لابد من وقفة.. أغنى دول الاتحاد الأوروبى تعقد اجتماعا سريا بفيينا لحل أزمات الميزانية.. انقسامات بين معسكر الدافعين وأصدقاء التكتل بعد اقتراح ميزانية 2 تريليون يورو.. وبولندا الفائز الأكبر تخشى خلافها مع أوربان

تجتمع اليوم، أغنى دول الاتحاد الأوروبى، في العاصمة النمساوية فيينا،  لتشكيل جبهة موحدة استعدادًا لمفاوضات  ميزانية الاتحاد الأوروبي المقبلة، التي ستمتد لسبع سنوات مقبلة.

وأشارت صحيفة بولتيكو في نسختها الأوروبية، إلى أن هذه هي المرة الأولى التي  يجتمع فيها كبار المسؤولين من الدول الأكثر ثراءً داخل الاتحاد الأوروبي   مثل فرنسا وألمانيا ودول الشمال الأوروبي  في غرفة واحدة لوضع استراتيجية مشتركة تجاه الاقتراح المثير للجدل الذي تقدمت به المفوضية الأوروبية لفرض ميزانية قيمتها 1.816 تريليون يورو.

ويهدف الاجتماع إلى تشكيل كتلة تفاوضية قوية قبل الدخول في محادثات مع دول مثل بولندا وإسبانيا وإيطاليا، التي تطالب بزيادة الإنفاق، خصوصًا على الزراعة وتمويل المناطق الأكثر فقرًا في القارة.

وكشفت المفوضية الأوروبية يوليو الماضى،  عن مشروع الميزانية، لينشغل به  المسؤولون في الدول الأعضاء  لتحليل الأرقام وتحديد المكاسب والخسائر المحتملة لكل دولة من خطة الإنفاق الجديدة.

وعلى الرغم من أن المفاوضات الرسمية لم تبدأ إلا منذ وقت قصير إلا أن  الاستعدادات خلف الكواليس انطلقت بالفعل، حيث بدأ موظفو الخدمة المدنية في الدول المتقاربة في التفكير السياسي والاقتصادي لوضع تصورات موحدة.

وزراء دول الاتحاد الأوروبى  يجتمعون في أكتوبر المقبل لمناقشة الموازنة رسميًا

وسجتمع وزراء دول الاتحاد الأوروبى  في أكتوبر المقبل لمناقشة الموازنة رسميًا، حيث تتجمع الدول ذات المصالح المتشابهة، بعد  كل جولة تفاوضية،  في تكتلات منسقة لتطوير خطوط  مشتركة، وتعقد اجتماعات مع المفوضية، وتتقاسم المهام العملية مثل اختبار الصيغ الخاصة بتخصيص الأموال، بهدف حسم المفاوضات لصالح توجيه ميزانية الاتحاد الأوروبي الضخمة نحو أولويات كل تجمع.

ووصف عضو البرلمان الأوروبي البولندي يانوش ليفاندوفسكي، الذي شغل منصب مفوض ميزانية الاتحاد بين 2010 و2014، التكتلات بأنها تشبه عالم كرة القدم،  حيث يصبح الأمر أقرب إلى مباراة تكتيكية .

وانقسمت الدول الأعضاء الـ27 إلى معسكرين رئيسيين: الأول هو معسكر  الدافعين من الدول الغنية مثل السويد و فرنسا  التي تدفع أكثر مما تتلقى من الميزانية الأوروبية، وتفضل في العموم إنفاقًا أقل.

أصدقاء التكتل 

أما المعسكر الثاني، المعروف باسم  أصدقاء  التكتل، ويضم دول جنوب وشرق أوروبا مثل إيطاليا وإسبانيا وبولندا، ويطالب بميزانية أكبر خاصة لصناديق التماسك الداعمة للمناطق الأفقر في الكتلة الأوروبية.

ويؤكد ستيفان إمهوف، الأمين العام لوزارة المالية الاتحادية النمساوية، أن الإطار المالي للاتحاد  لا تحدده الحسابات الاقتصادية فقط، بل تلعب فيه الاعتبارات التاريخية دورًا محوريًا،  ورغم وضوح الانقسام، توجد أيضًا اختلافات داخل كل معسكر،  فعلى سبيل المثال، تختلف أجندات فرنسا وهولندا بشكل جذري حول قضايا مثل الديون المشتركة على مستوى الاتحاد الأوروبي، حيث تؤيد باريس تلك السياسة بينما تعارضها هولندا.

فيما تبدو فرنسا أقرب إلى بولندا في مسألة الدعم الزراعي، على الرغم من انتمائها إلى معسكر مختلف، لكن  هذه الخلافات عادةً ما يتم حلها داخليًا ليتم التوصل إلى موقف موحد بشأن القضايا الرئيسية مثل الحجم الإجمالي للميزانية.

ومن المقرر أن تتولى فرنسا وألمانيا قيادة الاجتماع الجماعي في فيينا، وفي المعسكر الآخر، عادةً ما تتولى بولندا زمام المبادرة باعتبارها الدولة الأكثر استفادة من الميزانية الأوروبية، غير أن علاقتها التاريخية الوثيقة مع المجر تعرضت للاهتزاز بسبب الخلافات الأخيرة مع رئيس الوزراء فيكتور أوربان، والتي دفعت المفوضية إلى حجب مليارات اليوروهات من التمويل عن بودابست.

كما منح هذا الوضع دول البحر الأبيض المتوسط، الداعمة بدورها لزيادة تمويل المناطق الفقيرة، فرصة أكبر للعب دور تنسيقي داخل التحالف، ففي الأول من سبتمبر، استضافت مالطا اجتماعًا لخبراء الميزانية من مجموعة  "أصدقاء التكتل" مهد الطريق لأول اجتماع فني بين جميع دول الاتحاد الـ27 في اليوم التالي.

توقعات المفاوضون 

ويؤكد المفاوضون المخضرمون أن القرارات الكبرى غالبًا ما تحسم في مثل هذه الاجتماعات غير الرسمية، ففي مارس الماضي، وافقت الدول الدافعة   على تخصيص 175 مليار يورو لبرنامج الأبحاث "هورايزون"، وهو ما صادقت عليه المفوضية لاحقًا، خلال لقاء غير رسمي في هلسنكي.

أما المفوضية الأوروبية فتراقب الاجتماعات،  ساعية إلى دفع الحكومات الوطنية للتمسك قدر الإمكان باقتراحها الأصلي أثناء المفاوضات مع المجلس والبرلمان الأوروبيين، وفي الأشهر المقبلة، سيقوم مفوض الميزانية بيوتر سيرافين  السفير البولندي السابق لدى الاتحاد الأوروبي، بدور الوسيط بين معسكري  الدافعين  وأصدقاء التماسك .

وذكرت "شبكة يورونيوز" فى تقرير لها ان رئيس المفوضية الأوروبية فون دير لاين،  أن اعتماد هذه الميزانية يتطلب إجماع الدول الـ27 الأعضاء، إلا أن الاجتماع الوزاري الأول أظهر ملامح التوتر، مع تركيز الانتقادات الأولية على حجم الميزانية.

من جانبها قالت ماري بيير، وزيرة الشؤون الأوروبية في الدنمارك، التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي:"لا توجد أي دولة مستعدة لقبول الميزانية بصيغتها الحالية، هذا نقاش طويل ومعقد، وهناك تباين واضح في وجهات النظر حول هيكلة الميزانية، لكن أوروبا بحاجة إلى ميزانية ".

وتمول الميزانية طويلة الأمد، المعروفة باسم الإطار المالي متعدد السنوات (MFF)، من خلال مساهمات وطنية ومن موارد خاصة بالاتحاد و تشمل ضرائب موحدة.

وفي مقترحها الجديد، دعت فون دير لاين إلى إضافة ثلاث ضرائب جديدة على النفايات الإلكترونية ومنتجات التبغ والشركات التي تتجاوز مبيعاتها السنوية 100 مليون يورو، إلى جانب تطوير ضريبة الكربون وآلية تسعير الانبعاثات.

وتتوقع المفوضية جمع أكثر من 58 مليار يورو سنويًا من هذه الموارد، لتغطية التزامات ديون كوفيد دون اللجوء لطلب مساهمات إضافية من الدول الأعضاء.

لكن بعض الدول، خاصة من شمال أوروبا، أعربت عن رفضها القاطع للضرائب الجديدة، فيما رفضت ألمانيا فكرة إصدار دين مشترك جديد.