد فى كتابه «صلاح الدين الأيوبى».
أنهى صلاح الدين الأيوبى حكم الفاطميين، وكان ذلك إنهاء رسميا للمذهب الشيعى فى مصر، ومضى فى ذلك مسارا طويلا وعميقا، ويرى «أبو حديد» أننا لا نستطيع أن نعرف على وجه البت هل كان لوجود هذه الدولة العلوية فى مصر قرنين أثر فى عقائد أهلها، فإذا كانت الظواهر تدل على أنه لم تكن هناك رسوم دينية خاصة تخالف أساس ما اعتاد أهل السنة فى عباداتهم ومعاملاتهم، فإنه إن كان ثمة شىء من ذلك فهو شىء من الزخرفة والزينة والأبهة فى رسوم الدين، ولم يكن على ما يظهر اختلافا فى أساس العقيدة، فلم يكن خلفاء دولة الفاطميين من غلاة الشيعة.
يشير «أبو حديد» إلى أنه لم يكن بالمصريين كره للدولة الفاطمية، على أنه لم يكن بهم كذلك ميل إلى التضحية بشىء فى سبيلها كما هى عادة الدولة إذ كان حكمها فى يد طائفة معينة دون جمهور الشعب، وعندما أبصر الشعب صلاح الدين على الوزارة ورأى كرمه فى البذل وتصرفه فى الدفاع وقوته فى الحرب أعجب به وأحبه والتف حوله، وكان صلاح الدين منذ أخذ الوزارة فى يده يسعى لتوطيد أمره بأن يجعل الشعب يثق به ويلتف حوله.
يؤكد أبو حديد، أن صلاح الدين آثر ألا يصدم الشعب بتغيير فجائى فبدأ ينشئ المدارس السنية على المذهب الشافعى، وعارض سيده «نور الدين» فى أمر القضاء على الحكم الشيعى من أول الأمر، ويقدم الدكتور عبدالرحمن عزام فى كتابه «صلاح الدين الأيوبى وإعادة إحياء المذهب السنى»، ترجمة الدكتور «قاسم عبده قاسم» تفاصيل كثيرة فى تتبع هذه القضية.
يذكر «عزام»، أن صلاح الدين بدأ بالفعل فى هدم الخلافة الفاطمية وإدخال العقيدة السنية فى مصر، وبحلول صيف 1170 حذف عبارة «حى على خير العمل» الشيعية من الأذان، وبعدها بوقت قصير وضع أسماء الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل «أبوبكر وعمر وعثمان، رضى الله عنهم» فى خطبة الجمعة مجددا قبل اسم على «رضى الله عنه»، وفى الصيف نفسه عين «عيسى الهكارى» قاضيا شافعيا بالقاهرة، وفى مارس 1171 طرد قاضى القضاة الإسماعيلى فى مصر، وعين قاضيا شافعيا كان كرديا أيضا، هو «صدر الدين بن درباس الهذيانى»، الذى لم يضيع وقتا فى إحلال القضاة السنة محل القضاة الشيعة.
يذكر «عزام» أنه فى نهاية صيف 1171 ظهرت أعراض مرض خطير على الحاكم الفاطمى «العاضد»، وعرف صلاح الدين أن عليه أن يتحرك بسرعة لضمان عدم وجود من يخلفه على العرش، وفى «10 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1171» أسقط اسم الخليفة الفاطمى من خطبة الجمعة، لكنه لم يعلن اسم الخليفة العباسى، ويفسر عزام ذلك بقوله: «كان صلاح الدين يخشى رد فعل المصريين، ولأنه كان ميالا للتجربة بطبيعته، فضل أن يعطى نفسه فسحة من الوقت، وكان من دواعى سروره أن إسقاط اسم العاضد لم يستفز أحدا، وهو ما شجعه إلى حد كبير».
يضيف عزام: فى اليوم التالى «السبت» مضى صلاح الدين فى استعراض واضح للقوة، واستعرض عساكره على مرأى من المصريين، وأهم من ذلك على مرأى من المبعوثين البيزنطيين والفرنج الذين كانوا حاضرين، وعندما وصلت الأنباء إلى العاضد الهزيل المريض بإسقاط اسمه من خطبة الجمعة، سأل عن الاسم الذى تم تعيينه، وعندما أخبروه أنهم لم يسمعوا أحدا، أجاب: فى الجمعة التالية يخطبون لرجل مسمى، ولم يعش ليرى الجمعة التالية لوفاته يوم 13 سبتمبر 1171، ولم يكمل الحادية والعشرين من عمره، ولما وصلت الأخبار إلى صلاح الدين وكان جالسا مع القاضى الفاضل، قال: لو علمنا أنه يموت فى هذه الجمعة ما عصصناه برفع اسمه من الخطبة، والتفت القاضى الفاضل معلقا: «لو علم أنكم ما ترفعون اسمه من الخطبة لم يمت».
يضيف عزام: «على الرغم من أن العاضد خلف من بعده ولدا صغيرا، إلا أنه لم يكن هناك نية للاستمرار مع الخلافة الفاطمية، ففى مساء 14 سبتمبر1171 ظهر صلاح الدين علنا أمام تجمع فى القصر، وفوجئ الذين تجمعوا للاستماع إلى ما يقوله حول الموضوع، بأنه آثر الصمت، وتلقى الذين لا يزالون على تمسكهم بأمل إنقاذ ما تبقى من السلالة الفاطمية الرد يوم الجمعة 17 سبتمبر 1171 حينما ذكر اسم الخليفة العباسى فى مساجد الفسطاط والقاهرة».

Trending Plus