رأس السنة القبطية.. عيد النيروز يجمع بين التاريخ والروحانية.. من تقويم الفراعنة إلى الكنيسة القبطية حكاية زمن ممتد لآلاف السنين.. البلح والجوافة رموز الشهادة والنقاء فى الطقوس الشعبية..والشهور تحدد موسم الزراعة

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، غدًا الخميس 11 سبتمبر، بعيد النيروز، المعروف بعيد الشهداء، وهو رأس السنة القبطية الجديدة التى تبدأ بشهر "توت"، أول شهور السنة فى التقويم القبطى الممتد بجذوره إلى التقويم المصرى القديم، أحد أقدم التقاويم فى تاريخ البشرية.
ارتبط التقويم القبطى فى الذاكرة المسيحية بدماء الشهداء منذ اعتلاء الإمبراطور دقلديانوس العرش عام 284م، حيث شهدت مصر فى عهده أعتى موجات الاضطهاد ضد المسيحيين، فسُجل هذا العام بداية لتقويم جديد عُرف بـ"تقويم الشهداء". ومنذ ذلك الحين صار عيد النيروز عيدًا للاحتفاء بالإيمان والثبات، وذكرى للشهادة والشهداء الذين ارتوت بدمائهم أرض مصر.
ويُبرز المؤرخون أن الأقباط ربطوا بين رأس السنة المصرية القديمة وعيد الشهداء، إذ كان شهر توت يتزامن مع موسم فيضان النيل، رمز الحياة والخصب، فصار العيد يجمع بين معانى الخلود والنهضة الروحية. بل أن العيد استمر عبر العصور، حتى أن الخلفاء الفاطميين كانوا يشاركون فى الاحتفال به، ويجعلونه عطلة رسمية تُغلق فيها الأسواق وتُوزع الكسوة على رجال الدولة وأسرهم.
ويتميز العيد بعادات شعبية خاصة، أبرزها تناول وتوزيع البلح والجوافة فى الكنائس والبيوت المسيحية، حيث يحمل كل منهما رمزية عميقة مرتبطة بالشهادة، فالبلح الأحمر يشير إلى دماء الشهداء التى أُريقت حبًا فى المسيح، بينما ترمز نواته الصلبة إلى قوة تمسكهم بإيمانهم حتى النفس الأخير. كما يُشبه النخيل بالقدرة على مقابلة الإساءة بالخير، مثلما يقابل النخل الرجم بالتمر.
أما الجوافة، بلونها الأبيض، فتمثل نقاء قلوب الشهداء وصفاء نواياهم، بينما ترمز بذورها الكثيرة إلى الأعداد الغفيرة من الذين استشهدوا وثبتوا على إيمانهم رغم الآلام. ولهذا تعتبر الكنيسة الاستشهاد عيدًا للفرح والانتصار وليس للحزن.
أما كلمة "النيروز" نفسها، فهى مأخوذة من القبطية "نى يارؤو" أى "الأنهار"، فى إشارة إلى تزامن العيد مع اكتمال فيضان النيل، رمز الحياة الجديدة والخصوبة. وقد أضاف اليونانيون لاحقًا حرف "السين" لتصبح "نيروس"، فانتقلت اللفظة إلى العربية على شكل "نيروز"، مع تشابهها مع الكلمة الفارسية التى تعنى "اليوم الجديد".
ويتكون التقويم القبطى من 12 شهرًا: توت، بابة، هاتور، كيهك، طوبة، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤونة، أبيب، مسرى، ثم شهر صغير فى نهاية العام يُعرف باسم "النسيء"، يضم خمسة أيام، ويصبح ستة فى السنوات الكبيسة. وقد احتفظت هذه الشهور بأسمائها الفرعونية حتى اليوم، وظلت مرتبطة بالمواسم الزراعية والأمثال الشعبية المصرية، مما يجعل التقويم شاهدًا حيًا على عمق الامتداد التاريخى للحضارة المصرية.

Trending Plus