تقرير صادم لمنظمة العمل الدولية.. 138 مليون طفل لا يزالون فى سوق العمل.. 54 مليونا منهم بأعمال خطرة.. والقارة الإفريقية تحتضن ثلثى الأطفال العاملين بالعالم بواقع طفل من كل خمسة.. ومناطق النزاعات أعلى بـ4 أضعاف

◄ 57 % من الأطفال العاملين تحت سن الثانية عشرة
كشف تقرير عالمي جديد صادر عن منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عن حقيقة مقلقة ومزدوجة، فبينما عاد العالم إلى مسار التقدم في مكافحة عمالة الأطفال، لا يزال 138 مليون طفل، أي ما يعادل 7.8% من أطفال العالم الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاما، منخرطين في سوق العمل حتى عام 2024، ويزداد الأمر خطورة عند النظر إلى أن 54 مليونا من هؤلاء الأطفال يعملون في أعمال خطرة، تعرض صحتهم وسلامتهم ومستقبلهم للخطر المباشر، وهو ما يمثل حوالي 40% من إجمالي الأطفال العاملين.
يأتي تقرير "عمالة الأطفال": التقديرات العالمية لعام 2024، الاتجاهات والطريق إلى الأمام" ليقدم صورة شاملة ومفصلة عن واقع هذه الظاهرة المعقدة، ورغم أن هذه الأرقام لا تزال مرتفعة بشكل غير مقبول، إلا أن التقرير يحمل بصيص أمل، حيث يؤكد أن الجهود العالمية تؤتي ثمارها، فقد شهد العالم انخفاضا ملحوظا في عدد الأطفال العاملين بأكثر من 20 مليون طفل بين عامي 2020 و2024، كما انخفض عدد الأطفال في الأعمال الخطرة ب 25 مليونا خلال الفترة نفسها.
هذا التقدم يمثل نجاحا هائلا، خاصة عند النظر إلى الصورة الأوسع؛ فمنذ عام 2000، تراجع عدد الأطفال العاملين بأكثر من 100 مليون طفل، رغم زيادة عدد سكان العالم من الأطفال ب 230 مليونا فى نفس الفترة، ومع ذلك، فقد أخفق العالم في تحقيق الهدف 8.7 من أهداف التنمية المستدامة الذي كان يطمح إلى إنهاء عمالة الأطفال بحلول عام 2025، ويشير التقرير إلى أن تحقيق هذا الهدف بحلول عام 2030 يتطلب تسريع وتيرة التقدم لتصبح أسرع 11 مرة مما هي عليه الآن، وهي دعوة صريحة لتحرك عالمي عاجل وواسع النطاق.
ويكشف التقرير عن تفاصيل دقيقة حول هوية هؤلاء الأطفال والظروف التي يعيشونها، والذى قسمها إلى عدة عوامل، هى:
حسب العمر: الفئة الأكثر ضعفا هي الأصغر سنا، يشكل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاما النسبة الأكبر من العمالة، حيث يبلغ عددهم 79 مليون طفل، أي ما يعادل 57% من الإجمالي، ورغم أن هذا الرقم شهد انخفاضا منذ عام 2020، إلا أنه لا يزال أعلى مما كان عليه في عام 2012، مما يدل على أن التقدم في حماية هذه الفئة العمرية الحساسة كان بطيئا وغير متكافئ.
حسب الجنس: يظهر التحليل أن الفتيان أكثر عرضة للانخراط في عمالة الأطفال (9% من إجمالي الفتيان) مقارنة بالفتيات (7% من إجمالي الفتيات)، وتتسع هذه الفجوة مع تقدمهم في العمر ولكن هذه الأرقام تخفي حقيقة أعمق، فعند احتساب الأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر لأكثر من 21 ساعة أسبوعيا، تنقلب الصورة، حيث يتجاوز معدل انتشار عمالة الأطفال بين الفتيات نظيره لدى الفتيان، مما يسلط الضوء على العبء غير المتناسب الذي تتحمله الفتيات في الأعمال المنزلية.
حسب القطاع: وتتركز عمالة الأطفال بشكل كبير في قطاع الزراعة، الذي يستوعب 61% من إجمالي الأطفال العاملين، أي ما يعادل أكثر من 83 مليون طفل يعملون في الحقول والمزارع العائلية، يليه قطاع الخدمات بنسبة 27%، ثم قطاع الصناعة بنسبة 13%، والذي يشمل أعمالا خطرة مثل التعدين والبناء.
وتختلف هذه الصورة من منطقة لأخرى، فبينما يعمل 7 من كل 10 أطفال فى أفريقيا جنوب الصحراء في الزراعة، نجد أن ثلث الأطفال العاملين في أمريكا اللاتينية وشرق آسيا يعملون في قطاع الخدمات، مما يعكس تنوع الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وتتجلى التفاوتات الجغرافية بشكل صارخ حين ننظر إلى الخريطة العالمية:
ففي أفريقيا جنوب الصحراء: تحتضن هذه المنطقة وحدها 87 مليون طفل عامل، أي ما يقرب من ثلثي العدد الإجمالي العالمي (63%)، كما تسجل أعلى معدل انتشار للظاهرة، حيث يبلغ 22%، أي أن طفلا من بين كل خمسة أطفال تقريبا هو طفل عامل، ورغم أن المنطقة حققت تقدما في خفض نسبة الانتشار منذ عام 2020، إلا أن العدد المطلق للأطفال العاملين لم ينخفض، وذلك بسبب النمو السكاني السريع الذي تشهده القارة.
آسيا والمحيط الهادئ: شهدت هذه المنطقة أكبر قدر من التقدم، حيث انخفضت أعداد الأطفال العاملين بنسبة 43% منذ عام 2020، ليصل العدد إلى حوالي 28 مليون طفل.
الأمريكتان: يوجد في الأمريكتين حوالي 7.5 مليون طفل عامل، وقد شهدت أمريكا اللاتينية والكاريبي انخفاضا بنسبة 11% في الأعداد المطلقة.
وأشار إلى أنه لا يمكن فهم استمرارية عمالة الأطفال دون النظر إلى الأسباب الجذرية التي تغذيها، حيث تتغذى هذه الأزمة على جذور عميقة من الفقر وانعدام الاستقرار، فالصلة بين الدخل وعمالة الأطفال واضحة، ففي البلدان منخفضة الدخل، نجد أن ربع الأطفال (25%) يعملون، مقارنة بأقل من 1% في الدول مرتفعة الدخل، كما أن البلدان ذات مؤشر التنمية البشرية المنخفض تسجل نسبة تصل إلى 20%، مقابل 2% فقط فى الدول ذات التنمية العالية، وتتفاقم الظاهرة في مناطق النزاع والهشاشة، كما يبرز تغير المناخ كعامل خطر متزايد يدفع الأسر نحو الفقر ويزيد من اعتمادها على عمل أطفالها.
الصراعات: وتتفاقم الظاهرة فى مناطق النزاعات، حيث يصل معدل انتشار عمالة الأطفال في المناطق المتأثرة بالصراعات إلى 21%، وهو أكثر بأربعة أضعاف من المناطق المستقرة.
وأكد أن الآثار المترتبة على هذه الظاهرة مدمرة، خاصة على التعليم، تشكل عمالة الأطفال حاجزا منيعا أمامه، فبيانات التقرير تظهر أن 31% من الأطفال العاملين في سن التعليم الإلزامي لا يذهبون للمدرسة، وهي نسبة كارثية مقارنة بـ8% فقط من غير العاملين، ويتفاقم الوضع بالنسبة للمراهقين الأكبر سنا (15-17 عاما)، حيث إن 59% منهم خارج النظام التعليمى تماما، ولا يقتصر الضرر على الحضور، بل يمتد إلى جودة التعلم، فالأطفال العاملون هم أقل بنسبة 30% فى تحقيق مهارات القراءة والحساب الأساسية مقارنة بأقرانهم، وفي بعض المناطق، مثل آسيا والمحيط الهادئ، تصل الأرقام إلى ذروتها، حيث إن 61% من الأطفال المنخرطين في أعمال خطرة خارج منظومة التعليم.
كما يبرز التقرير تغير المناخ كعامل خطر متزايد، حيث يدفع الأسر إلى براثن الفقر، ويؤثر على الإنتاجية الزراعية، ويزيد من احتمالية اعتماد الأسر على عمل أطفالها، وأكد التقرير أن الحلول معروفة، لكنها تتطلب إرادة سياسية وموارد ضخمة وتضافرا للجهود العالمية، وتشمل الأولويات السياسية العاجلة، مثل: ضمان التعليم المجاني والجيد، وتوفير بديل حقيقي ومجد للأطفال بدلا من سوق العمل، العمل على توسيع نطاق الحماية الاجتماعية الشاملة، ودعم الأسر الأكثر فقرا للتخفيف من الضعف الاقتصادي الذي يدفع الأطفال إلى العمل، وتعزيز الأطر القانونية، ومواءمة القوانين الوطنية مع المعايير الدولية وإنفاذها بصرامة، فضلا عن مكافحة عمالة الأطفال في سلاسل التوريد، وإلزام الشركات بمسؤولياتها لضمان خلو منتجاتها من عمالة الأطفال، ومعالجة الأسباب الجذرية، من خلال التنمية الريفية، والتجارة العادلة، وتنويع الاقتصادات، ومعالجة تأثيرات تغير المناخ.



Trending Plus