سعيد الشحات يكتب : ذات يوم.. 13 سبتمبر 1978..حسن التهامى يطالب الرئيس السادات فى مفاوضات كامب ديفيد بتعيينه حاكما عاما على ميل مربع من القدس تقتنع إسرائيل بالانسحاب منه

كان الرئيس السادات يجلس فى استراحته بمنتجع «كامب ديفيد» فى أمريكا، 13 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1978، حين ذهب إليه وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل، فوجد معه حسن التهامى، وكان حديثهما يدور حول القدس، وفقا لما يذكره «كامل» فى مذكراته «السلام الضائع».
كانت المباحثات تدور فى «كامب ديفيد» على قدم وساق بين الوفدين، المصرى برئاسة السادات، والإسرائيلى برئاسة مناحم بيجين، وبرعاية الرئيس الأمريكى جيمى كارتر، ويكشف كامل، عن العقبات والخلافات العديدة التى كادت تهدد المفاوضات من أساسها، وكانت القضية الفلسطينية ووضع مدينة القدس محورا رئيسيا فى ذلك.
كان «التهامى» ضمن أعضاء الوفد المصرى، ويصفه الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين فى كتابه «محاوراتى مع السادات» قائلا: «كان من زملاء عبدالناصر فى حركة الضباط الأحرار، وكان مشهودا له باستقامته الشديدة، وأمانته المطلقة وحدة شخصيته وتدينه، وانقلب هذا التدين إلى دروشة شديدة، وأصبح يعتقد أنه رجل مكشوف عنه الحجاب، فكان يحدث أن يكون جالسا بين أصدقائه ثم ينهض فجأة، ويقول بصوت مرتفع «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته»، أما السبب فسريعا ما يفسره هو بقوله، إن سيدنا الخضر مر أمام الجالسين، ولكن لا يراه ولا يرد عليه السلام إلا من كشف عنه الحجاب فقط».
على هذه الحالة بقى التهامى أثناء مفاوضات كامب ديفيد، ويذكر كامل: «فى كل مساء كان يجتمع أعضاء الوفد المصرى بالاستراحة التى أنزل بها، ولم يكن هناك ما نستطيع أن نفعله قبل أن يتقدم الجانب الأمريكى بمشروعه، وكان أعضاء الوفد يدخلون الاستراحة حاملين معهم أخبارا صغيرة عن من قابل من، ومن ذهب إلى قاعة السينما، ومن يبدو على أسارير وجهه الشعور بالاطمئنان والثقة، ومن تبدو عليه ملامح القلق والوجوم، ومن دخل استراحة بيجين ومن خرج منها، وهكذا».
يؤكد «كامل»: «كان الوقت يمضى ثقيلا مملا حتى يفرغ التهامى من جولاته المجهولة وينضم إلينا فى الاستراحة، وكان الوحيد من بين أعضاء الوفود الذى ينزل فى استراحة بمفرده، كما كان هو وبيجين يصران على ارتداء بدلهما كاملة مع رابطة العنق طوال المؤتمر، فما أن يعبر مدخل الاستراحة حتى يتلاشى فى لحظة جو الملل والتثاؤب والقلق، وينقلب إلى بهجة ومرح ودعابة، ويبدأ بآخر الأخبار، فيقول مثلا إن موشى ديان وافقه منذ ساعة على عودة القدس إلى العرب، ثم يتكلم عن التصوف وتفسير الأحلام، وينتقل إلى القصص والروايات، ويحكى كيف حل مشكلة المسلمين فى الفلبين، وكيف استطاع أن يؤجل قيام الثورة فى الميلانو ثلاث سنوات، وفى أحد الأيام دخلنا غرفة الطعام فوجدناه واقفا بالقرب من موائد الطعام المخصصة للوفد الإسرائيلى يناقشونه فيما قاله لهم بأنه فى مقدوره أن يوقف قلبه عن الحركة إلى وقت يشاء».
أما حديثه حول القدس مع السادات فيتذكره كامل، قائلا: «فى الحقيقة كان التهامى لا يكل ولا يمل من ترديد وجوب استعادة القدس العربية من بين براثن إسرائيل، وبطبيعة الحال كان موضوع استعادة القدس على رأس قائمة اهتماماتنا جميعا، ولكنه كان لا يجلس فى مكان إلا ويتناولها بالتخصيص من بين المشاكل الأخرى».
يضيف كامل: «فجأة قال السادات، إنه يكون شيئا عظيما حقا لو استطعنا تنفيذ فكرة الميل المربع، وسألته عن ماهية حكاية الميل المربع، فرد التهامى: «تنسحب إسرائيل من مساحة ميل مربع من القدس ونرفع عليها علما عربيا أو إسلاميا»، ويؤكد كامل، أن التهامى أو السادات لم يفسرا له سر هذا الميل المربع ولا منطقته، ولم يسمح له تزاحم الأحداث بعد ذلك بمعاودة الاستفسار.
يضيف: «قصة هذا الميل المربع شكلت بالنسبة لى لغزا محيرا وسرا مغلقا، فلماذا ميل مربع، هل من المعقول أن هذه المدينة التاريخية البالغة القدم أقيمت هندسيا فى نطاق ميل مربع؟ ويكشف: «استنتجت فى النهاية أنها من بنات أفكار التهامي، وقال التهامى للسادات: أرجوك يا ريس أن نكون على اتفاقنا بتعيينى حاكما عاما على القدس «الميل المربع»، فأنا لم أطلب منك فى حياتى شيئا، وليس لى مطلب آخر، فهذا هو حلم حياتى الذى أدعو الله أن يحققه قبل مماتى، وتمتم السادات بشىء لم أفهمه».
يؤكد كامل: «ابتلعت حيرتى وسكت، ولا أدرى لماذا أعدت إلى ذاكرتى فى هذه اللحظة القصة التى رواها التهامى لى ولأحمد ماهر «وزير الخارجية فيما بعد»، عندما كنا نتناول العشاء فى «فوشل» بالنمسا بشأن الاتفاق الذى جرى بين اليهود وربهم حول عودتهم إلى أورشليم كبرهان على قبولهم توبتهم، ثم يذبحون تكفيرا عن عصيانهم، ونظرت إلى حسن التهامى، وتداعت إلى خيالى صورته وهو يرتدى زى الحاكم العام ويجلس على كرسيه وسط الميل المربع، والجموع تحتشد من حوله تلتمس تنفيذ الحكم الإلهى، وسرت فى جسمى قشعريرة، وأدرت هذا الخاطر بعيدا ومعه حسن التهامى».

Trending Plus