المثلث الأخضر فى شمال سيناء.. من رمال الصحراء إلى واحات عامرة.. يضم قرى قاطية وأقطية والمريح والجناين.. صنع سكانها لوحة زراعية مدهشة من الزيتون والنخيل والرمان.. الدولة وفرت خدمات وبنية تحتية متكاملة.. صور

حيث اعتادت الرمال أن تبسط سلطانها بلا منازع، بزغت حكاية مغايرة ترويها أربع قرى صغيرة على اطراف شمال غرب سيناء اسمها "قاطية وأقطية والمريح والجناين" هناك، تحولت الأرض من صحراء صامتة لا يزهو فيها سوى نخيل متفرق، إلى لوحة زراعية مدهشة تكسوها أشجار الزيتون والرمان والخضروات والفواكه، حتى غدت تعرف اليوم بـ"المثلث الأخضر". ليس الاسم مجرد وصف جغرافي، بل شهادة على إرادة البشر الذين كافحوا، ومعهم الدولة، ليصنعوا من الصحراء واحات خصبة تسر الناظرين وتختزن بين جنباتها حكايات التاريخ وأصداء التراث.
حكاية "المثلث الأخضر"
بهذه المناطق تتشابك خيوط التاريخ مع خضرة الحقول، تروي حكاية "المثلث الأخضر" كيف انتصرت إرادة الإنسان على قسوة الطبيعة، اليوم تبدو لوحة زراعية مترامية الأطراف تتزين بالزيتون والرمان والخضروات والفواكه إلى جانب النخيل، شجرة المكان الأصيلة التي امتدت بفروع جديدة وأنواع مستحدثة. مشهد المنطقة من علٍ يكشف مساحة خضراء ممتدة، تخترقها طرق حديثة، يجاورها شمالاً الطريق الدولي، وعلى مقربة منها تمتد القرى الساحلية، بينما يعبرها خط السكة الحديد وترعة السلام، فيتجسد تداخل الماضي بالحاضر، وتترابط خيوط التنمية مع حياة الناس اليومية.
في هذه القرى، تسابق الأيادي الزمن لتستصلح ما تبقى من مساحات لم تزرع بعد، فيما يُولي الأهالي اهتماماً بالغاً بما تحقق على الأرض من مشروعات زراعية وخدمية. التعليم في صدارة أولوياتهم، وقد خرجت من بين أبنائهم أجيال من الأطباء والمهندسين والمعلمين وسائر أصحاب المهن. علي سالم، أحد شباب المنطقة، يقف أمام حقول الزيتون مبتسماً وهو يتذكر أيام دراسته في المدرسة الزراعية التي شيدت على ربوة مرتفعة تطل على المثلث الأخضر، قائلاً: "كنا نرى من نوافذ الصفوف مساحات الرمال تتحول يوماً بعد يوم إلى أراضٍ خضراء، وفي تلك المدرسة تعلمنا الزراعة الحديثة، فصرنا نزرع ونحصد بوعي أكبر وإيمان أعمق بأن الأرض قادرة على العطاء."
إدخال زراعات موسمية جديدة
أما الشيخ حميد منصور، أحد رموز المنطقة وقياداتها المجتمعية، فيستعيد مشوار الكفاح الممتد لأكثر من عقدين، موضحاً أن أبناء المثلث الأخضر بدأوا زراعة الزيتون منذ أكثر من عشرين عاماً، واليوم أصبحت الثمار تُصدّر إلى أسواق عربية وأوروبية. يضيف: "هذه المنطقة لم تُروَ إلا بعرق أهلها، فقد سهروا الليالي لمد شبكات الري وتسوية الأرض وزراعتها، فتحولت من صحراء إلى بساتين عامرة. واليوم نستعد لإدخال زراعات موسمية جديدة تزيد من تنوع المحاصيل." ولم يغفل الشيخ منصور دور الدولة، مؤكداً أنها قدمت دعماً كبيراً عبر بنية تحتية متكاملة، فكل وزارة تركت بصمتها في المنطقة، من محولات الكهرباء وشبكات المياه إلى بناء المدارس النموذجية المجهزة بالتكنولوجيا الحديثة، فضلاً عن إنشاء محطة سكة حديد لخدمة الأهالي، ومساجد جديدة عززت رسالة الخطاب الديني الوسطي، وصولاً إلى أكبر تجمع أزهري في قاطية. كما أشار إلى كلية العلوم الزراعية التي افتتحت لخدمة أبناء المنطقة، وصالة الإبداع الرقمي التي فتحت أبوابها للشباب، إضافة إلى مكاتب البريد، المخابز، ودور المناسبات التي تخدم أنشطة المجتمع.
الشيخ محمد عيد، أحد وجهاء قرية أقطية، يرى أن قريته تمثل نموذجاً قديماً للعيش المشترك بين القبائل، حيث اعتمد الأهالي في البداية على النخيل ثم توسعوا في زراعة الزيتون. ويقول: "أقطية لم تكن مجرد قرية، بل تاريخ ممتد، ففيها آثار قصراويت القديمة وآبار ما زالت شاهدة على أزمنة غابرة. أبناؤها قاوموا الاحتلال الإسرائيلي بشجاعة وفيها مدارس ووحدات صحية وملاعب رياضية، ومع كل جيل جديد تزداد القامات التعليمية التي تخرج من القرية."
الدولة لم تبخل على الأهالي بشيء
ومن زاوية تنموية، يوضح الدكتور محمد عبد الهادي، الخبير في شؤون التنمية بسيناء، أن المثلث الأخضر يمتد جغرافياً بين قرية أم عقبة جنوباً حتى طريق ٣٠ يونيو شمالاً، ومن الفتح غرباً إلى ترعة السلام شرقاً، ويحتضن أقدم نخيل في سيناء الممتد حتى قاطية. ويشير إلى أن هذه القرى لعبت الدور الأبرز في انتشار زراعة الزيتون بمركز بئر العبد كله، موضحاً أن سكان أقطية كانوا أول من مارس الزراعة بشكل منظم، وأول من اتجه إلى زراعة الخضروات ثم الزيتون، حتى صاروا نموذجاً يُحتذى في تحويل الصحراء إلى واحات خضراء. ويضيف: "الدولة لم تبخل على الأهالي بشيء، فقد وفرت شبكة طرق متكاملة وكهرباء تغطي كل شبر، لكن الرغبة الصادقة من المواطنين صنعت ثورة زراعية حقيقية انعكست على مختلف مناطق شمال سيناء."
في جانب آخر، يتحدث الباحث في التراث السيناوي حسن سلامة بلغة شاعرية عن نخيل قاطية العتيق، الذي ظل صامداً أكثر من مئة وخمسين عاماً، قائلاً: "إنه ليس مجرد واحة، بل ذاكرة حية. هناك، كانت العائلات تفد من كل مكان أيام نضوج البلح، يقيمون السهرات ويتبادلون الأحاديث تحت ضوء القمر. على مقربة منه يقع بئر حجاج، أقدم آبار المنطقة، الذي وفر الماء للناس ودوابهم عقوداً طويلة. هذه الأماكن تشهد على تاريخ حيّ يتناقل عبر الأجيال." ويستعيد حكايات كبار السن عن الغابة التي كانت تحد النخيل غرباً، بأشجار الطرفا والسمار، حيث كان السامر الليلي يجمع الناس للمرح والإنشاد.
الدرب السلطاني
ولا تقف الحكاية عند حدود الذاكرة الشعبية، بل تمتد إلى صفحات التاريخ. فقرية قاطية كانت محطة بارزة على "الدرب السلطاني" الذي سلكه عمرو بن العاص أثناء فتح مصر. في العصر المملوكي ازدهرت كمدينة تجارية ذات ميناء على البحر بمنطقة الطينة، وذكرت كثيراً في كتابات الرحالة المسلمين. تضم آثارها مسجداً عثمانياً، وبئراً أعاد إبراهيم باشا ترميمه في القرن التاسع عشر، كما تحوي منطقة صناعية وسوقاً قديماً. أما تل قصراويت فيمثل بقايا مدينة ترجع إلى العصر النبطي، شاهداً آخر على العمق التاريخي لهذه الأرض.
وبين التاريخ والتراث، تنسج الدولة اليوم خيوط المستقبل عبر مشروعات خدمية حديثة، من دار مناسبات على مساحة ١٦٠٠ متر تخدم الحياة الاجتماعية والثقافية، إلى وحدة صحية حديثة أعادت الثقة للمواطنين في الرعاية الطبية. كل ذلك يؤكد أن المثلث الأخضر لم يعد مجرد وصف بل صار حقيقة نابضة بالحياة. هنا تتجاور النخلة التي قاومت الزمن مع شجرة الزيتون الحديثة، يلتقي الماضي بالحاضر، وتتشابك خضرة الأرض مع طموحات الإنسان، ليظل المثلث الأخضر عنواناً على إرادة الحياة في سيناء.

اللون الاخضر

النخيل القديم

النخيل يعانق الذيتون

خدمات التعليم

خدمات ثقافية_1

خدمات متكاملة_1

خدمات وزراعة_2

زراعة نخيل البارحي

عمار ممتد

مراكز الشباب_3

مزارع النخيل الحديثة

مزارع بكل الانواع

مزارع بكل المناطق_1

مساحات اشجار الزيتون_1

مشاهد اللون الاخضر

ملاعب مجهزة

مناطق اثريه_1

مناطق المثلث الاخضر

ميدان الشهداء_2

نخيل وزيتون

وحدات صحية

Trending Plus