ذكرى هجرة الرسول.. محمد حسين هيكل يذكر الأعاجيب الثلاثة فى "حياة محمد"

تحل، اليوم، ذكرى هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة، حسب التقويم الميلادى، ولم تكن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمر السهل اليسير بل شهدت الكثير من الأحداث التى لاقاها الرسول مع أبى بكر الصديق.
ويذكر محمد حسين هيكل في كتاب "حياة محمد" قصة الهجرة وما جرى للنبى وصاحبه أبى بكر الصديق فيقول: كان أبو بكر قد أعد راحلتيه ودفعهما إلى عبد الله بن أريقط يرعاهما لميعادهما فلما اعتزم الرجلان مغادرة مكة لم يكن لديهما ظلٌّ من ريب في أن قريشًا ستتبعهما؛ لذلك اعتزم محمد أن يسلك طرقًا غير مألوفة، وأن يخرج إلى سفره فى موعد كذلك غير مألوف.
حصار الدار ودور على بن أبى طالب
وكان هؤلاء الشبان الذين أعدت قريش لقتله يحاصرون داره فى الليل مخافة أن يفر، ففى ليلة الهجرة أسرَّ محمد إلى عليِّ بن أبى طالب أن يتسجَّى برده الحضرميَّ الأخضر وأن ينام في فراشه، وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس. وجعل هؤلاء الفتية من قريش ينظرون من فرجة إلى مكان نوم النبيِّ، فيرون في الفراش رجلًا فتطمئن نفوسهم إلى أنه لم يفرَّ، فلما كان الثلث الأخير من الليل خرج محمد في غفلة منهم إلى دار أبي بكر وخرج الرجلان من خوخة في ظهرها، وانطلقا جنوبًا إلى غار ثور؛ فاتجاههما نحو اليمن لم يكن مما يرد بالبال.
لم يعلم بمخبئهما في الغار غير عبد الله بن أبي بكر وأختيه عائشة وأسماء ومولاهم عامر بن فهيرة.
أما عبد الله فكان يقضي نهاره بين قريش يستمع ما يأتمرون بمحمد ليقصه ليلًا على النبيِّ وعلى أبيه. وأما عامر فكان يرعى غنم أبي بكر، وكان إذا أمسى أراح عليهما فاحتلبا وذبحا. وإذا عاد عبد الله بن أبي بكر من عندهما تبعه عامر بالغنم فعفَّى على أثره. وأقاما بالغار ثلاثة أيام كانت قريش أثناءها تجدُّ في طلبهما غير وانية. وكيف لا تفعل وهي ترى الخطر محدقًا بها إن هي لم تُدرك محمدًا ولم تحل بينه وبين يثرب؟! أما الرجلان فأقاما بالغار ومحمد لا يفتر عن ذكر الله، إليه أسلم أمره وإليه تصير الأمور، وأبو بكر يُرهف أذنه يريد أن يعرف هل الذين يقْفُون أثرهما قد أصابوا من ذلك نجاحًا.
وأقبل فتيان قريش، من كل بطن رجل، بأسيافهم وعصيهم وهراواتهم يدورون باحثين في كل اتجاه. ولقوا راعيًا على مقربة من غار ثور سألوه؛ فكان جوابه: قد يكونان بالغار، وإن كنت لم أر أحدًا أمَّه.
وتصبب أبو بكر عرقًا حين سمع جواب الراعي، وخاف أن يقتحم الباحثون عنهما الغار، فأمسك أنفاسه وبقي لا حراك به وأسلم لله أمره. وأقبل بعض القرشيين يتسلقون إلى الغار، ثم عاد أحدهم أدراجه، فسأله أصحابه: ما لك لم تنظر في الغار؟ فقال: إن عليه العنكبوت من قبل ميلاد محمد، وقد رأيت حمامتين وحشيتين بفم الغار فعرفت أن ليس أحد فيه. ويزداد محمد إمعانًا في الصلاة ويزداد أبو بكر خوفًا، فيقترب من صاحبه ويُلصق نفسه به، فيهمس محمد في أذنه: لا تحزن! إن الله معنا.
وفي رواية كتب الحديث: أن أبا بكر لما شعر بدنوِّ الباحثين قال هامسًا: لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا.
فأجابه النبي: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!
وزاد القرشيين اقتناعًا بأن الغار ليس به أحد أن رأوا الشجرة تدلت فروعها إلى فوهته، ولا سبيل إلى الدخول إليه من غير إزالة هذه الفروع. إذ ذاك انصرفوا وسمع اللاجئان تناديهم للأوبة من حيث أتَوْا؛ فازداد أبو بكر إيمانًا بالله ورسوله، ونادى محمد: الحمد لله، الله أكبر.
نسيج العنكبوت والحمامتان والشجرة، تلك هي المعجزة التي تقص كتب السيرة في أمر الاختفاء بغار ثور ووجه المعجزة فيها أن هذه الأشياء لم تكن موجودة، حتى إذا لجأ النبي وصاحبه إلى الغار أسرعت العنكبوت إلى نسيج بيتها تستر به من في الغار عن الأعين، وجاءت الحمامتان فاضتا عند بابه، ونمت الشجرة ولم تكن نامية.

Trending Plus