"تمهيد ميدانى للمعارك بنيران الإعلام" صناعة الضلال على جثث الأطفال.. انكشاف آلة الدعاية الغربية الشرسة من 11 سبتمبر حتى عدوان غزة.. مسلسل أكاذيب لا ينقطع من حرب العراق إلى التغطية على إبادة القطاع

منذ عقود، لم يكن الإعلام فى الغرب مجرد ناقل للأخبار، بل تحوّل تدريجيًا إلى أداة سياسية تخدم أجندات الدول الكبرى، وتُسهّل تمرير قرارات كارثية على حساب الشعوب، لا سيّما فى الشرق الأوسط. من حرب العراق عام 2003 وحتى العدوان المستمر على غزة، ظل الإعلام الغربى جزءًا من ماكينة متكاملة تروّج للأكاذيب وتُغلفها بالشرعية، لتبرير الحروب والتهجير والدمار.
الأكذوبة الكبرى باسم «أسلحة الدمار الشامل».. قبل أربعة وعشرين عامًا، فى 11 سبتمبر 2001، واجهت الولايات المتحدة أعنف هجمات إرهابية فى تاريخها، ونفّذ هذه الهجمات أعضاء من تنظيم القاعدة الإسلامى المتطرف، وأودت بحياة 2977 شخصًا بريئًا، وتركت أثرًا لا يُمحى على الولايات المتحدة.
وفى صباح الحادى عشر من سبتمبر 2001، انقسم تسعة عشر إرهابيًا إلى أربع مجموعات واختطفوا أربع طائرات تجارية، انطلقت طائرتا يونايتد الرحلة 175 وأمريكان الرحلة 11 من بوسطن. وانطلقت طائرة أمريكان الرحلة 77 من واشنطن العاصمة، وطائرة يونايتد الرحلة 93 من نيوارك، نيوجيرسى، وكانت جميعها متجهة إلى سان فرانسيسكو أو لوس أنجلوس، وكانت تحمل وقودًا كافيًا لإحداث أقصى ضرر.
وكرد فعل، أشعلت هجمات 11 سبتمبر شرارة الحرب العالمية على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، ومع بداية عام 2002، ركزت إدارة الرئيس الأمريكى آنذاك جورج بوش، وحكومة تونى بلير فى بريطانيا على العراق بزعم وجود أسلحة دمار شامل.
وبعد سنوات من غزو مدمر أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد آلاف آخرين وشهد إعدام الرئيس العراقى صدام حسين، تبين أن الإدارتين كذبتا بشأن وجود هذه الأسلحة وتدخلتا لتحقيق مكاسب سياسية تحت غطاء إعلامى لم يتردد فى الترويج لتلك المزاعم.
وفيما يُعد بمثابة إدانة ذاتية مُدمّرة، أقرت صحيفة نيويورك تايمز فى افتتاحية نُشرت فى 26 سبتمبر 2003 بأنها «لم تُعارض قطّ أحد الحجج الأساسية لإدارة بوش» لشنّ حربها على العراق، ألا وهى التهديد المزعوم لأسلحة الدمار الشامل.
ورغم الاعتراف، لم تفسر الافتتاحية، المعنونة «الفشل فى العثور على أسلحة عراقية»، سبب قبول الصحيفة - التى تُعتبر الصوت الأكثر تأثيرًا فيما كان يُعتبر سابقًا مؤسسة ليبرالية فى أمريكا - الحجج الحكومية دون تمحيص.
وتعرضت الصحيفة لانتقادات كثيرة باعتبارها قناة دعاية مجانية للحرب التى شنتها الإدارة واتهمت بتلفيق معلومات استخباراتية كاذبة كذريعة للحرب ونشرت تقارير مستندة إلى معلومات حصرية قدمها أشخاص غير موثوق فيهم.
وبعد أشهر من الغزو، تبين أن مزاعم إدارة بوش وحكومة تونى بلير بشأن الأسلحة العراقية كانت احتيالية، وكشفت مسودة تقرير صادر عن فريق بقيادة الولايات المتحدة مؤلف من 1400 عضو أنه لم يعثر على أى أثر لمئات الأطنان من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التى زعم أنها كانت فى أيدى النظام العراقى.
كما اعترفت الصحيفة ذاتها فى 26 مايو 2004، بأن تغطيتها للأحداث فى الفترة التى سبقت حرب العراق «لم تكن بالدقة المطلوبة»، وفشلت فى التشكيك بشكل كافٍ فى مصداقية المنشقين العراقيين أو فى روايتهم عن معسكرات الإرهاب ووجود أسلحة الدمار الشامل.
وفى مقال من 1200 كلمة، بتوقيع المحررين، كتبت إحدى أعرق الصحف الأمريكية: «بالنظر إلى الماضى، نتمنى لو كنا أكثر جرأة فى إعادة النظر فى الادعاءات مع ظهور أدلة جديدة - أو عدم ظهورها».
وأقر مسؤولو الإدارة بأنهم انخدعوا بمعلومات مضللة وكذلك فعلت العديد من المؤسسات الإخبارية الأمريكية.
وقالت حينها صحيفة «الجارديان» البريطانية إن من بين المقالات الخمس التى قالت «نيويورك تايمز» أنها مضللة حملت ثلاثٌ منها اسم جوديث ميلر، خبيرة الإرهاب البيولوجى فى الصحيفة، وفى 8 سبتمبر 2002، نشرت ميلر مقالًا مشتركًا مع مايكل جوردون فى الصفحة الأولى بعنوان «الولايات المتحدة تقول إن صدام حسين يُكثّف مساعيه للحصول على أجزاء من القنبلة الذرية»، زعم التقرير أن العراق حاول استيراد آلاف أنابيب الألومنيوم عالية القوة لإنتاج اليورانيوم المخصب، وفى النهاية، سلاح نووى.
ونُقل عن مسئولين فى الإدارة قولهم: «قد تكون أول علامة على وجود دليل دامغ».
وكتب مايكل ماسينج، فى مقال بمجلة نيويورك ريفيو ينتقد ميلر وتغطية الصحيفة: «فى الأشهر التالية، أصبحت الأنابيب دعامة أساسية فى حجج الإدارة لشن الحرب، وقد لعبت التايمز دورًا حاسمًا فى إضفاء الشرعية عليها».
وأقرت صحيفة نيويورك تايمز بأنه «كان ينبغى عرضها بحذر أكبر». «وقد سُمح لمسؤولى الإدارة بالحديث بإسهاب عن سبب مطالبة هذا الدليل على النوايا النووية العراقية بإزاحة صدام حسين عن السلطة».
وعندما ظهرت شكوك داخل أجهزة الاستخبارات بشأن الأنابيب، نُشرت القصص فى الصفحة 13، ولم تستجب ميلر لطلبات التعليق على تقريرها.
وفى دراسةٍ لافتتاحياتٍ غير موقعة لمجلة كولومبيا للصحافة، تناول كريس مونى رد فعل وسائل الإعلام الأمريكية على عرض كولن باول حول أسلحة الدمار الشامل أمام مجلس الأمن الدولى، وقال «أكدت جميع الصحف الأمريكية صحة باول، مع أنها لم تكن متأكدة من ذلك على وجه اليقين، باختصار، لقد وثقوا به، وبذلك، فشلوا فى إثارة أدنى شك فى حجج بوش لشن الحرب».
من مزاعم ذبح أطفال إسرائيل لريفيرا ترامب.. وفى 7 أكتوبر 2023، شنت حركة حماس هجوما على إسرائيل، أسفر عن مقتل 1189 شخصا، 251 شخصا كرهائن، وكرد فعل شنت إسرائيل عدوانا دمويا مستمر حتى الآن شهد استشهاد أكثر من 63 ألف فلسطينى أغلبهم مدنيين من الأطفال والنساء وإصابة الآلاف وتجويعهم وتشريدهم، ورغم أن الحرب بدأت فى البداية كرد فعل إلا أنها شأنها شأن الحرب على الإرهاب كان لها سبب خفى يزداد وضوحا يوما بعد يوم متمثل فى تهجير السكان واحتلال القطاع.
وبعد هجوم 7 أكتوبر، تصدرت عناوين وسائل الإعلام الغربية روايات عن ذبح أطفال واغتصاب نساء فى إسرائيل. وتبنت صحف مثل نيويورك تايمز ومؤسسات مثل هيئة الإذاعة البريطانية، «بى بى سى» وغيرها هذه القصص دون تحقق مرة أخرى، رغم أن تحقيقات لاحقة - منها تقرير لـChannel 4 البريطانية - لم تجد دليلاً قاطعًا على صحتها، ومع ذلك، حققت هذه الروايات هدفها: تأجيج الرأى العام العالمى، وخلق حالة من الصدمة تستخدمها إسرائيل لتبرير حملات تهجير وقتل جماعى بحق الفلسطينيين.
ريفييرا ترامب.. الإعلام فى خدمة التهجير الجماعى.. لم يكن نشر الأكاذيب هدفًا بحد ذاته، بل تمهيدًا لمشروع أخطر: التهجير، فى مقال نُشر حديثًا فى الجارديان البريطانية، كُشف النقاب عن خطة تُعرف إعلاميًا بـ«مشروع غزة ريفييرا»، تدعو إلى تحويل غزة إلى منطقة اقتصادية «ساحلية» تحت سيطرة خارجية، بعد «إفراغها من سكانها».
ووضف الكاتب البريطانى جورج مونبيوت، الخطة بأنها «قمة البشاعة»، مُشيرًا إلى أن السياسيين الغربيين يتواطؤون إعلاميًا مع إسرائيل لتسويق المشروع وكأنه «حل سلمى»، بينما هو فى حقيقته تطهير عرقى مدعوم بالرواية الإعلامية.
ونشرت صحيفة واشنطن بوست نشرة مسربة للخطة، التى تتضمن التهجير القسرى لسكان غزة البالغ عددهم مليونى نسمة، ووضع القطاع تحت وصاية أمريكية لعقد على الأقل.


Trending Plus