شمال سيناء تستعيد خُضرتها.. الزيتون يكسو رمال الشيخ زويد والعريش.. فرص عمل وأمن غذائى.. المحاصيل تنوعت لتشمل التفاح والخوخ والتين والخضراوات بأنواعها.. وجهود الدولة لا تتوقف لدعم المزارعين وتوفير الخدمات.. صور

على امتداد الطرق المؤدية إلى الشيخ زويد وشرق وغرب العريش، تتبدى أمام الزائر لوحة مختلفة تمامًا عمّا عرفته المنطقة في سنوات مضت. الرمال الصفراء التي طالما هيمنت على المشهد، بدأت تتراجع أمام موجات من الخُضرة، بساتين زيتون، وزراعات جديدة من الفواكه والخضروات. كل من يمر هنا لا يملك إلا أن يردد في داخله: "تسلم الأيادي الشغالة".
نقلة نوعية فى المنطقة
خلال السنوات الثلاث الأخيرة، نجح الأهالي في إحداث نقلة نوعية في مشهد الزراعة بالمنطقة. مساحات رملية شاسعة تحولت إلى مزارع خضراء، فاستعاد السكان علاقتهم القديمة بالأرض، وعادوا لإعمار قراهم بعد أن غابت الحياة عنها لفترة من الزمن. الزيتون كان العنوان الأبرز لهذه العودة، لكنه لم يكن وحده؛ فقد جرت محاولات متواصلة لإدخال أصناف جديدة من الفواكه والخضروات، لتتنوع الغلات وتزداد فرص النجاح.
هذه الجهود تناغمت مع جهود تواصل تقديمها الدولة لتوفير بنية تحتية تخدم المزارعين من طرق وكهرباء ودعم ارشاد زراعي وتوفير شتلات .
لم يكن اللون الأخضر مجرد زينة طبيعية؛ بل صار سببًا رئيسيًا في استعادة السكان لحياتهم الطبيعية. المزارع هنا لم يعد مجرد حقل، بل مصدر رزق ووسيلة للعودة إلى الديار، مئات الشباب وجدوا في هذه النهضة الزراعية فرص عمل متنوعة، ما بين زراعة وحصاد وتسويق، فتحولت القرى إلى ورش عمل ممتدة لا تعرف التوقف.
مزارعو العريش يتسابقون لاستصلاح أراضيهم
في مناطق شرق العريش والخروبة والعبيدات، يسابق المزارعون الزمن لاستصلاح أراضيهم. خلال سنوات قليلة نجحوا في إعادة كسوة مساحات واسعة باللون الأخضر، بعضها كان معمورًا في السابق وتراجع نشاطه، وبعضها الآخر يُزرع لأول مرة. العودة لم تكن مجرد استعادة لما مضى، بل توسع وامتداد نحو أراضٍ جديدة لم تعرف الزراعة من قبل، لتصبح اليوم مقصداً لمزارعين جدد، ومركز جذب للاستثمار الزراعي.
في قرية قبر عمير، لا يزال الأهالي يحافظون على خصوصيتهم الزراعية، فالتين والعنب هنا يحملان سمعة طيبة تتوارثها الأجيال. ومع ذلك، لم يتوقفوا عند حدود الماضي، بل واصلوا التوسع في زراعة الزيتون ليصبح العمود الفقري لاقتصاد القرية.
أما في منطقة الغراء، فقد قاد الأهالي حملات منظمة لاستصلاح الأراضي، فنجحوا في تحويل مساحات واسعة إلى مسطحات خضراء. اليوم، تبدو الغراء وكأنها لوحة طبيعية تعكس إرادة أهلها وصبرهم على العمل.
لم تكن قرية الشلاق أقل حظًا، فقد امتدت يد التعمير إلى سواحلها، حيث يجاور الزيتون والرمان نخيلًا باسقًا يشهد على صمود المكان. أما جنوب الشيخ زويد، فقد تحولت هضاب ومنخفضات التومة إلى مزارع خضراء تزينها أشجار الزيتون وتتنوع بينها محاصيل الخضروات، ما جذب مزارعين جدد وخلق فرص عمل إضافية.
قرية الظهير تحافظ على صدارتها فى إنتاج الخوخ واللوز
وفي قرية أبو العراج، يضرب الأهالي مثالاً في التمسك بالجذور والتطلع إلى المستقبل في آن واحد، هنا تتجاور الزراعات التقليدية من اللوز والعنب والتين مع محاصيل الزيتون الحديثة، في مزيج يعكس هوية الأرض وذاكرة أهلها.
حافظ سكان قرية الظهير على تميزهم بإنتاج الخوخ واللوز والمشمش والعنب، مع التوسع في زراعة الزيتون الذي امتد إلى قرية العكور المجاورة وصولا لقرية ابوطويلة التضاريس الوعرة لم تكن عائقًا أمام عزيمة المزارعين، بل شكّلت تحديًا تغلبوا عليه ليصنعوا لوحة متناغمة من الحجر والبشر والزيتون.
أما في الجورة جنوبًا، فقد استعادت الأرض نشاطها الزراعي بعد سنوات من التوقف، فعادت مزارع الزيتون إلى حيويتها، وواصل الأهالي استصلاح مساحات جديدة، مستفيدين من خصوبة التربة ووفرة المياه الجوفية.
النهضة الزراعية لم تقتصر على القرى فقط، بل شملت مدينة الشيخ زويد نفسها، حيث لم تُترك قطعة أرض إلا وزُرعت بالزيتون. وعلى الساحل الغربي للمدينة، تمتد المزارع حتى محاذاة قرية الشلاق، حيث يلتقي البحر بالحقول. في هذا المكان، لا يبعد هدير الأمواج كثيرًا عن أشجار الزيتون والتفاح والتين، في مشهد يجمع بين زرقة البحر وخضرة الحقول.
إعادة الزراعة لم تكن مجرد عودة للخُضرة، بل كانت عودة للحياة ذاتها. مئات الأسر استعادت مصادر رزقها، وعاد الشباب إلى قراهم بعدما وجدوا فرص عمل تناسبهم. الزراعة وفرت الإحتياج الغذائي المحلي، وخففت من تكاليف المعيشة، وأعادت الأمل إلى قلوب سكان المنطقة.
التجارب المتواصلة لإدخال أصناف جديدة من الفواكه والخضروات والنخيل تعكس وعي المزارعين بأهمية التنوع الزراعي. التفاح، الخوخ، اللوز، التين، والعنب إلى جانب الزيتون، كلها محاصيل تمنح المنطقة فرصة لتوسيع نشاطها الاقتصادي، سواء في الاستهلاك المحلي أو في التصنيع والتسويق الخارجي.
اليوم، من يسلك طرق الشيخ زويد والعريش، يلمح بوضوح كيف تغلبت عزيمة الإنسان على قسوة الطبيعة. الرمال التي طالما غطت المكان، صارت تتناثر بين مساحات خضراء واسعة، فتكتمل اللوحة ببهجة لم يعرفها الزائر منذ سنوات.
إنها قصة إنسان وأرض، صبر وإصرار، عودة وانبعاث. قصة الزيتون الذي لم يعد مجرد شجرة عتيقة في وجدان أهالي سيناء، بل صار رمزًا لإرادة الحياة، وراية خضراء ترفرف فوق رمال طالما انتظرت لحظة الميلاد الجديد.

Trending Plus