طوفان التحولات ونسف الشعارات.. محاولة لفهم 23 شهرا من التفاعلات

ما يجرى فى الإقليم طوال عامين وربما أكثر، بحاجة لفهم وليس للبحث عن إجابات مريحة تمنح شعارات مريحة لكنها خادعة، خاصة فى التعامل مع القضايا المصيرية والصراعات والحروب، حيث يتفوق الأكثر حنكة واحترافية ومعلومات، وليس الأكثر قدرة على سب أعدائه والدعاء عليهم، هذه حقائق تغيب عن كثيرين وهم يتعاملون مع القضية الفلسطينية أو مع التصرفات والانعكاسات والتقاطعات المتعلقة بها، وهى القضية التى شهدت ولا تزال أكبر قدر من المزايدات.
والواقع ان السياسة بين الدول غالبا ما تفتقد لما يسمى الأخلاق، لكنها أيضا يفترض أن تقوم على حد أدنى من التفاهمات.
وهذا الحد الأدنى يغيب فى حالة الاحتلال الإسرائيلى والحرب الدائرة منذ أكتوبر 2023، الاحتلال أعلن أنه ينتقم لعملية طوفان الأقصى التى مثلت خروجا عن قواعد التعامل بين الاحتلال والفصائل، بينما العالم كله يرى أن الاحتلال تجاوز كل مراحل الانتقام وانتقل إلى الإبادة والقتل الممنهج مع حصار وتجويع وتعديد بالتهجير، الاحتلال نجح فى البداية أن يصدر مظلومية أن مواطنيه المدنيين تعرضوا للخطف والقتل، لكن على مدى أكثر من 23 شهرا أنهى كل الحجج وانتقل إلى الإبادة وهنا يعمل الاحتلال فى ظل ضعف وتهافت النظام الدولى، العاجز عن وقف العدوان أو التعامل مع المعتدى أو الحكم بين الطراف المختلفة وإلزام الاحتلال بوقف الحرب على غزة بعد قتل أكثر من 65 ألف أكثر من نصفهم أطفال.
ولم تنجح الأمم المتحدة وأداتها مجلس الأمن فى وقف الحرب أو إلزام الاحتلال بالقانون الدولى، بسبب أن القانون الدولى فى ظل استقطاب وهيمنة أمريكية وفيتو لا يمكنه العمل معطلا ومشلولا.
الحرب لم تتوقف على غزة، وامتدت إلى لبنان وسوريا وايران، واليمن وأطاحت بالكثير من الثوابت والقيادات، حيث نفذت إسرائيل عمليات اغتيال نوعية لقيادات بحماس وحزب الله، واليمن، وهى أطراف يتهمها الاحتلال بأنها التى بدأت تهديد أمن إسرائيل، حيث أعلن حزب الله مساندة جبهة غزة، وانتهى به الحال إلى فقدان جبهة غزة ولبنان، وهو ما تم فى سوريا التى ظلت تواجه تفاعلات حرب أهلية وحروب بالوكالة، لكن ظروف ما بعد 7 أكتوبر أنهت التحول الداخلى وأطاحت بنظام الأسد، بعد سنوات ظل فيها قادرا على البقاء.
ولم تتوقف التطورات عند هذا الحد، حيث أعلن نتنياهو والاحتلال ان أياً من الأطراف التى تتداخل مع الصراع، لا يمكن أن تكون بعيدة عن الضربات الإسرائيلية بل إنهم يقدمون تبريرات لعمليات مثل محاولة اغتيال قيادات حماس فى الدوحة بالرغم من أنهم يفترض أن وجودهم فى الدوحة ضمن اتفاق مع إسرائيل والولايات المتحدة، وفى تبرير هذا كتب آبى جرينوالد مدير تحرير مجلة كومنتارى اليهودية الأشهر والأقوى تأثيرا فى الولايات المتحدة، حسب وصف عزت إبراهيم رئيس تحرير الأهرام ويكلى، ما تفعله إسرائيل ونتنياهو حاليا «إن إسرائيل بصدد خلق عالم جديد، فى العالم الذى سبق السابع من أكتوبر، كانت الحكومات الشرعية تسمح للإرهابيين بأن يقتلوا قليلاً، ثم يختبئوا قليلاً، ثم يتفاوضوا قليلاً، ثم يقتلوا أكثر، وكان مطلوباً من إسرائيل أن تشارك فى هذه اللعبة، أما فى العالم الذى يُولد اليوم، فإن إسرائيل تقتل الإرهابيين أينما كانوا وفى أى مرحلة من مراحل نشاطهم، إنه عالم يقوم على انسجام أخلاقى أكبر، وعدالة أسرع، وأمن أكثر ديمومة»، هذا وصف جرينوالد لما يجرى، وهو أمر يمثل رؤية قطاعات واسعة من اليهود لما يجرى باعتباره تحولا كبيرا فى طريقة التعامل واللعبة السياسية.
وما يطرحه مؤيدو الاحتلال فى سياساته ينطلقون من أن ما يجرى هو إنهاء لأوضاع سادت، وهو هنا يشير أيضاً إلى أنه حتى فى التفاهمات الخاصة بوجود حماس فى الدوحة، أو اتفاقات لدخول أموال إلى غزة من خلال قطر وبمعرفة تل أبيب كانت أيضاً جزءا من هذا التوازن الذى اختل أو يفترض أنه انتهى بعد 7 أكتوبر.
وهذا النوع من التبرير أو التفسير يفترض وضعه فى الاعتبار أثناء النظر لما يجرى طوال عامين، وما إذا كان يجب النظر إليه والحرب تقترب من دخول العام الثالث أطاحت بالكثير من الثوابت والشعارات فى طريقها، وحتى الاتفاقات والتفاهمات سقطت بعد عملية 9 سبتمبر فى الدوحة، والتى يعتبرها نتنياهو ردا على عمليات الاغتيال فى القدس أو غيرها، وهى تبريرات تنطلق عن قناعة أو ادعاء بالدفاع عن أمن إسرائيل، ونفس الأمر فيما يتعلق بقصف اليمن، ويرى نتنياهو أن الحوثيين هم من بدأوا فى إطلاق الصواريخ على إسرائيل، ومهاجمة السفن الإسرائيلية فى البحر الأحمر.
كل ما يجرى طوال عامين بعد الطوفان، يؤكد أنه يختلف عن سوابق المواجهات، ويتطلب قراءة أخرى بعيدة عن الشعارات المريحة، ولا أحد يزايد على مواقف أحد لكن التطورات جميعا تشير إلى صحة الرؤية المصرية فى كل الاتجاهات من حيث التعامل قبل الحرب وبعدها أو الدفع لبناء مواقف تقدم الصالح الفلسطينى، وتسعى لبناء وحدة بعيدا عن التشرذم أو التحرك بالوكالة لخدمات ملفات أخرى، حيث يبدو دائما أن الاحتلال هو الطرف الأكثر استعدادا لمواجهة تداعيات الطوفان بعيدا عن أخلاقيات أو قوانين غير موجودة أصلا فى عالم السياسة والصراعات والحرب.


Trending Plus